أخبار

توالي الإفراج عن مسؤولي نظام بن علي يعيد جدل استقلالية القضاء

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الإفراج عن وزير العدل التونسي السابق البشير التكاري المُتهم بتورطه في تركيع القضاة التونسيين وتدجين الجمعيات المستقلة في عهد بن علي، آخر خبر كان التونسي يتوقع سماعه بعد ثورة 14 يناير. الأمر لم يقف عند هذا الحدّ، بل تجاوزه إلى إطلاق سراح مسؤولين كبار آخرين، من بينهم سيدة العقربي، التي تعتبر الساعد الأيمن لليلى الطرابلسي.

سيدة العقربي التي تمّ الافراج عنها قبل فرارها إلى فرنسا كانت تتقلد منصب رئيس المنظمة التونسية للأمهات، وهي قيادية في حزب التجمع الحاكم وتوصف بأنها "الساعد الأيمن" لليلى الطرابلسي زوجة زين العابدين بن علي

تونس: لا شعار يعلو على شعار "استقلالية القضاء" في تونس هذه الأيام. ورغم أنّ مطلب استقلالية القضاء كلف تونسيين طالبوا به في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الكثير من التضحيات، فإنه لايزال مطلبًا حيويًا يطرحه الشارع والأحزاب ومنظمات المجتمع المدنيّ، بشكل مرتفع الوتيرة.

عودة الجدل والغليان حول استقلالية القضاء التونسي أخيرًا قد يبدو مبرّرًا لدى كثيرين.

فالبداية كانت مع خبر نزل كالصاعقة على التونسيين، ومفاده أنّ سيدة العقربي، الرئيسة السابقة للمنظمة التونسية للأمهات، والقيادية في حزب التجمع الحاكم سابقًا، والذي تمّ حلّه بأمر قضائيّ، نجحت يوم 30 يوليو/تموز في مغادرة تونس في رحلة جوية من مطار تونس قرطاج الدوليّ باتجاه مطار أورلي في العاصمة الفرنسية باريس. وقد سبق أن أحبط أعوان الديوانة إبان ثورة يناير محاولة فرار سيدة العقربي وهي متنكرة، بحسب تقارير صحافية.

لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل تمّ الإفراج كذلك عن بشير التكاري، الذي كان وزيرًا إبان عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الأربعاء الماضي، بشكل باغت كثيرين، خصوصًا وأن التكاري كان قيد التوقيف الاحتياطي منذ 11 تموز/يوليو بتهمة الفساد.

وكان التكاري، الذي شغل منصب وزير العدل وحقوق الإنسان لحوالي عقد من الزمن، ثم عيّن وزيرًا للتعليم العالي حتى سقوط بن علي، وضع قيد التوقيف الاحتياطي للرد على اتهامات بالفساد.

واتهم التكاري باستغلال النفوذ، خصوصًا في ما عرف بقضية "الأزرق الكبير"، وهو مطعم راق في الضاحية الشمالية لتونس، اتهم بتزوير أوراق ملكيته مستغلاً منصبه في الدولة.

ويتهم البشير التكاري بالفساد واستغلال النفوذ والمنصب لتدجين قطاع القضاء والتنكيل ببعض القضاة المستقلين، الذين رفضوا الانخراط في منظومتي الرشوة والمحاباة التي كانت سائدة إبان حكم زين العابدين. ولطالما شكل وزير العدل السابق محط تصويب من جانب محامين وقانونيين، وهو الذي اشتهر بدفاعه المستميت عن بن علي الذي تمت الإطاحة به في انتفاضة شعبية في 14 كانون الثاني/يناير ليستقرّ به المقام في العربية السعودية.

إلى ذلك، قررت دائرة الاتهام في محكمة الاستئناف في تونس الخميس الماضي في قرار آخر قوبل بالاستهجان، الإفراج عن وزير النقل السابق عبدالرحيم الزواري الموقوف في قضايا متعلقة بفساد مالي في الوزارة وتمويل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل.

وكان الزواري أوقف في 13 ابريل/نيسان الماضي، وأودع السجن، على ذمة التحقيق على خلفية اتهامات بـ"استغلال موظف صفته والحصول على فائدة دون وجه حق لنفسه ولغيره".

ويوصف الزواري بأنه أحد أقدم وزراء النظام السابق، وتولى عدًدا من الوزارات، منها العدل والشباب والطفولة والشؤون الخارجية والرياضة والسياحة والصناعات التقليدية والنقل.

البشير التكاري وزير العدل التونسيّ في عهد بن علي أحاطت به شبهات الفساد واستغلال النفوذ والمنصب لتدجين قطاع القضاء وجعله في خدمة النظام

كما شغل منصب أمين عام الحزب الدستوري الحاكم سابقا لفترتين من 1988 إلى 1991 ومن 1999 إلى 2000.

لم تقف السلطات الانتقالية في تونس صامتة إزاء الغضب الذي أعقب الإفراج عن مسؤولين كبار في نظام زين العابدين بن علي.

وردّت وزارة الداخلية على الاتهامات الموجهة إليها بـ"تيسير فرار سيدة العقربي من مطار تونس قرطاج الدولي" بالقول: "إنّ "السفر خارج تراب الجمهورية هو حق كل مواطن تونسي، ما لم يكن هناك منع من السفر تصدره جهة قضائية دون غيرها".

جاء هذا التوضيح من وزارة الداخلية اثر سفر سيدة العقربي من تونس باتجاه فرنسا عبر مطار تونس قرطاج الدولي، وحسب ما راج من أخبار حينها، فإن سفرها يعتبر "غير شرعيّ".

وأكدت وزارة الداخلية في بلاغ توضيحيّ اطلعت (إيلاف) على نسخة منه انه "عند سفر المعنية يوم السبت 30 جويلية (يوليو) 2011 تم التثبت مليًا في وضعيتها، حيث لم يكن هناك أي قرار قضائي يحجر أو يعوق سفرها، وبالتالي سمح لها بالمغادرة".

وصرحت سيدة العقربي الرئيسة السابقة للمنظمة التونسية للأمهات، والقيادية في حزب التجمع الحاكم سابقا، من باريس لجريدة تونسية أنها "لم تهرب ولا تخاف القضاء لأنها نظيفة" على حدّ تعبيرها.

كما نفت ما راج من أخبار عن هروبها من تونس، وأكدت أنها سافرت إلى باريس بطريقة قانونية، وأضافت انه لم يصدر ضدها أي حكم قضائي، ولم يتم استدعاؤها أصلا للتحقيق، وبان عملها كعضو مجلس نواب مكنها من معرفة القانون جيدًا واحترامه، مما خول لها في إطار القانون الحصول على تأشيرة والسفر إلى الخارج.

في السياق نفسه والمتعلق بالجدل حول استقلالية القضاء التونسي وارتباطه بعدد من رموز الفساد في حقبة بن علي، أوضح مصدر قضائي الجمعة أن قرار الإفراج عن وزير النقل السابق عبد الرحيم الزواري في قضية التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل لا يعني أن المتهم هو اليوم "في حالة سراح".

وأضاف المصدر، الذي تحدّث لوكالة تونس إفريقيا للأنباء الحكومية، أن الزواري موقوف حاليا بالثكنة العسكرية في العوينة إيقافا تحفظيًا /مدته بين 3 و6 أيام/ على ذمة الأبحاث في قضايا أخرى منشورة ضده ومرتبطة بالفساد المالي واستغلال النفوذ.

إلى ذلك، تتالت البلاغات المنددة بإطلاق سراح وزراء عملوا مع بن علي لفترة طويلة من دون محاسبة.

الوزير السابق عبد الرحيم الزواري المُفرج عنه يوصف بأنه أحد أقدم وزراء النظام السابق وتلاحقه تهم الفساد الماليّ واستغلال المنصب والنفوذ

وفي بلاغ تلقت (إيلاف) نسخة منه، قال الحزب الديمقراطي التقدمي إنّ إعلانات الإفراج عن هؤلاء المسؤولين "فاجأت الذين يعلمون جيدا حجم المؤاخذات على هذين المسؤولين البارزين طيلة تحملهما المسؤولية، إذ إن الإفراج عنهما والتباطؤ في محاسبة من أجرموا في حق الشعب والبلاد، يلقي الريبة والشك حول سلامة وعدالة القضاء التونسي في هذه المرحلة الانتقالية".

وعبّر الحزب عن "قلقه وانشغاله الشديدين على حسن سير العدالة وتراجع ثقة المواطن فيها"، داعيًا الرأي العام ومختلف مكونات المجتمع السياسي والمدني وخاصة القضاة النزهاء إلى "وقفة حازمة لتطهير جهاز القضاء من رواسب العهد السابق، وإرساء عدالة انتقالية تضمن محاسبة من أجرموا في حق التونسيين وتنصف جميع المتضررين".

من جانبها، قالت حركة التجديد إن عمليات الإفراج التي شملت وزراء سابقين، والسماح لبعض رموز النظام السابق بالسفر "يطرح تساؤلات مشروعة حول جدية عملية المساءلة والمحاسبة".

وأكدت الحركة (الحزب الشيوعي سابقاً)، في بيان لها، ضرورة رفع كل العراقيل التي تعطل عملية المساءلة والمحاسبة، وطالبت بتسريع العملية وتوسيعها "حتى تكون رسالة لا لبس فيها تبين جدية مسار القطيعة مع نظام الاستبداد والفساد".

واعتبرت الحركة أن ذلك يعدّ "شرطاً أساسياً لتعزيز ثقة المواطنين في مسار الانتقال الديمقراطي وحمايته من مخاطر الالتفاف والارتداد"، وطالبت بوضع باتخاذ قرارات إصلاحية جريئة وفورية في مختلف الأجهزة وخاصة الأمنية والقضائية منها.

أما الهيئة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي فقد أكدت أن الأولوية تبقى محاسبة رموز النظام السابق قبل الحديث عن المصالحة التي يتمناها كل تونسي.

وقالت الهيئة على لسان الناطق الرسمي باسمها خلال مؤتمر صحافي عقد الجمعة في العاصمة: "نريد أن نتصرف انطلاقًا من نبض الشارع والتزامًا بالعدالة الانتقالية، فالمحاسبة يجب أن تسبق المصالحة وكشف المستور. واعتبارا لذلك تحالفت الهيئة مع مجموعة المحامين الـ25 لرسم خطة عمل تمكن من محاسبة رموز النظام السابق في اقرب الآجال".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف