بنغازي رغم كل شيء تبقى أفضل حالاً من طرابلس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لندن: ظلت طرابلس التي يسيطر عليها نظام العقيد القذافي وبنغازي مقر المجلس الوطني الانتقالي للمعارضة الليبيبة تتبادلان المواقع في أيهما الأشد تأثرًا بالنزاع طيلة الأشهر السابقة.
ويقول مراقبون ان الوضع في بنغازي يتحسن تحسنًا طفيفًا كل يوم.فان شرطة المرور منتشرون في الشوارع، حيث على الأقل يبدو وكأنهم ينظمون حركة السير، وافتُتح في "متحف جرائم القذافي" معرض فنون كان ممنوعًا سابقا.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن ممثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر عبد دادا الذي امضى الأسابيع الأخيرة في بنغازي قوله ان المدينة آمنة والخدمات متوافرة، مشيرا الى عمل المخابز وانتاجها معجنات رمضانية.وتكلف اسطوانة الغاز اقل من سعرها قبل الانتفاضة.والاتصالات المحلية على الهاتف الخلوي مجانية.
ولاحظ تاجر شاب مفتخرًا ان سعر الدجاجة في طرابلس تقدر بـ12 دولارا، وسعر نظيرتها المستوردة من مصر في بنغازي 3 دولارات.
ويرى معلقون ان الحياة اليومية في عاصمة المعارضة الليبية ومشاعر سكانها مؤشرات مهمة الى ما ستكون عليه ليبيا ما بعد القذافي.وبناء على الوضع في بنغازي فان الدلائل في شهر آب/اغسطس تشير الى ان حكومة ستأتي مثقلة بالانقسامات، يديرها هواة، لكنهم حسنو النيات، حريصون بما فيه الكفاية لإبقاء المصابيح مضيئة، على حد تعبير واشنطن بوست.
حين زار سعدي القذافي نجل الزعيم الليبي بنغازي في شباط/فبراير في محاولة لنزع فتيل الانفجار الثوري قال مخاطبًا سكانها الغاضبين انه يعدهم بتحويل بنغازي الى سان دييغو لو هدأوا وعادوا الى بيوتهم.
والحق ان بنغازي يمكن ان تتحول الى مدينة رائعة الجمال.فهي تطل علىالبحر المتوسط، ولديها بحيرات وحديقة حيوانات.لكن المياه القريبة من الشاطئ قذرة تتعذر السباحة فيها، والبحيرات برك آسنة، ومشهد الأسد القابع في قفصه يبعث على الشفقة.
واعترف سعدي القذافي بعدما القى نظرة سريعة على أرجاء المدينة بأنها تحتاج اصلاحًا وترميمًا. وقال اللاعب الكروي المحترف والمنتج السينمائي سابقًا ان اخطاء كثيرة ارتُكبت.
وإذا كانت هناك علامة معمارية فارقة في بنغازي فهي المباني التي تنتظر استكمال بنائها.فهذه مدينة لم يُنجز فيها أي شيء بدأ بناؤه.ويبدو ان سلطات نظام القذافي وضعت السقالات ثم غادرت المدينة. وتشير مساحات واسعة من المدينة الى عمليات احتيال عقارية بحجم ما يجري في اماكن مثل ولاية فلوريدا الاميركية.وعلى سبيل المثال فإن بناء مستشفى ذي 1200 سرير بدأ في عام 1973 ولم يُفتتح البرج الأول من ابراج المستشفى الثلاثة إلا في العام الماضي.
ويروق رجال أعمال في بنغازي ان يقولوا ان امارة دبي كلها بُنيت من الصفر خلال الفترة التي استغرقها بناء مستشفى واحد بسعة 400 سرير في بنغازي.
يصح الشيء نفسه على ملعب كرة القدم الذي أُنشئ في عهد الملك ادريس إبان الخمسينات.إذ بدأت اعمال التجديدفيه قبل خمس سنوات، وهي ما زالت مستمرة.في هذه الأثناء ما زالت عشرات آلاف الشقق التي بُنيت في غرب بنغازي هياكل شاغرة.
قال محمد زنتاني، الذي يملك متجرًا لبيع الملابس النسائية، لمراسل واشنطن بوست، ان القذافي يكره كل الليبيين. وحين يلتقي زنتاني اصدقاءه في المقهى بعد الإفطار يتحدثون عن مستقبل كان يبدو عصيًا على المخيلة قبل الانتفاضة، متسائلين هل سيتمكن الليبيون من استخدام البطاقات الائتمانية، هل سيقرأون الصحف التي يريدونها،وهل سيكون الكحول مجازًا في الفنادق السياحية.
يستمد سكان بنغازي قوة معنوياتهم اينما توافرت مصادرها.فان زنتاني واصحابه لا يحملون كلاشنكوفات، ولكنهم يحملون هواتف خلوية عاملة.وكان النظام عطل شبكة الخلوي التي يديرها احد ابناء القذافي، ولكن مهندسي المعارضة تمكنوا من إعادة تشغيل الخدمة.وقال المهندس سراج التويبي الذي فقد شقيقه الأكبر في القتال ان هؤلاء المهندسين هم ابطال الثورة.
اليوم كل الاتصالات المحلية مجانية، إذا توافرت الشريحة الالكترونية التي يبلغ سعرها 150 دولارا في السوق السوداء.
ومن مظاهر عودة الحياة الى حالتها الطبيعية لقطات قد تبدو صغيرة، ولكن لها مغزاها في بلد ثائر، بستاني ينظم حديقة وزارة المالية، وسيارة اطفاء تهرع لإخماد حريق شبّ في مخزن وسط المدينة.
ولكن مرافق أخرى ما زالت معطلة.فالشباب الذين لا يقاتلون على الجبهة ، ليس لديهم ما يفعلونه سوى ذرع الشوارع في بنغازي نظرا لتوقف الحياة الاقتصادية ما عدا بعض النشاطات المحدودة.
المواطنون يعيشون حالة ملل وافلاس وقلق وترقب لكنهم ، كما يقول الغالبية، سعداء بحريتهم.إذ ليست هناك سيولة نقدية، ولا اعتماد، وبالتالي فان الأعمال متوقفة.ومصارف بنغازي لا تسمح إلا بسحب مبالغ قليلة لأنها لا تملك اوراقا نقدية.ولم تُدفع رواتب الموظفين منذ اشهر.
وقال ابراهيم شباني، الذي يدير شركة اعلامية بدأت تنشر مجلة انيقة للمدينة أخيرًا، ان الجميع يقولون ان القذافي هو المسؤول عن هذا الوضع.واضاف ان هذه العبارة اصبحت الجواب الذي يُساق عن كل سؤال.
الليبيون لا يمارسون الأعمال اليدوية عمومًا، وبالتالي فان اعمالا مثل جمع القمامة وقعت على عاتق الوافدين الأفارقة، الذين هربوا بعد اندلاع النزاع. وكان المصريون والفيليبينيون والصينيون يتولون اعمال البناء وطلاء الجدران بعد انجاز العمل، وهم ايضًا عادوا الى بلدانهم.كما تركت بنغازي تتدبر امورها بقدراتها الذاتية الشركات الاجنبية، التي كان بينها متعهدون نمساويون واتراك وصينيون.
وقال عبد الحكم عبد الملكمدير التشغيل والصيانة في مؤسسة الماء والمجاري لصحيفة واشنطن بوست ان شبكة معالجة مياه الصرف لم تكن تعمل في السابق "وهي بصراحة لا تعمل الآن.وكل الماء يذهب الى البحر أو البحيرات".وأكد عبد الملك انه استقال، ولكن طُلب منه العودة الى وظيفته.
واشار عبد الملك الى انه قبل الانتفاضة كان المرء يُسجن عندما تفيض المجاري أو يمرض اشخاص بسبب نوعية الماء.اما الآن فالجميع "يبتهلون الى الله بأن يستمر النظام الذي لدينا في العمل".