أخبار

تزايد ظاهرة التسول في الجزائر خلال رمضان

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الجزائر: تعتبر ظاهرة التسول من بين المظاهر السلبية المنتشرة بشكل مقلق خلال شهر رمضان في الجزائر. وخلال جولة قصيرة قادتنا إلى مختلف أحياء العاصمة الجزائرية، وقفنا على مدى انتشار هذه الظاهرة، و التي أخذت منحى تصاعدي أكثر خلال شهر رمضان، و خاصة في الأحياء الفقيرة.

ففي ساحة الشهداء هناك العشرات من هؤلاء ينتشرون في مختلف الأزقة و الشوارع الرئيسية، لكن يبقى المكان المفضل لهؤلاء المساجد، ففي المسجد الكبير والمسجد الجديد بساحة الشهداء مثلا هناك العشرات من المتسولين يتفننون في صياغة عبارات لاستعطاف الناس، ويستعملون مختلف الوسائل المهم جمع أكبر قدر ممكن من المال، فمنهم من يستعمل الأطفال الصغار ومنهم من يستغل عاهة مرضية أصيب بها، فتجده يعرض للمصلين وثيقة طبية، ومن هؤلاء و اغلبهم نسوة يجلبن أكياس بلاستيكية، وهو تسول غير مباشر عن طريق عرض تلك الأكياس لبيعها للمصلين من أجل وضع أحذيتهم بداخلها لكي لا تتعرض للسرقة في المسجد، وحتى الجالية من دول إفريقيا أخرى امتهنوا هذه المهنة فتجدهم في عدة أماكن يستجدون الناس، ويمدون أيديهم من أجل تحقيق ربح سهل و سريع، ويتكرر هذا المشهد في أحياء عديدة بالعاصمة الجزائر، ومثل ذلك في المدن الداخلية الأخرى.

وإلى ذلك تتضارب مواقف و نظرة الناس إلى هؤلاء، فهناك من يعتبر أن هذه الفئة فعلا يجب مساعدتها، و يحملون المسؤولية في معاناة هؤلاء و تكاثر عددهم إلى وزارة التضامن الوطني، التي لا تلعب دور في حماية هذه الفئة و خاصة النساء و الأطفال و كبار السن عن طريق تقديم مساعدات عينية لهم مستمرة على مدار العام، و لا تقتصر على إعانات رمزية في شهر رمضان، و يحملون السلطة بشكل عام لعجزها عن تحقيق تنمية اجتماعية و اقتصادية من خلال خلق مناصب شغل قارة للناس، و على طرف نقيض نجد فئة من الناس تعتبر هؤلاء مجرد مبتزين، يعملون في شبكات منظمة من أجل تحقيق ربح سهل و سريع، و يعتبرون تقديم الصدقة لهم بمثابة تشجيع لهذه السلوكات المنحرفة.

"أسماء" امرأة متزوجة التقينا بها خلال جولتنا في شارع العقيد عميروش وسط العاصمة الجزائرية، تحدثت لـ "إيلاف" عن أسباب دخولها عالم التسول من أبوابه الواسعة، و في ذلك تقول "أنا من مدينة الشلف تزوجت من شاب هنا بالعاصمة، لكن ظروفه الاجتماعية القاسية أجبرتنا على بناء كوخ قصديري بحي السمار في العاصمة، لكن قرار صدر ضدنا يقضي بهدم هذا الكوخ أصبحنا بعدها مشردين دون ملجأ، و لأسباب خاصة دخل زوجي السجن، ووجدت نفسي وحيدة حينها اضطررت للبحث عن عمل، فاتجهت إلى أحد الفنادق و اشتغلت هناك كمنظفة، ووجدت نفسي مضطرة للتسول، و أنا هنا بشارع عميروش و زوجي خرج من السجن لكنه دون عمل، وأنا من أعيل أسرتي من هذه المهنة، لكنني سأسعى قبل الشتاء المقبل لإيجاد عمل شريف لأخرج من هذا الجحيم الذي أعيشه بشكل يومي".

وعن نظرة الناس إليها تقول أسماء "نعم هناك من ينظر إلينا نظرة احتقار، وهناك من يقول بأننا نبتز في الناس، نعم هناك الكثير من المتسولين من يقوم بذلك، هناك نساء أصبح التسول بالنسبة إليهن مهنة وحرفة رغم أنهن يمتلكن بيوت و أزواج، و هناك شيء أخطر من ذلك وهو وجود مجموعة من النساء وخاصة المطلقات يقمن بجمع المال، و بعد ذلك يتقاســمن ذلك المـال في المساء مع رجال يواعدنهن في بيوتهن أو في الفنادق و يمارسون الرذيلة و شرب الخمر و المخدرات".

من جانبها أعلنت وزارة التضامن الوطني عشية شهر رمضان عن تخصيص نحو 1.5 مليون قفة رمضان لصالح العائلات الفقيرة و ذات الدخل المحدود، لكن هذه الإعانة يعتبرها البعض "لا تخدم صورة الجزائر لا داخليا ولا خارجيا" و آخر هذه الانتقادات كانت من زعيم حركة مجتمع السلم أحد أعضاء التحالف الرئاسي أبو جرة سلطاني الذي اعتبر أن "ارتفاع عدد المستفيدين من رمضان يشوه صورة الجزائر خارجيا".

وعلى مستوى التشريع فقد كشف الوزير سعيد بركات في تصريحات سابقة للإذاعة الجزائرية عن "مشروع نص قانوني في طور الانجاز يتضمن أحكاما ردعية في مجال مكافحة التسول بالجزائر" ولدى رده على سؤال شفوي حول ظاهرة التسول طرحه عضو بمجلس الأمة في جلسة علنية أوضح أنه "تم تنصيب خلية تضم ممثلين عن عدة قطاعات لاقتراح إجراءات في إطار مشروع نص القانون هذا يتضمن أحكاما ردعية "مشددة" في مجال مكافحة ظاهرة التسول".

وأضاف أن " النص القانوني سيكون "صارما" و يهدف إلى محاربة شبكات التسول بكل أشكاله لا سيما الشق المتعلق باستعمال الأطفال و الرضع و حتى الأشخاص ذوي الإعاقة". وسيقترح المشروع حسب بركات معاقبة الأولياء الذين يستغلون أبناءهم في التسول بـ"السجن" و "إبعاد الأطفال عن الوالدين في حالة استغلالهم في هذه الظاهرة و وضع هؤلاء الأطفال في مراكز متخصصة لحمايتهم وضمان أمنهم".

وأكد أن المتسولين في إطار شبكات محترفة "ليسوا بحاجة إلى إعانات بل يسعون إلى استغلال وسائل عديدة غير شرعية للكسب السهل و السريع".ولهذا الغرض يقول بركات فان " مشروع القانون سيكون بمثابة لبنة جديدة تضاف إلى جملة من النصوص القانونية المعمول بها و يعززها بغية القضاء على ظاهرة التسول ومنعها نهائيا ".

وعن الأسباب الحقيقية لانتشار ظاهرة التسول في الجزائر يشير الباحث الاجتماعي و الأستاذ بجامعة جيجل شيهب عادل في حديثه لـ "إيلاف" إلى أن ظاهرة التسول هي " ظاهرة عالمية تنتشر شرقاً وغرباً، بحيث نجد المرء في كل البلاد سواء المتقدمة أو المتخلفة يستعطف الآخرين ويستجدي إنسانيتهم بشتى أنواع السبل ومختلف الطرق، وتعتبر ظاهرة التسول في الجزائر من الظواهر الأكثر تعقيدا وتشابكا وإرباكا لكل من يحاول وضعها تحت النظر أو قيد الدراسة أو تحويلها إلى مادة إعلامية وربما ما يوقع في كل ذلك، هو تعدد المتسولين وتعدد طرق وأشكال التسول، إذ ليس من السهل تصنيف كل متسول في الفئة المناسبة، فهناك متسولون محترفون، ومتسولون متسولون، ومتسولون ظرفيون وغيرهم ".

ويقسم الأستاذ شيهب التسول إلى عدة أصناف من " خلال صور المتسولين بالمدينة الجزائرية فهناك " نوع يتميز بالغباء أو الاستغباء حيث أن أحد المتسولين كلما صادفك يقول لَك امنحني عشرين دينار فقط أعود بها إلى قريتي لأني فقدت محفظتي، ومنظره يقنعك بأنه شخص عادي فعلا لكنه وقع في مأزق وكثيرا ما يصدقه الناس، ولكن المشهد الكاريكاتوري أنك تصادف هذا المتسول مرتين أو ثلاث في اليوم وينسى طبعا أنه حدثك ويطلب منك بنفس الأسلوب نفس الطلب ".

و"هناك بعض المتسولين يعانون من عاهات تشفع لهم عند الناس فيقتنعوا بمساعدتهم ولو بمبالغ زهيدة، المثير أن البعض منهم يصطنع عاهة على حساب صحته وخاصة الجراح العميقة ولا يأبهون بالأضرار التي قد يقدمون فداءها كل ما اكتسبوه من الناس حتى يشفوا ".

أما الشكل الثالث حسب الباحث شيهب فهم "متسولون يستجدون عطف النساء العازبات اللاتي يرغبن في الزواج، فهن الأكثر عطاء لأنهن يرغبن في الستر، وليس أسهل من أن يدفعن مبالغ بسيطة للمتسولين مقابل دعوة بالستر والزواج".

و"هناك بعض المتسولين من يستخدم "موازين" منتشرة لقياس وزن المارة وإن كان الأمر غير إجباري، إلا أنك تضطر للاستجابة إلى إلحاح الأطفال الذين اشتروا ميزانا يضعونه أمامهم، ويعرضون خدماتهم بهذا الشأن بطريقة تشبه تماما التسول وإن كانوا لا يسمون ما يفعلونه بذلك المسمى، وإنما يعتبرونه عملا كغيره من الأعمال والخمس دنانير المطلوبة هي عوض عن استعمال الميزان".

و هناك نوع آخر من التسول يعتبره الباحث شيهب من أخطر أنواع التسول في الجزائر وهو ما يسميه بـ "تسول الدعارة"، هذا الصنف "يعتبر هذا الصنف الأخطر من بين جميع الأشكال السابقة للظاهرة التسول بالمجتمع الجزائري، وهذا الشكل هو عبارة عن مزاوجة بين التسول والدعارة، فنجد أن فئة من المتسولين النساء، وخاصة المطلقات منهن والفتيات الهاربات من البيوت هن من يشيع في أوساطهن هذا الشكل من التسول، حيث يقمن بالتسول في النهار وفي نفس الوقت البحث عن زبون في الليل، للممارسة الدعارة في بيوت مستأجرة بالأحياء الشعبية المتواجدة بالمناطق النائية وبضواحي المدينة، نظرا للانخفاض أجرة هذه البيوت".

أما عن أسباب انتشار ظاهرة التسول في المجتمع الجزائري فيحصرها الأستاذ بجامعة جيجل في عدة أسباب أهمها "الفقر والبطالة و هما من بين أهم عوامل انتشار ظاهرة التسول بالمجتمعات بما فيها الجزائر، فالحاجة إلى تلبية الحاجات الغذائية وغيرها من المتطلبات بالنسبة لهذه الفئات الفقيرة والبطالة هو الدافع الأساسي للخروج إلى التسول ومد الأكف لطلب المساعدة من الآخرين ذوي الدخول الميسورة أو المعلومة، هذا إلى جانب ضعف الدخل وكبر حجم الأسرة فالأسر ضعيفة الدخل وكبيرة الحجم تعتبر من أكثر الأسر عرضة لظاهرة التسول، فهي مع ضعف الدخل وكبر الحجم لا تستطيع تلبية مختلف حاجيات الأسرة، التي تختلف وتتنوع، بالإضافة إلى غلاء المعيشة وأسعار الحاجيات فغلاء المعيشة ولهيب الأسعار خاصة فيما يخص الحاجيات الأساسية، تدفع بالأفراد والأسر الفقيرة للجوء إلى التسول من اجل سد رمق العيش، كما أن هناك من يتخذها مهنة يلجأ إليها رغم يسر حالته الاجتماعية والاقتصادية، لما تدره عليه من أموال دون تعب وكد".

ويرجع الباحث شيهب أسباب ازدياد معدلات التسول في شهر رمضان إلى "طبيعة مفهوم التسول في حد ذاته والذي يعتمد في الأساس على مبدأ استعطاف واستجداء إنسانية الآخرين، إذ أن في شهر رمضان تلين قلوب الناس وتعود إلى ربها وتكون متعلقة بالله أكثر من غيرها في الشهور الأخرى، فيجد المتسولون وخاصة منهم المحترفون بابا واسعا للنفاذ إلى قلوب الآخرين واستمالتهم إلى العطاء أكثر من ذي قبل".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف