آنا هازاري يلهب مشاعر الشعب الهندي لمواجهة الفساد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
رغم اختلاف الظروف والمقومات إلا أن بعض المراقبين يعتقدون أن الاحتجاجات التي تشهدها الهند لمواجهة الفساد تقارب في حيثياتها التظاهرات التي عرفها العالم العربي في ظل الثورات الشعبية التي اندلعت مطلع العام الجاري.
في دولة الهند الجديدة التي تهيمن عليها في الغالب هواجس الثروة والمكانة، وحيث يحظي نجوم لعبة الكريكت ونجوم بوليوود السينمائيين بدرجة كبيرة من حب الجماهير، بدا ذلك المواطن العجوز، آنا هازاري، وكأنه قادم من حقبة سابقة مُهمَلَة. هازاري، صاحب الـ 74 عاماً، نجح بفضل ملابسه البيضاء وغطاء رأسه الأبيض في أن يعيد إلى الأذهان صورة السياسي البارز وزعيم الاستقلال الهندي المهاتما غاندي.
وربما كان ذلك سبباً وراء خروج الآلاف إلى الشوارع بمختلف أنحاء البلاد، بعد أن ألقي القبض على هازاري يوم الثلاثاء الماضي، وهو في طريقه لإحدى الحدائق في نيودلهي، حيث كان يعتزم بدء إضراب عن الطعام، كجزء من الحملة التي يخوضها لمكافحة الفساد.
وفي هذا السياق، أكدت اليوم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية أن هازاري بدا باعتباره الوجه البغيض لحركة أناس متحمسين في الهند، تجمعت بأعداد كبيرة وتوحدت من أجل مكافحة الفساد، واستفادت أيضاً من مشاعر قلق أعمق بمجتمع ضربه التغيير.
وتحت وطأة ضغوط الشارع، حاول المسؤولون إطلاق سراحه بعد مرور بضع ساعات من إلقاء القبض عليه، لكن هازاري رفض مغادرة محبسه، إلا إذا أفرجت عنه الحكومة دون قيد أو شرط. وقد توصل الطرفان يوم أمس لحل وسط، ومن المتوقع أن يغادر هازاري محبسه اليوم ليبدأ إضراباً عن الطعام ويقود احتجاجات جماهيرية في وسط نيودلهي لمطالبة الحكومة بإنشاء وكالة قوية مستقلة تعني بمكافحة الفساد.
ومضت الصحيفة تقول إن التعاطف الشعبي الذي حظي به هازاري، نتيجة موقفه الشجاع المعلن في مواجهة الفساد، وُضِع حتماً في مقارنات مع الانتفاضات الديمقراطية التي هزت العالم العربي خلال الآونة الأخيرة. ومع هذا، يرى معظم المحللين أن الوضع في الهند مختلف، وقد تثبت الأيام أنه لا يقل أهمية، لكن على طريقته الخاصة.
هذا وتحظي الهند بالفعل بالحريات الديمقراطية التي سعى ورائها المتظاهرون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبدأ يبزغ نفوذها على الصعيد العالمي بعد عقدين من النمو الاقتصادي السريع. لكنها تمر أيضاً بما أطلق عليها أحد المراقبين فترة "متماوجة"، في وقت يتزايد فيه الغضب والإحباط الشعبي من سوء حالة الطرق، والمدارس ذات المستوى المتردي، والتضخم، وتزايد عدم المساواة، واتساع نطاق الفساد الرسمي.
وقد عكس تزايد حجم التعاطف والتأييد الشعبي لهازاري إلى أي درجة وصل الفساد مداه. ونقلت النيويورك تايمز في هذا السياق عن سيدة تدعى آشا بهارداج، بعد سفرها أكثر من 30 ميلاً للانضمام إلى المسيرة الاحتجاجية، قولها :" الطبقة المتوسطة هي أكثر الطبقات التي أضيرت من الفساد. أما الطبقة العليا فلم تتأثر، إذ أن بمقدورها أن تحصل على ما تريده وما تحتاجه عبر وسيلة واحد فقط هي دفع الأموال".
ثم مضت الصحيفة تقول إن الجاذبية التي يحظي بها هازاري يبدو أن جذورها تعود جزئياً إلى القيم التقليدية التي يجسدها. فهو ناشط اجتماعي منذ مدة طويلة، وسبق له أن دخل في معارك لمكافحة الفساد على مدار ما يقرب من عقدين في ولاية ماهاراشترا، ويعيش الآن بمساعدة معاش عسكري ويُمَوِّل أعمال خيرية من خلال التبرعات.
وإن كانت ثيابه تُذكِّر بالمهاتما غاندي، فان الأساليب التي يستعين بها أيضاً في احتجاجاته وتظاهراته - كما الدخول في إضرابات عن الطعام وتنظيم مظاهرات سلمية - تعيد إلى الأذهان أيضاً صورة غاندي الذي يعتبر الأب المؤسس للهند. كما أثبت هازاري ومساعدوه براعتهم في التعامل مع ضرورات السياسة الحديثة، بعد أن ناوروا ببراعة مسؤولي الشرطة والحكومة الذين سعوا لنزع فتيل حركة مكافحة الفساد، بعد النتائج العكسية التي تمخضت عن القرار الذي اتخذوه بإلقاء القبض عليه.
وفي المقابل، بدا حزب المؤتمر الوطني الهندي الحاكم مهزوزاً وغير مستعد لاحتواء الغضب الشعبي المثار ضد الحكومة، كما بدا غير قادر على تقديم حجة مضادة متسقة. وقد تهجم بصورة شخصية أحد المتحدثين باسم الحزب على هازاري، ووصفه بأنه شخصية فاسدة، في حين ألقى متحدث آخر باللوم على الولايات المتحدة لدعمها تلك الحركة المناهضة للفساد.
ونقل جايابراكاش نارايان، وهو ناشط اجتماعي في مدينة حيدر أباد، قوله :" هذه لحظة أخلاقية. فقد سئم وتعب الجميع من الفساد. ولم تتعامل الحكومة في هذا الشأن بالجدية السياسية المطلوبة. وتشهد البلاد الآن قدر كبير من الغضب، ليس فقط من أجل إنهاء الفساد وإنما أيضاً لإنهاء الوضع السياسي بصيغته الحالية".