القذافي رحل دون أن يترك لبلاده دليلاً مؤسسياً ينقذها في عثرتها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يبدو أن إحكام القذافي قبضته على ليبيا قد انتهى بعد 42 عاماً قضاها في السلطة، حتى وإن كان المكان الذي يختبأ به لا يزال غير معروف. لكن من خلال عدد لا يحصى من المراسيم الخاطئة وعمليات التطهير التي كان ينفذها بيد من حديد، ترك القذافي ندوب عميقة في كل جانب من جوانب الحياة الليبية. وأكدت تقارير صحافية أميركية أن موجة الغموض والتكهنات المثارة حوله تجسد نهاية مناسبة لفترة حكم وهمية.
وسبق للقذافي، الذي وصل للحكم عبر انقلاب ضد الملك إدريس في شهر أيلول / سبتمبر عام 1969، أن وصف نفسه بـ "فليسوف الصحراء"، وأعلن من قبل عن أن نظامه السياسي الخاص "بالثورة الدائمة" سوف يحل محل الرأسمالية والاشتراكية.
لكن مع مرور السنوات، اجتاحت الثورة أيضاً كل المؤسسات تقريباً التي بمقدورها أن تتحداه، أو يمكن الاستعانة بها في قيادة دفة البلاد حين يرحل. وبينما كان يفعل ذلك، لا يوجد لدى ليبيا برلمان، ولا قيادة عسكرية موحدة، ولا أحزاب سياسية، ولا اتحادات، ولا مجتمع مدني، ولا منظمات غير حكومية. فضلاً عن ضعف وزرائه، مع استثناء ملحوظ لشركة النفط الحكومية، وفقاً لما ذكرته صحيفة النيويورك تايمز الأميركية.
ميدانياً، حاول الثوار حتى يوم أمس أن يحكموا من قبضتهم على البلاد، وحددوا مكافأة قدرها 2 مليون دولار تقريباً لمن يأتي بالقذافي حياً أو ميتاً، وأرسلوا المقاتلين صوب مدينة سرت، التي تعد واحدة من آخر معاقله. وقد دخلت انتفاضة الشعب الليبي ضد نظام القذافي شهرها السادس، وهو لا يزال متشبث بالسلطة، رافضاً التخلي عنها، ومستعيناً بمختلف أشكال العنف للرد على الثوار المطالبين برحيله.
وخارجياً، سبق للعقيد الليبي أيضاً أن قام بتمويل وتسليح وفرة من المنظمات العنيفة، بما في ذلك الجيش الجمهوري الأيرلندي والجيش الأحمر في أوروبا وجماعات حرب العصابات الإفريقية. وارتبط اسم حكومته بالعديد من الهجمات الإرهابية، وربما كان أشهرها حادث لوكيربي عام 1988. كما كان يقوم القذافي بترهيب وتخويف الليبيين عبر موجات عنف مرة واحدة على الأقل كل عشر سنوات.
ونقلت النيويورك تايمز عن هشام مطر، وهو مؤلف كتاب "في بلاد الرجال"، تلك الرواية التي تصف الطريقة التي دُمِّرت بها الحياة الطبيعية في ظل حكم القذافي، قوله :" تعود قدرة القذافي على البقاء على كل هذه المدة الطويلة في الحكم إلى وضعيته المريحة فيما يتعلق بعدم الالتزام بأيديولوجية واحدة واستعانته بالعنف بطريقة مسرحية".
وتابع مطر حديثه بالقول: "كان ينشئ القذافي عن عمد حملات تعني بترويع المواطنين، لإدراكه أنها ستؤذيهم لدرجة أنهم لن يفكروا مطلقاً في التعبير عن أفكارهم سياسياً أو اجتماعياً". ثم انتقلت الصحيفة لتتحدث عن نجاح الانقلاب الذي قاده القذافي عام 1969 في تغيير مفاهيم استفادة الليبيين من ثرواتهم النفطية، حيث أقامت الحكومة الليبية الجديدة آنذاك تغييراً عالمياً عميقاً بين كبرى شركات النفط وبين الدول المنتجة، ما اضطر شركات النفط العملاقة للتخلي عن حصص أغلبية في مقابل استمرار الوصول إلى حقول النفط في ليبيا. كما طلبت ليبيا زيادة حصتها من الفوائد.
وهو ما أتاح للقذافي القدرة على بناء المرافق ومنها الطرق والمستشفيات والمدارس والمساكن. كما تزايدت نسبة العمر المتوقع من 51 عاماً عام 1969 إلى 74 عاماً الآن. وقفزت معدلات محو الأمية إلى 88 %، ووصل نصيب الفرد من الدخل السنوي لأكثر من 12 ألف دولار خلال السنوات الأخيرة، رغم أن ذلك يقل بكثير عن الرقم المسجل في كثير من البلدان التي تحصل على عائدات ضخمة من إنتاج النفط. بيد أن التغيرات الزئبقية في سياساته وشخصيته أفقدت الليبيين توازنهم طوال جزء كبير من حكمه.