نجاحات وإخفاقات جنوب السودان بعد مرور شهر على ميلاده
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جوبا: بعد عشرات السنوات من النضال من أجل الاستقلال الذي حصل جنوب السودان عليه نتيجة لانفصاله عن الشمال منذ شهر، هل يتحقق حلم سكان الدولة الجديدة بأن يعيشوا في بلد مستقل وقوي وآمن حقا؟
بين الشهر الأول من وجود هذه الدولة الفتية أنها أصبحت مستقلة اسميا في الموعد المقرر بدون تأخير. وبعد أيام معدودة من إعلان استقلال جمهورية جنوب السودان اعترف بها المجتمع الدولي، لتصبح عضوا في منظمة الأمم المتحدة. وفي وقت لاحق اعترفت بها الدول الأفريقية، لتصبح عضوا في الاتحاد الأفريقي الذي يضم دول القارة.
إلا أنه في الواقع لم يكن فصل قسمي دولة موحدة سابقا أمرا سهلا، حيث ستبقى القضايا الاقتصادية التي لم تتم تسويتها حجر العثرة في العلاقات بين البلدين حتى بعد انقسام السودان.
من الحرب الأهلية إلى أخرى اقتصادية
بعد مرور شهر على إعلان استقلال جنوب السودان يبدو أن احتمال استئناف حرب أهلية بين بلدين مستقلين بدأ يتلاشى. ورغم أن منطقة أبيي الحدودية الغنية بالنفط المتنازع عليها قد تؤدي إلى تجدد القتال بين الشمال والجنوب، فقد خففت قيادتا البلدين من لهجة تصريحاتهما عند التفاوض حول الحلول الوسط في هذه القضية.
وفي هذه الأثناء يشير المراقبون أكثر فأكثر إلى "حرب اقتصادية"، عند حديثهم عن العلاقات بين البلدين. ولا تزال الموارد النفطية لجنوب السودان حجر العثرة، إذ أنها ساهمت كثيرا في التنمية الاقتصادية للبلاد بشكل عام بعد إبرام اتفاق سلام شامل منذ خمسة أعوام.
يذكر أن جوبا رفضت اقتراح الخرطوم بشأن الاستمرار في تقسيم إيرادات النفط ومشتقاته لفترة ما بعد الانفصال. وكان الهدف من الاقتراح هو إنقاذ اقتصاد السودان الذي يخسر 75 % من حقوله النفطية. ولكن الجنوبيين مستعدون لسداد قيمة رسوم تصدير النفط الذي يمر بأراضي السودان حتى بورتسودان. إلا أن سلطات جنوب السودان اعتبرت رسم قدره 32.8 دولارا للبرميل مبالغا فيه.
ولم تلاق تعريفة أقل من ذلك بعشرة دولارات استحسانها أيضا. ومع ذلك أقر البرلمان السوداني في حزيران (يونيو) الماضي مشروع الميزانية لعام 2011، وشمل إيرادات ترانزيت النفط من جنوب السودان بقيمة مليارين و600 مليون دولار. وخسرت الميزانية المبلغ نفسه تقريبا بسبب خسارتها إيرادات النفط.
وأدى الجدل حول قيمة ترانزيت النفط إلى توقف تصدير نفط جنوب السودان من بورتسوادن، إذ لم تسمح إدارة الميناء لناقلة تقل 600 ألف برميل من نفط جنوب السودان بمغادرة الميناء.
ولم تنطلق الناقلة إلى جهتها سوى بعد مرور عدة أيام، وفرض المشتري شرطا جزائيا على جوبا، مستندا إلى أحكام عقد توريد النفط.
ولم تندلع "الحرب الاقتصادية" بين البلدين بسبب النفط فقط. سارع جنوب السودان في إدخال عملته الخاصة رغم الاتفاق مع الشمال على تأجيل ذلك لمدة نصف عام واستخدام عملة السودان، مما أرغم الشمال على طبع أوراق نقدية جديدة.
ومع ذلك لم تتوصل الخرطوم وجوبا إلى اتفاق حول كيفية توظيف أكثر من المليارين من الجنيهات القديمة المتداولة في الجنوب. ورفضت سلطات الشمال محاولة جنوب السودان بيع هذه العملات أو استبدالها.
والآن بعد إدخال عملة جديدة يخشى الشمال من زيادة معدلات التضخم في حال ضخ الجنيهات القديمة في اقتصاده، ويتوعد بالتصدي لدخولها إلى البلاد بكافة الطرق الممكنة.
ويسارع البلدان في استبدال الأوراق النقدية القديمة بأخرى جديدة، مما يزيد من توتر الأجواء. وقام البنك المركزي لجنوب السودان بتقليص فترة استبدال العملة القديمة من 90 إلى 45 يوما.
ومع ذلك يعتزم الطرفان تسوية كافة القضايا المثيرة للجدل في المفاوضات في أديس أبابا قبل نهاية أيلول (سبتمبر) المقبل.
جنوب السودان يحقق نجاحات في مجال الأمن
إن النجاحات الملموسة في مجال الأمن تعوض الإخفاقات على الجبهة الاقتصادية.
وكان عدد من المراقبين قد عبروا قبل الانفصال عن خوفهم على مستقبل البلاد، معتبرين أن حربا أهلية قد تجتاح جنوب السودان.
وكانت هناك ثلاث فصائل متمردة كبرى على الأقل تمارس نشاطها بشكل أساسي في مناطق استخراج النفط. وتشير البيانات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة إلى أن المواجهات بين القبائل، وبين الجيش والمتمردين، أسفرت عن مقتل 2300 شخص على الأقل منذ بداية العام.
إلا أن الشهر الأول من وجود الدولة الجديدة أثار شكوكا في صحة توقعات المراقبين. وفور إعلان استقلال جنوب السودان أعلن رئيسه سلفا كير ميارديت عن العفو للمسلحين الذين واجهوا الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي كان من المقرر أن يصبح جيشا نظاميا.
وأتت محاولات السلطات للتوصل إلى اتفاق مع المسلحين بالنتائج المرجوة، إذ وافقت جماعة متمردة بقيادة الجنرال بيتر غاديت على تسليم السلاح والانضمام إلى صفوف الجيش، مما يعد نجاحا هاما لحكومة البلاد. وتمارس جماعات متمردة عديدة نشاطها تحت شعار مقاومة ديكتاتورية الجيش الشعبي لتحرير السودان الحاكم الذي يضم بشكل أساسي ممثلين عن قبيلة دينكا نغوك. ومن أجل ترسيخ السلام في جنوب السودان المتعدد الأعراق وعد سلفا كير بأنه لن يتم تشكيل حكومة جديدة على أساس الانتماء لقبيلة معينة.
وعلاوة على ذلك اتخذ سلفا كير تدابير حاسمة بحق قيادات منظومة أمن البلاد الذين كان السكان مستاءين من تجاوزاتهم، وأمر في الأسبوع الماضي بحبس عدد من كبار المسؤولين الأمنيين ، ومنهم مدير الأمن الاجتماعي والتحريات الجنائية، وذلك بتهمة تقاضي رشاوى وتعذيب.
وبالإضافة إلى ذلك يتعين على 15 ألفا من عسكريي جيش جنوب السودان في القريب العاجل المشاركة في حملة نزع السلاح بولايات البلاد العشر، لاسيما الولايات الحدودية.
مهام مستقبلية
تضع جوبا أمام نفسها مهام شاملة من خلال تسوية المشكلة الأمنية. وحدد سلفا كير هذه المهام في الاجتماع الأول لبرلمان جنوب السودان الذي عقد في الثالث من آب (أغسطس) الجاري، ومنها تطوير منظومة التعليم ورفع مستوى الخدمات الطبية وإنشاء البنية التحتية لاسيما الطرق والكباري.
لا تنوي الدولة الفتية أن تعيش على حساب تصدير النفط فقط، بل أيضا على حساب تطوير قطاع الزراعة وغيره. ولا توجد فيها تقريبا طرق أسفلتية، فيما تبلغ نسبة الأمية بين السكان أكثر من 30 %. لذا تعد هذه المهام هي الأكثر إلحاحا فعلا.