معارك إفتراضيّة يخوضها أطفال العراق تحاكي القتل والدماء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
رغم الضوابط التي أقرتها وزارة التجارة العراقية بشأن استيراد ألعاب الأطفال المحرضة على العنف، يستثمر الأطفال ما يملكون من مال في شراء الأسلحة "البلاستيكية" في تجسيد للعبة الحرب التي ظلت لفترة طويلة علامة بارزة من علامات الشارع العراقي.
يستثمر أطفال العراق المبالغ الصغيرة التي تم جمعها أيام العيد في شراء الأسلحة "البلاستيكية والليزرية" التي تنتشر في كل متاجر الألعاب في العراق، في توق إلى تجسيد لعبة الحرب التي رسمت وجه العراق طيلة عقود حيث ما زالت تنطبع في عقول الأطفال الكثير من صور الأعمال والمظاهر المسلحة من أقنعة وبدلات عسكرية، ظلت لفترة طويلة علامة بارزة من علامات الشارع العراقي.
ويحرص الفتى أمين حسين في كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) على التصويب نحو أصدقائه بمسدسه، فما إن تنطلق العيارات الكروية البلاستيكية حتى يفر الأصدقاء من حوله. ولا تخلو هذه اللعبة من الخطر فالتصويب الخاطئ ممكن أن يؤذي وبحسب حسين فان الكثير من رفاق اللعبة يصيب بعضهم البعض في العين ومناطق أخرى إصابات بالغة.
طلقة بلاستيكية
وكاد رحيم كامل (9 سنوات) يفقد عينه اليسرى بعدما أصابته طلقة بلاستيكية، فقد حاول تجنب ذلك أثناء "معركة" يقلّد فيها الأطفال الكبار استخدمت فيها شتى أنواع الأسلحة المتوفرة في الأسواق.
ويحرص الكثير من أطفال العراق على اقتناء الأسلحة التي تنطلق منها رصاصات بلاستيكية، أو أشعة ليزرية، في محاولة لتجسيد الحرب الحقيقية قدر المستطاع. وفي الوقت ذاته فإن الطفل علي حسين يحرص على ارتداء حزام من العتاد البلاستيكي الى جانب بندقية كلاشنكوف، لان ذلك يتيح له المشاركة في عصابة أطفال "مسلحة" تجوب الحي في بعض الأوقات.
ضوابط استيراد ألعاب الأطفال
وكانت الجهات العراقية المعنية بينها وزارة التجارة أقرت في أيار 2011 ضوابط بشأن استيراد ألعاب الأطفال المحرضة على العنف والمسببة للأذى الجسدي والنفسي ومنها المفرقعات الصوتية والألعاب النارية وكذلك الألعاب التي تحتوي على الليزر.
وحرص أبو جعفر أيضا على أن تكون هدية العيد لطفله بندقية مزودة بحشوات مطاطية، وما إن صارت البندقية بحوزة ابنه حتى انطلق يصوب نحو علب فارغة متدربا على الإصابة الدقيقة على حد قوله.
ويبلغ هوس الأطفال بلعبة الحرب الى درجة ان تجسيدهم لها تصاحبه مصداقية عالية، فالصياح وسقوط القتلى والهروب من الخصم ومناوشات حرب الشوارع، تثير التساؤل حول قدرة الأطفال على تجسيد الأفكار المخزّنة في عقلهم الباطن.
ويصف الخبير الاجتماعي غسان جواد من جامعة بابل ما يحدث بأنه انعكاس للممارسات العنيفة التي سادت طيلة عقود. ويقول "ما زال وعي الطفل العراقي الذي نشأ في مناطق التوتر يختزن صور الحرب والقتل والمعارك حيث انعكس ذلك على شخصيته وطريقة تفكيره".
من جانبه يؤكد سالم عبيد (صاحب متجر لبيع الألعاب)، ان المستوردين يحرصون على استيراد أسلحة الأطفال للحاجة الشديدة اليها في السوق. ويضيف: اغلب المنتجات مصدرها الصين ودول جنوب شرق آسيا، وتمتاز برخص ثمنها وسهولة استخدامها لكنها سريعة العطب.
وبحسب إحصائية لوزارة الصحة العراقية فإن نحو 300 طفل أصيب بالعمى التام عام 2009 بسبب التسديد المباشر للعين عبر أسلحة يقتنيها أطفال. وما يزيد من استمرار تعلق الأطفال بالأسلحة- بحسب عبيد- الإعلام المرئي الذي يتضمن مسلسلات وأفلاما تحتوي على مشاهد العنف والدماء، حيث يؤجج ذلك روح القتال والعنف في نفوس الأطفال.
العنف البريء
ويقلق خبراء من ان انتشار "العنف البريء " بين الأطفال الذي من نتائجه ان الجيل الجديد سيشب على ثقافة اللاقانون، ليصبح ذلك جزءا من شخصيته في المستقبل. ويحذر التربوي حسن الخزاعي من انتشار ظاهرة الطفل المسلح الذي يقلد في سلوكياته العنف والعدوان.
ويحرص الطفل كامل سعيد (12 سنة) على اصطحاب مسدسه معه الى المدرسة لان ذلك يمنحه الشعور بالعظمة والبطولة و القوة. ويقول كامل: لا أخاف أحدا حين يكون المسدس الليزر بحوزتي حيث تصل الأشعة الحمراء المنطلقة لمسافة عشرة امتار.
لكن اشعة الليزر الصادرة من هذه الأسلحة تلحق الضرر بمركز شبكية العين بحسب طبيب العيون في بابل (100 كم جنوب بغداد) علي صاحب، حيث يؤكد ان ليزر الألعاب يحتوي على أشعة يزيد تركيزها آلاف المرات عن شدة تركيز أشعة الشمس.
وبحسب المضمد الصحي حسين سعيد فان الإصابات بأسلحة الأطفال تزداد بشكل خاص في أيام الأعياد، ففي عيد الفطر المنصرم عالج حسين نحو عشرين حالة إصابة اغلبها في العين والأذن والوجه في عيادته الخاصة في البيت.
ويضيف: هناك حالات إصابة خطرة ولابد من لجوء المصاب الى المستشفى. وتميز عيد الفطر بتوفر مجسمات لأسلحة أطفال بدت وكأنها أسلحة حقيقية من ناحية الشكل والحجم، وجودة التصنيع.
تشجيع على العنف
ويتحدث معلم الابتدائية سعيد كريم (55 سنة) عن انتشار الألعاب الالكترونية في الحواسيب الشخصية وصالات الألعاب، التي غالبا ما تكون ألعابا تشجع على العنف مثل المعارك الرقمية التي تسقط فيها بصورة افتراضية دماء وقتلى.
ويتابع: يفرح الطفل حين يقتل عدد من الخصوم الافتراضيين، وفي بعض الأحيان تختلط عليه مفاهيم الواقع بالعالم الافتراضي الذي يقضي وقتا ممتعا معه. ويقول: بلغ هوس الأطفال بالألعاب الرقمية على الحواسيب انهم يتغيبون عن المدرسة، ويقل اهتمامهم بدراساتهم وواجباتهم البيتية، ورفضهم لغة الحوار.
ومنعت حكومات عراقية محلية في القادسية و ديالى والموصل بيع أو تداول أو توريد أسلحة الأطفال البلاستيكية، كما دعا نواب عراقيون إلى تفعيل قانون يقضي بمنع استيراد ألعاب الأطفال المحرضة على العنف. ورغم تلك الدعوات فإن التاجر العراقي لا يتوانى حتى عن استيراد مواد مفرقعة ومتفجرات تصدر أصواتاً عالية.