اليسار الفرنسي في مجلس الشيوخ وعينه على الإليزيه
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
نجح اليسار في انتزاع مجلس الشيوخ الفرنسي من بين يدي اليمين لأول مرة في تاريخ الجمهورية الخامسة، إلا أن إدارة أمور الدولة تبقى بيد اليمين، وإن كانت المعارضة اليوم قادرة بفعل أغلبيتها في الغرفة الثانية أن تخلق لحكومة فرانسوا فيون جملة من العراقيل، في انتظار ساعة الحسم أي الانتخابات الرئاسية القادمة.
باريس: اكتساح اليسار الفرنسي لمجلس الشيوخ إثر الانتخابات الأخيرة، تعددت حوله القراءات، وهو ما تم لمسه عند الأغلبية اليمينية نفسها، حيث اعتبر البعض منها أن هذه الهزيمة نتيجة ميكانيكية للهزائم التي تكبدها "الاتحاد من أجل حركة شعبية" في المحطات السياسية الأخيرة.
وهناك من المعطيات ما يؤكد ذلك بالرجوع إلى نتائج الانتخابات المحلية التي عرفتها فرنسا خلال العشر سنوات الأخيرة، فجميعها كانت من نصيب اليسار وفي مقدمته الحزب الاشتراكي.
وما دامت انتخابات مجلس الشيوخ لا يشارك فيها الناخب العادي، وإنما ما يعرف في لغة هذا النوع من الانتخابات بالناخبين الكبار، ويقصد بهم أولئك المنتخبون في المجالس المحلية بمؤسساتها الثلاثة (محلية، إقليمية وجهوية) و تسير غالبيتها من طرف المعارضة، كان من الطبيعي أن يسقط هذا المجلس بين أيدي اليسار.
لكن فرانسوا فيون، رئيس الوزراء الفرنسي، كان واضحا في تعليقه على هذه الهزيمة، إذ اعتبرها "ضربة قاسية" بالنسبة إلى اليمين الحاكم الذي تفصله أشهر عن الانتخابات الرئاسية، و تعهد أن يبذل كل ما في وسعه من أجل إعادة انتخاب نيكولا ساركوزي على رأس فرنسا.
وقال رئيس الجهاز التنفيذي الفرنسي "هزيمتنا، قبل ثمانية أشهر من الانتخابات الرئاسية، تعد ضربة قاسية، لكنها كانت منتظرة لأننا خسرنا كل الانتخابات التي تخللت العشر سنوات الأخيرة..."،معترفا بالوضع الصعب الذي عاشته الأغلبية الحاكمة خلال هذه الانتخابات بسبب العديد من الصراعات الداخلية.
نتيجة لها دلالات رئاسية
لقد كان منتظرا أن يلحق اليسار الهزيمة باليمين الحاكم في هذه الانتخابات، لكن لم تتوقع الأغلبية أن تفقد 25 مقعدا في دفعة واحدة لحساب المعارضة، وهي بذلك لم تكن تضع في اعتبارها أنه سيضيع منها رئاسة هذا المجلس لحساب خصومها السياسيين على بعد بضعة أشهر من سباق الإليزيه.
الباحث عبد الرحيم مزهر، يعتبر في تصريح لـ"إيلاف"، أن هذه النتيجة لها "دلالات بخصوص الانتخابات الرئاسية المقبلة..."، كما يربطها بعدد من الإصلاحات التي أقدمت عليها الحكومة المركزية و تدمر منها المنتخبون المحليون، وهمت بالتحديد الجماعات المحلية، ومنها قطاعات الصحة، والتربية، والوظيفة العمومية وأحد التعديلات الضريبية (إلغاء الضريبة المهنية).
ومن جانبه، عبر كمال شبيلي عضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي عن سعادته بهذا الفوز، وقال شبيلي في تصريح لـ"إيلاف" "أنا جد سعيد بهذه النتائج التي حصل عليها الاشتراكيون في مجلس الشيوخ والتي أعطت لنا الأغلبية المطلقة"
و أضاف شبيلي "هي سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة، وأنا فخور كذلك كمسؤول سياسي اشتراكي، أرى العمدة جون بيير بيل الذي أعمل إلى جانبه كنائب له ينتخب في هذا المجلس"
و يعلق عضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي على هذه النتيجة قائلا "لقد أبرزت النتيجة الامتعاض البالغ للمنتخبين المحليين من سياسة ساركوزي، وهذا ما سيعطي نفسا جديدا للملايين من الفرنسيين الذي يعانون يوميا..."،على حد تعبيره.
واعتبر شبيلي هذا الفوز "مرحلة مهمة نحو استعادة الحكم في 2012" بالنسبة إلى الاشتراكيين، لأنه، بحسب رأيه "يظهر هشاشة الحكم القائم كما يبرز أن الفرنسيين ينتظرون التغيير الحقيقي..."
الأغلبية تضررت من "البوليميك"
وسجل ملاحظون نفور العديد من الجماعات القروية التي صوتت دائما لليمين، وتحولت لأول مرة نحو اليسار،ما فسره هؤلاء بنجاح أفكار هذا الصف السياسي في التغلغل في مجالات جغرافية ظلت حكرا على اليمين، وعرفت بكونها محافظة ولا يمكنها أن تميل يسارا في يوم من الأيام.
دومينيك رويني وهو محلل سياسي فرنسي معروف يفسر هذا الأمر بكون الحزب الاشتراكي على الخصوص، وهو قطب الرحى في اليسار الفرنسي، تحول إلى تنظيم وسطي، و لبس مع هذه النتيجة عباءة النبلاء الذين عرفوا "باستيطانهم" الغرفة الثانية.
ويزيد موضحا أن الأزمة أفادت كثيرا الحزب الاشتراكي الفرنسي، ومنذ 2008 لمس لديه نوعا من القوة الاقتراحية، إذ ظهر حزب مارتين أوبري على أنه الحزب القادر على إنتاج أفكار يتفاعل معها الفرنسيون، على عكس الحزب الحاكم الاتحاد من أجل حركة شعبية الذي يقول عنه رويني إنه دخل في عطالة فكرية.
فالأغلبية الحاكمة من خلال آلتها الحزبية، الاتحاد من أجل حركة شعبية، أنتجت طيلة السنوات الأخيرة جدلا و سجالا أكثر منه أفكارا منتجة، يفيد بعض المراقبين، و كمثال على ذلك البوليميك التي تسببت فيه نقاشات الهوية الوطنية،العلمانية و الإسلام و غيرها...
ويعاتب المراقبون اليوم على الأغلبية اليمينية عدم قدرتها حتى الآن على منح المواطن الفرنسي أملا في المستقبل إذا حكمت لولاية أخرى البلاد، و ذلك من خلال مشروع سياسي يتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية.
ففرنسا ما زالت تتخبط في صعوبات اقتصادية و لم يعثر بعد المسؤولون السياسيون على الوصفة السحرية لإقلاع النمو الاقتصادي فيها، الذي لم يفارق الصفر في الآونة الأخيرة، و فرضها ضرائب جديدة بهدف التخفيف من الديون التي على كاهلها لا يخدم شعبية الحكومة الحالية، و يصب أتوماتيكيا في مصلحة اليسار في أفق انتخابات الرئاسة في 2012.