أخبار

حرب باردة تندلع شرارتها بين الإعلام والحكومة التونسية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

زمردة دلهومي محمّدي من تونس: أثارت تصريحات رئيس الحكومة التونسية محمد الجبالي المتعلقة بالإعلام استياء العديد من الإعلاميين وبعض زعماء الأحزاب المعارضة على حد سواء، عندما صرح للإذاعة الوطنية يوم الاثنين 19 ديسمبر 2011 بأن "المؤسسات الإعلامية الآن لا تعبّر عن الإرادة الشعبية المجسمة لنتائج الانتخابات، وهو ما ولّد العديد من التجاذبات السياسية، وتبادل التهم، دخل على إثرها بعض أعضاء المجلس التأسيسي في حرب باردة ضد بعض الصحف والمواقع الاجتماعية، التي أساءت إلى معظمهم، على حد تعبيرهم.

وبعدما انفتحت الأبواب، وتحررت الأقلام المقيدة بعد ثورة 14 يناير 2010، وجد الإعلاميون أنفسهم يواجهون أزمة جديدة أبطالها زعماء الحكومة الجدد وضحيتها حرية الإعلام، وأخذت هذه الأزمة بعدًا تصاعديًا، بعد التصريح المثير لرئيس الحكومة، والذي أثار ردود أفعال متفاوتة، اعتبرها البعض نوعًا من السيطرة المقنعة على المشهد الإعلامي، كما اعتبرها البعض الآخر توجهًا جديدًا تعتمده حركة النهضة الإسلامية لتقييد الخطاب الإعلامي.

المؤسسات الحكومية

عبّرت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين في بيان لها أصدرته أخيرًا عن استهجانها لما صرّح به الوزير الأول حمادي الجبالي، واعتبرت النقابة أن "واجب المؤسسات الإعلامية، وخاصة منها العمومية، وليست الحكومية، مثلما يصرّ على تسميتها خطأ الوزير الأول، هو أن تعمل في استقلالية كاملة من دون الخضوع لتأثيرات سياسية آتية من غالبية أو أقلية".

ورحّبت النقابة في بيانها بتوجّه الحكومة نحو "إحداث هيئة وطنية تشرف على المؤسسات العمومية، وتكون منتخبة، ولها نوع من التسيير الذاتي وتسير بمعايير المهنة ومقاييس الحرفية والاستقلالية لمصلحة الوطن"، مثلما جاء في تصريح الوزير الأول، وتأكيده على أنه "لن تكون هناك وصاية على هذه المؤسسات كما كانت في زمن بن علي".

ورفضت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين كل أشكال التدخل في الشأن الإعلامي، الذي يجب أن يبقى موكولاً لأهل المهنة دون غيرهم، سواء كان هذا التدخل حكوميًا أو حزبيًا أو لأيّة جهة نفوذ أيًّا كانت طبيعتها. واعتبرت أن تواصل الحديث عن الإعلام العمومي كإعلام حكومي يمثل تخلّفًا عن استحقاقات الثورة، وعدم إدراك للتغيّرات التي أحدثتها في مختلف المجالات، ومنها مجال الإعلام، الذي من مصلحة تونس أن يبقى مستقلاً وبمنأى عن كل الوصايات.

وفي تصريح أدلى به لـ"إيلاف" طالب كمال العبيدي رئيس الهيئة التونسية لإصلاح الإعلام والاتصال رئيس الحكومة حمادي الجبالي وغيره من قياديي النهضة والحكومة الجديدة أن تستخلص الدروس من سياسة بن علي، التي فرضت وصايتها على المؤسسات الإعلامية، واصفًا خطاب حركة النهضة الإسلامية حول دور المؤسسات الإعلامية العمومية بأنه خطاب لا يدلّ عن وعي بدور وسائل الإعلام والاتصال في إنجاح عملية الانتقال الديمقراطي، التي حسب رأيه، تستوجب إعلامًا مستقلاً، يضطلع بوظيفته بمنأى عن نزعة الوصاية.

وقال إن زمن استعمال وسائل الإعلام العمومية أو الحكومية كبوق للدعاية ولّى ومضى، أن الإعلام التونسي أمام فرصة ذهبية لتحقيق قفزة نوعية ولبناء مشهد مستقل. ودعا في تصريحه وسائل الإعلام إلى التثبت من الخبر قبل بثّه، كما دعا الحكومة إلى المزيد من التريث في إعطاء التصريحات، لأن التصريحات الحالية المتداولة غير مطمئنة، وتثير تخوفات عديدة. وقال إنه من الضروري اعتماد القاعدة المتداولة، التي تقرّ بأن الخبر مقدس والتعليق حر.

من جهتها رفعت صحيفة المغرب التونسية العائدة إبان ثورة 14 يناير 2011، والتي حجبها بن علي، وهجر أقلامها لمدة منذ سنة 1990 ضد عامر العريض أحد أعضاء المجلس التأسيسي المنتمين إلى حركة النهضة، على خلفية تراشق بالتهم وخلافات بسيطة، تعقدت في ما بعد بين صحفية من المؤسسة الإعلامية "المغرب" والنائب، الذي اغتاظ وساءه الخط التحريري، الذي تنتهجه الصحيفة، بعدما نشرت مقالاً عبارة عن قراءة في بعض ما دوّنه الشباب الناشطون على بعض المواقع الاجتماعية، وتحديدًا "فايسبوك"، والتي تتهم الحكومة الجديدة بملفات فساد متنوعة.

هنا تنطلق جدلية السياسة والإعلام، التي خرج روادها من قمقم بن علي المخلوع ودكتاتوريته، ليجدون أنفسهم يحاربون من جديد دكتاتورية جديدة وضغوطات بالجملة، حيث يرفض معظم النواب وأعضاء الحكومة النقد الإعلامي، ويعتبرونه تدخلاً في شؤونهم الخاصة، ولا غاية ترجى من ورائه إلا التشويش وبثّ الفتن والحقد والكراهية وعرقلة المسار الديمقراطي، الذي تنتهجه البلاد، ويسعى زعماؤها إلى تكريسه.

وعبّر نبيل القروي مدير قناة نسمة الخاصة في تصريح عبر قناته على إثر الاعتداءات التي شهدتها القناة أخيرًا عن تخوفه من الأثر السلبي الذي ستتركه الانتهاكات الموجّهة إلى الصحافيين على حرية الإعلام. وقال إنه إذا ما تواصل اعتماد البعض أسلوب العنف والسيطرة والتخويف والإرهاب ضد وسائل الإعلام، فإن الخطر الحقيقي سيهدد القطاع عمومًا، لأن البعض، حسب تعبيره، من المتطرفين، ويقلقهم السير في اتجاه الديمقراطية والحداثة، ويعمدون سلك سياسة بن على، بهدف بناء دكتاتورية جديدة على أنقاض دكتاتورية أطيح بها.

في السياق نفسه، أكد رئيس جمعية الصحافيين الشبان الإعلامي عبد الرؤوف بالي لـ"إيلاف" أن الجمعية تستنكر الانتهاكات المتعددة، التي تقترف في حق الصحافيين، وأن المشهد الإعلامي يجب أن يتطور بعيدًا عن الخوف والتبعية والترهيب، وأن القارئ من حقه أن يتلقى خبرًا دقيقًا من مصادر مطلعة وموثوق من صحتها، فالإعلامي دوره يتمثل في تسليط الأضواء على الموضوعات التي تهمّ الشأن العام بعيدًا عن أسلوب الإثارة والدعاية المجانية.

وقال إن "الإعلامي مطالب باحترام ميثاق مهنته وضوابطها، التي تحكمها، وهو مطالب بأن يقدم مادة إعلامية صادقة، وفي المقابل يجب على الحكومة رفع وصايتها على الإعلام، وعدم التدخل في شؤونه، واحترام قواعده، والابتعاد كل البعد عن لعب دور المراقب والمحاسب، لكي لا نسقط في شرك دكتاتورية جديدة".

من جهته أكد حسين بالقاضي محلل سياسي وجامعي في لقاء جمعه بإيلاف أن جدلية الإعلام والسياسة هي جدلية قائمة منذ القدم، ولطالما كان الرئيس المخلوع أحد أهم أبطالها، من خلال حجبه العديد من المواقع الالكترونية والصحف اليومية والأسبوعة، واعتماد سياسة التهجير والتفقير والإيقاف والسجن والتعذيب، ولعل توفيق بن بريك أحد أشهر أعلام الصحافة، الذين تفنن بن علي في الإساءة إليهم وتحطيم طموحاتهم وسجنهم.

وقال إن الحراك السياسي، الذي تشهده البلاد، وهذا الصراع الكبير بينها وبين السلطة الرابعة، إنما يؤسس لولادة ديمقراطية فتية ومشهد إعلامي جديد، قوامه حرية التعبير من جهة، وتمسك الحكومة بنواميسها من جهة أخرى، وأوضح أن حركة النهضة لن تضع الإعلام تحت أي سلطة أو تضييق، لأن الإعلام التونسي اليوم هو إعلام حر قادر على تسيير قافلته بنفسه، بعدما رفعت عنه وصاية "بن علي والأربعين حرامي"، وبعدما منحته الثورة تأشيرة العبور إلى عالم الكلمة الحرة.

وأكد أنه من الضروري تكريس مناخ مميز، قوامه التفاهم والتوافق والاحترام المتبادل بين الساسة والإعلام، وأن لا يتجاوز الإعلامي حدوده في قدح وشتم رجال السياسة، ولا يضيق السياسي الخناق على الصحافي، وبالتالي يجب فرض عقلية التوافق بين الطرفين بعيدًا عن عقلية النقد الهدام والتهم المجانية وغرس نظرية المصلحة العامة والوطنية بدلاً من الاصطياد في الماء العكر، والسير عكس التيار.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الكل يتدرب والكل يتهم بعضه البعض
تونسي -

يتسم هذا الموضوع في الوقت الحالي بكثير من المزايدات وعدم الموضوعية في تناوله خاصة في ضرف دقيق تمر به البلاد التونسية وهي تعيش مرحلة انتقالية صعبة من حيث كسب رهانات القطع مع الممارسات السابقة وذلك في كل المجالات كالسلطة ومؤسساتها وهياكل الدولة والإعلام والقضاءوكذلك المواطن الذي بصصد التفاوض معنويا وأدبيا مع نفسه لبناء علاقة تعاقدية جديدة بينه وبين السلطة ومؤسساتها من خلال افرازات الحراك السياسي والاعلامي الذي تنشطه النخب السياسية والمجتمعية. إذا فالكل يتلمس طريقة ويتدرب على ممارسات جديدة تقطع مع الماضي، وعندما نتحدث عن التدريب والتعلّم فلا يجب ان نسقط من اذهاننا ان الخطأ هو الذي يقوّم التدريب ويجعل الفاعل يصبو نحو المهنية والموضوعية في التعاطي مع الشأن العام والسياسي والثقافي...ومن هذا المنطلق وفي هذا الظرف بالذات فبقدر ما توجه السلطة الرابعة اتهامات لرموز السلطة فان هذه الاخيرة ولنفس الاعتبارات ترى من حقها ان تنتقد السلطة الرابعة لان هذه الاخيرة بدورها لا يجب عليها ان تتصرف وكانها فعلا تحررت واصبحت مهنية بطريقة لا احد يؤاخذها على مواقفها، والتحرر هنا المقصود به النأي عن رد الفعل الأنفعالي بدعوى انه لا قيد عليه. وحتى في هذا الظرف فلا يجب مثلا على الاعلام الخلط بين الاشخاص الذين يتولون السلطةوانتمائهم الحزبية ورمزية المهام العليا التي يشغلونها بعنوان إدارة شؤون الدولة لان الخلط بينهما عند القارئ والسامع توحي بمزيد ضعف الدولة وهياكلها وتؤجج بالتالي الانفلاتات الامنية والاجتماعية. واعتقد في الاونة الاخيرة فهمت العديد من المؤسسات الصحفية هذا الموضوع. لكن بعد انحسار هذا الجدال لماذا يقع تغذيته من جديد وفي مصلحة من تصبب هذه الحركة؟ ويبقى على المؤسسات الاعلامية ان تحدد خطها التحريري بما يكفل تكريس المرجعية القانونية للسلطة دون النفخ فيها وكذلك دون الحط منها وتاطير خاصة المداخلات الشخصية (طبيعية في هذه المرحلة)لبعض منشطي الحصص الاذاعية والتلفزية وفق سياسة اعلامية محددة. علما ان المحطات الخاصة هي عمومية عندما تدخل بمضمونها إلى العامة من الناس والتمويل الخاص لا يغير في هذا أي شيئ فهي مطالبة كمثلها من المؤسسات العمومية. وهنا اعود لاقول ان كلمة سلطة التي نوصّف بها الاعلام ويكررها الاعلاميون انفسهم يجب ان لا تختلف عن السلطة القظائية من حيث استقلايتها وحيادها وموضوعيتها في نقل ا

الحياد واجب
محمد -

ان ما نقرأه يوميا وما نسمعه في الفضائيات والراديووغيرها لم يرق الى مستوى الديمقراطية المنادية بالمساواة والحياد والنزاهة في النقد وابداء الراي وسوق الخبر. لانرى الا من ينتقد ويهزأ ويشمت ويترقب الدوائر. فاين المنصفون لكل طرف واين المؤيدين للحق ؟؟؟؟؟ نحن لا نطلب منهم اطراء لاحد ولا استهزاء باحد ولكن نطلب المساواة في تناول النقد فالمعارض لا يخلو من سلبيات هو ايضا فلنبرزها كما نبرز سلبيات المعارض( اسم مفعول).فمن الفضيلة ان تكون منصفا وتستعمل ميزانا واحدا ومعايير واحدة./.