بعد عام على الثورة التونسية... ثروة بن علي لا تزال بعيدة المنال
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد مرور عام على الثورة في تونس، تبقى الأموال التي استولى عليها الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي وأفراد أسرته وحكومته بعيدة المنال بالنسبة إلى الحكومة التونسية والشعب التونسي، وسط مخاوف من أن ينتج الفقر والإنحراف من الفساد.
تونس:يكتنف الغموض ثروة بن علي، ويصعب الوصول إلى استثماراته وأمواله، بعدما تم تهريبها من تونس إلى 12 دولة، من بينها بريطانيا والولايات المتحدة الأميريكية وفرنسا، وتقدّر بمليارات الدولارات.
في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ "فاينانشال تايمز" إلى أن الأصول، التي كانت مملوكة لـ "زين العابدين بن علي" وحكومته داخل الدول، هي الآن بيد القضاء التونسي، ووزارة المال.
إلا أن الحكومة التونسية الحالية لا تعرف ما عليها فعله، فهي تخشى أن تقوم بأية تغييرات دراماتيكية في الاقتصاد، ينتج منها انهيار الاقتصاد التونسي، خاصة وأنه اقتصاد هشّ بالفعل.
ويقول مسؤولون في الحكومة إن تونس لم تحصل على قرش واحد من أصول بن علي المخبأة في الخارج، ولم يتم بيع أي شركة من ممتلكاته في البلاد.
من جهته، أشار مصطفى كمال النابلي، محافظ البنك المركزي في تونس، إلى أن "هناك عملية للمساعدة في تحديد واسترداد الأصول، ونحن قطعنا شوطاً طويلاً لبدء الخطوات الفعالة في هذا الإطار"، مضيفاً: "لكن الأمر يستغرق الكثير من الوقت، والمسألة ستطول أكثر بكثير مما يود الناس".
وقال نابلي إن أحد أسباب اندلاع الثورة كان "الإهانة"، التي شعر بها الناس، بسبب تراكم ثروة البعض في البلاد بسبب مراكزهم، معتبراً أن "تصحيح هذا الوضع، والإثبات للمواطنين أنه لا يمكن لأحد أن يفلت من العقاب، أمر مهم للغاية في تونس من حيث البعد الأخلاقي".
يشعر التونسيون بالقلق من أن عدم معالجة فساد الحكومة بالكامل واسترداد الموجودات قد يسبب الاستياء، ويؤدي إلى عواقب وخيمة.
في هذا السياق، يقول شرف الدين الكليل، المحامي، الذي يتابع المسؤولين الفاسدين، إن "الفقر والإنحراف سيكونان نتيجة الفساد"، فالإدارة انهارت بسبب الفساد، وأدت هذه الجريمة الكبرى إلى جرائم أخرى في المجتمع نتيجة للفقر وانعدام التوازن".
واعتبرت الصحيفة أن التجربة التونسية تقدم دروساً للدول الأخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تمر أو تواجه الانتقال من الاستبداد إلى التعددية. ففيكل أنحاء المنطقة، شكلت القيادات الاستبدادية والأسر الحاكمة وحاشيتها، النخب الفاسدة التي عبّرت عن صورة الظلم والمحسوبية، فأثارت الحركات الثورية.
استخدم زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي السلطة لكسب السيطرة على البنوك المربحة، مثل الزيتونة، وكذلك وكلاء السيارات، ووسائل الإعلام والعقارات الرئيسة.
يقول نابلي إن الحكومة التونسية تمكنت من استعادة 110 أصول من أعضاء الوفد المرافق للرئيس بن علي، التي تم الاستيلاء عليها، وتم اتهام والحكم على عشرات منهم. وأشار إلى أن "العشرات منهم استفادوا في ظل الفساد وما زالوا مطلقي السراح".
ويخوض بن علي اليوم معركة مصادرة ممتلكاته، فقال وكيله المحامي أكرم عازوري يوم الجمعة، عشية الذكرى السنوية للثورة، إنه يدين "الأعمال غير الشرعية من جانب السلطات التونسية، التي صادرت كل الأصول الثابتة والمنقولة للرئيس زين العابدين بن علي". وقال إن الرئيس السابق تقدم بشكوى ضد الحكومة التونسية مع مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان.
في العام الماضي، رفع محامون يطلقون على أنفسهم "مجموعة 25" دعاوى ضد إيداع المستفيدين المزعومين من عهد بن علي. ووضعوا لائحة واسعة ومفصلة بأسماء الأفراد المهمين والشخصيات الرئيسة في قطاع الأعمال والحكومة والأحزاب السياسية، الذين استفادوا من بن علي، ومن ضمنهم شخصيات في الحزب الحاكم سابقاً.
وأشارت الصحيفة إلى أن آلاف الأدلة والوثائق تم تدميرها بعد أيام من نجاح الثورة التونسية، لكن النشطاء تمكنوا من الحصول على هذه المستندات، ومن ضمنها نسخات من الشيكات والميزانيات العمومية، التي تبين كيف تم تحويل أموال دافعي الضرائب التونسيين من العمليات المملوكة للدولة إلى مكاتب أخرى وخزائن يسيطر عليها حلفاء بن علي.
من جهته، يقول عمر صفراوي، الذي يترأس مجموعة المحامين، "كنا نتوقع من الحكومة الانتقالية ملاحقتهم، لكنها لم تفعل شيئاً، ولذلك قررنا السعي إلى ملاحقة أولئك الذين يتمتعون بنفوذ وحصانة".
ويضيف: "في البداية كنا نريد أن نقول إنه كان من الممكن مقاضاة شخص، لكن الأمر أصبح أكثر خطورة".
يعتبر بعض المراقبين أن الحكومة الانتقالية، التي شملت شخصيات من الحكومة السابقة، ربما شعرت بأنها لا تملك السلطة أو أنها أرادت حماية نفسها. ويقول آخرون إنه حتى الحكومة اللاحقة المنتخبة ديمقراطياً بقيادة رئيس الوزراء حمادي الجبالي، تناضل من أجل تحقيق التوازن بين الإستقرار، الذي يطالب به المستثمرون، وبين المساءلة، التي يطالب بها نشطاء وضحايا الحكومة السابقة.
يقول خبراء في القانون إن الجهود المتعثرة لمتابعة أكثر من بضع مئات من الحالات داخل البلاد، قد تعوق محاولة تحديد واستعادة أموال كانت مودعة في حسابات مصرفية لنحو 200 مشتبه فيه، والتي يجب أن تثبت تونس أنها مكاسب غير مشروعة، وبالتالي تستعيدها.
وقال مارك بيث، أستاذ القانون الجنائي الدولي في بازل ورئيس منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمكافحة الرشوة إن "عبء الإثبات يقع على عاتق الحكومة، والمشكلة هي أنها تحتاج دليلاً على أنه تم الحصول على المال بطريقة غير مشروعة".
وفي محاولة لاسترداد الأموال، وظفت الحكومة أنريكو مونفريني، وهو محام سويسري متخصص في العثور على الأصول غير المشروعة للديكتاتوريين. وقال مونفريني: "حتى الآن تم العثور على 100 مليون دولار في حساب مصرفي في سويسرا، مضيفاً "نعتقد أن هناك أكثر من ذلك، لكننا لا نعلم أين".
ومن أجل تجنّب عملية مضنية، تثبت أن الأموال اكتسبت بطريقة غير مشروعة أمام المحاكم الأجنبية، يعتقد مونفريني أن الأجدى هو أن تثبت تونس أن حكومة بن علي برمتها كانت مؤسسة فاسدة، "لكن هذا الطريق يتطلب أيضًا ملاحقات أوسع بكثير".