تحالف الإسلاميين والعلمانيين في تونس تحكمه المصالح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تونس: هي التجربة الثانية للأحزاب التونسية لتحالف اليسار واليمين، وبعد جبهة 18 أكتوبر 2005 المعارضة في عهد الرئيس السابق والتي ضمّت ممثلين عن أكثر من عشرين من الأحزاب والجمعيات من القيادات الإسلامية والعلمانية، وبعد النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة التقى من جديد الإسلاميون والعلمانيون ممثلين في أحزاب النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل ليتكون التآلف الحكومي أو ما أطلق عليه "الترويكا" التي وجدت في بداية تشكلها معارضة وانتقادا من أحزاب قريبة من حزب المؤتمر وخاصة حزب التكتل.
وإذا كانت التجربة الأولى نتيجة مواقف سياسية محدودة فإن التجربة الجديدة بين اليمين و اليسار كانت ثمرة جلسات عديدة من الحوار و التشاور بين الأحزاب الثلاثة وبالتالي كان الوفاق، ولكن بالرغم من هذا الوفاق تتصاعد من حين لآخر من هنا وهناك أصوات إسلامية من خارج حركة النهضة و أخرى يسارية وليبرالية علمانية، لإثارة تساؤلات حول المخاطر التي تحدق بالديمقراطية والحداثة، وتأكيدات بأنّ هذا الزواج بين "الإخوة الأعداء" لا يمكن أن يعيش طويلا إلا في ظل توافق و تآلف لا تحكمه غير المصلحة الوطنية العليا.
الخبير د. سالم لبيض يوضح الى أي مدى يمكن أن يتحقق دوام زواج العلمانيين والاسلاميين، مؤكدا على أنّ: "هناك مؤشرات تؤكد على أن هذا الزواج يمكن أن يدوم في إطار حكومة الترويكا، ومؤشر اليوم من طرف حركة النهضة والتي تنازلت لحزب التكتل، ولفائدة مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي، ليكون رئيسا للجنة صياغة الدستور التي سعت النهضة بادئ الأمر لترؤسها، وهذا دليل على أن حركة النهضة وفي كل مرة تشعر أن هناك عناصر تعمل على تفكيك الإئتلاف تقدم تنازلات، وبالتالي هناك نوعا من المصلحة المشتركة بين الأحزاب المكونة للإئتلاف الحكومي، فالنهضة لها الأغلبية حتى في حال خروج التكتل والمؤتمر ولكن في المقابل فإن كلا من حزب المؤتمر وحزب التكتل، له مصلحة في البقاء للمشاركة في الحكومة ولتحقيق أهدافها كجزء من المشهد السياسي".
و أضاف د. لبيض متحدثا لـ" إيلاف" عن المصلحة التي تحكم الأطراف الثلاثة لمواصلة هذه الزيجة قائلا: "يبدو ذلك، خاصة أنّ الطرف الذي يمكن أن ينسلخ هو حزب التكتل ولكن إمكانية قبول حزب التكتل من طرف المعارضة الليبرالية واليسارية مستبعدة، فهو غير مرغوب فيه حاليا بعد تجربته مع حركة النهضة كأن البقية يرون أنه تخلى عن مبادئه لتحقيق مصالح آنية ضيقة، وبقية الأحزاب اليسارية والليبرالية تسعى حاليا لتكوين أقطاب على أساس مصالح وتقارب.
وإذا كانت هناك مصلحة سياسية كبرى في مقاومة النهضة كان يمكن أن يأتلف أحزاب التكتل والديمقراطي التقدمي والتجديد وآفاق تونس والعمل، ولكن ما نلاحظه حاليا أنها انقسمت إلى فريقين، فريق يضم حزبي آفاق والديمقراطي التقدمي، وآخر يضم التجديد والعمل، وبالتالي فإمكانية قبول حزب التكتل في حال خروجه من الإئتلاف الحكومي غير واردة في أي من الفريقين، فمصالحها الحزبية هي التي تقود هذه الأحزاب أكثر من المصلحة الوطنية العامة".
من ناحيتها تتحدث الإعلامية جنات بن عبدالله، رئيسة تحرير في صحيفة "الصحافة" عن زواج الترويكا موضحة أنّ: "هذا الزواج لا يمكن أن يدوم طويلا، وهو محكوم بعنصر الزمن لأن الزواج مبنيّ على المصالح الآنية في هذه المرحلة التأسيسية، ولكن أن يتواصل بعد ذلك فهذا مستبعد، لأنني أعتقد أن تعقد تآلفات أخرى في الفترة القادمة من جهة ثانية إذا تحدثنا عن مصلحة البلاد، فمن الضروري أن يتواصل هذا الزواج حتى انتهاء هذه الفترة التي ستدوم نحو عام ونصف، ولكن إذا تم تغليب المصالح الذاتية فلا يمكن أن يتواصل والمؤشرات التي لا نملكها في الواقع وتشير إليها وسائل الإعلام، لا تمثل الحقيقة ولا يمكن أن نبني عليها من أجل التأسيس، لأن الإعلام يسير بنا فعلا حاليا نحو الهاوية بعد أن دخل في هذا القطاع بعض الطفيليين ولم يخرجوا بعد، ولهم مصالح معينة ونظرتهم ضيقة وبالتالي لا يمكن البناء على ما يروّج، ومن الأفضل حاليا أن أبقى صامتة على أن أصدح برأيي في هذه الأجواء المشحونة و المغلوطة".
ويرى الأستاذ عدنان منصّر أنّ بعض المعارضين يعيبون على حزبي التكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية تحالفهما مع حركة النهضة لتشكيل حكومة الترويكا، بينما يعملون في المقابل على خلق جبهة معارضة تضم في الواقع أحزابا متناقضة ايديولوجياً على غرار الحزب اليميني آفاق تونس، والحزب اليساري حركة الوطنيين الديمقراطيين.
كما أنّ ضعف حزبي التكتل و المؤتمر على مستوى التحالف الثلاثي لا يمكن أن يخدم لا الأحزاب الممثلة للمعارضة أو وبصفة أخص هذين الحزبين اليساريين اللذين ارتميا في أحضان حركة النهضة التي احتوتها، وهو ما يزيد في قوة النهضة ويزيد في ضعفهما، وهذا ما يؤشر على أنّ هذا الإئتلاف بالرغم من بعض المطبات والتجاذبات من هنا وهناك.
الخبير سالم لبيض تحدث عن مطبات يمكن أن تضرب الإئتلاف الحكومي: "إذا تطورت الأزمة الإجتماعية، وعجزت حكومة الترويكا عن ايجاد الحلول المناسبة التي تواجه بها هذه المشاكل، عندها يمكن أن يصيبها التآكل من الداخل ولكن إلى حدّ الآن، هناك محاولات للسيطرة على الأزمة الإجتماعية التي تحرض عليها بعض الأطراف، وهناك نوع من الإستجابة والتداعيات، كأنما هي الفرصة المناسبة لتحقيق مكاسب بالنسبة للقوى الإجتماعية في الجهات بالخصوص، من خلال بعض الإغراءات والمشاريع الإستثمارية و لكن في الواقع نلاحظ أنها تتفاقم".
أما الصحافية جنات بن عبدالله فهي تؤكد لـ"إيلاف" على أنّ :" التحالفات السياسية تشوبها دائما نتوءات لأن هذه الأحزاب تعرف جيدا، ومنذ البداية أنها مقدمة على مرحلة صعبة، لا بد أن يتخللها التآلف والتوافق وأعتقد أن النضج السياسي الذي يميز الأطراف الثلاثة يتفاوت من طرف إلى آخر لاعتبارات نضالية وتاريخية وعلمية وثقافية وسياسية، وبالتالي فالتعاطي مع المتغيرات سيكون متفاوتا، وهنا تبرز قدرة حركة النهضة على احتواء واستيعاب كل الإشكاليات والمطبّات".
هذه الزيجة يمكن أن تدوم بشروط عدّدها د. سالم لبيض، موضحا أن المسألة مرتهنة بالقدرة على الإيفاء بالوعود وإذا تم امتصاص الأزمة على المستوى الإجتماعي، وقدمت الحكومة بعض المسكنات على شكل مشاريع، وتشغيل يمكن أن تسنح الفرصة وتعمل الأطراف الثلاثة على المضيّ قدما جنبا إلى جنب وصياغة الدستور، وفي المقابل إذا لم تجد الحكومة حلولا لهذه المشاكل الإجتماعية، وتفاقت الأزمة، عندها يمكن أن يكون الطلاق بين الأطراف الثلاثة.
وعن إمكانية تواصل هذه الزيجة بين الأطراف الثلاثة الممثلة للترويكا تؤكد جنات بن عبدالله، أنها تشترط أساسا إيمان الأحزاب الثلاثة بأن مصلحة البلاد فوق مصلحة الأحزاب بالرغم من التنازلات السياسية التي تقوم بها حركة النهضة من حين لآخر، وهي في الواقع تنازلات سياسية تتماشى والظرف الواقع وليست تنازلات عن المبادئ.
من جانبه أشار د. لبيض إلى أنّ المشكل الحالي هو أنّ حركة النهضة تتصرف وكأنها تحكم لوحدها، وبالتالي فإن كل السلبيات التي تطفو على السطح تحمّلها هي لوحدها المسؤولية دون المؤتمر والتكتل وهذا مؤشر سلبي لحركة النهضة لست أدري هل أنهم واعون له، أم لا، وبالتالي لا بد من توسيع دائرة المسؤولية للحزبين الآخرين مثلما حدث أخيرا عند التعيينات في وسائل الإعلام بالرغم من أنّ مشكلة الإعلام حاليا تعتبر مشكلة معقدة، تحتاج فتح ملفات وملفات وعدم ردّ الفعل لأنه إذا واصلوا بهذه الطريقة فيمكن أن تتأزم الوضعية السياسية وينفضّ التآلف.