التعليم الاماراتي: حوسبة المناهج والانتقال من التلقين إلى التفكير مع برنامج محمد بن راشد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
على الرغم من الخطوات الكبيرة والواثقة التي أحرزها نظام التعليم في الامارات، في ظل مبادرة محمد بن راشد للتعليم الذكي، إلا أن الرهان الأول والأخير على كفاءة الموارد البشرية القائمة على حوسبة التعليم، لتجاوز التحديات التي يواجهها قطاع التربية.
دبي: يتجه نظام التعليم في الإمارات نحو تحقيق التنافسية العالمية من خلال الدعم السياسي والمالي الكبير الذي يحظى به من قيادات الدولة. هذا ما قاله حميد القطامي وزير التربية والتعليم في دولة الإمارات، الذي شرح أن قطاع التعليم يستحوذ على 20 في المئة من الميزانية الاتحادية بقيمة 8.2 مليارات درهم.
غير أن القطامي لفت إلى أن "استراتيجية وزارة التربية والتعليم في الإمارات تواجه تحديات عدة أهمها سرعة وتيرة الطفرات الإلكترونية محليًا وعالميًا، وتحقيق التنافسية العالمية في التعليم، ومواكبة التقدم والازدهار الذي تشهده الإمارات في شتى المجالات، وتمكين أبناء الدولة من أدوات عالمنا المعاصر، وتلبية احتياجات المستقبل ومتطلباته من عناصر بشرية مؤهلة".
نهضة تعليمية
أوضح القطامي، في كلمة ألقاها في المؤتمر السنوي الثالث للتعليم تحت عنوان: "تكنولوجيا المعلومات ومستقبل التعليم في دولة الإمارات" في أبوظبي، أن النداء الذي خرج عن الأمم المتحدة قبل أيام قليلة تحت عنوان "التعليم أولا"، رسخته دولة الإمارات قبل سنوات طويلة، "وهو ما أسس له الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي اعتبر أن الإنسان هو الثورة الحقيقية للمجتمع".
وقال القطامي إن الأرقام تؤكد بوضوح ما شهدته الإمارات من نهضة تعليمية على المستويات كافة. فقد زاد عدد المدارس الحكومية من 129 في بداية الاتحاد إلى 725 مدرسة في الوقت الحالي، وزاد عدد الطلبة فيها من 24 ألف طالب وطالبة في بداية الاتحاد إلى نحو 268 ألفًا في الوقت الحالي.
وعلى مستوى التعليم الخاص، زادت المدارس الخاصة من 24 مدرسة في بداية الاتحاد إلى 473 مدرسة في الوقت الحالي يتعلم فيها نحو 545 طالباً وطالبة. وعلى مستوى التعليم العالي، فإن لدى الإمارات حاليًا 80 جامعة ومعهدًا فيها 110 آلاف طالب وطالبة ويقدم فيها 780 برنامجاً بحثيًا.
إنجازات مشهودة
وأشار القطامي إلى أن وزارة التربية والتعليم في الإمارات حققت العديد من الإنجازات في مجال مواكبة التعليم للثورة التكنولوجية كتطوير البنية التحتية لتقنية المعلومات في المدارس، وتعميم الدروس الإلكترونية ونشر 7000 محتوى إلكتروني، واستحداث نظام إلكتروني شامل للطلبة والمعلمين والإداريين، وإطلاق بوابة التعليم الإلكتروني، وإنتاج مناهج إلكترونية.
وحول مبادرة التعليم الذكي للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قال القطامي إن هذه المبادرة "تشتمل على تطوير المناهج والمقررات الدراسية الإثرائية، وتنويع مصادر المعرفة، وتطوير المحتوى الإلكتروني، وتطوير أدوات الاختبارات والتقويم، وتعميم الفصول الذكية بمكوناتها التقنية الحديثة، وتطوير أساليب التدريس القائمة على تكنولوجيا التعليم، وتزويد المدارس والطلبة ومعلميهم بأجهزة حاسوب محمولة ولوحية، وإمداد المدارس بشبكات إلكترونية فائقة السرعة".
الرؤية الوطنية 2021
أكدت الشيخة خلود صقر القاسمي، مديرة إدارة المناهج في وزارة التربية والتعليم في الإمارات، في كلمتها أمام مؤتمر ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي، أن الإمارات منذ تأسيسها سلكت بخطى واثقة لمواكبة التحولات الحضارية التي يشهدها العالم والدخول معه في ميادين التنافس، "تدفعها في ذلك رؤى طموحة لقادة مخلصين عبر مسيرة طويلة توجتها "الرؤية الوطنية 2021" التي يرسم إطارها الفكري مستوى عال من الطموح والتطلعات، بأن يخطو الإماراتيون بثقة وطموح في ظل اتحاد قوي، متسلحين بالمعرفة والإبداع لبناء اقتصاد تنافسي منيع، في مجتمع متلاحم متمسك بهويته ينعم بأفضل مستويات العيش، في بيئة مستدامة".
وأشارت القاسمي إلى أن هذه الرؤية ألقت بظلالها على مجال التعليم ليكون في عام 2021 نظامًا تعليميًا من الطراز الأول، ما لا يمكن أن يتحقق إلا بتطوير منظومة التعليم ليمثل رهان المستقبل الواعد والاستثمار الحقيقي لحاضر الوطن ومستقبله. لذلك، يقتضي الأمر وجود تعليم نوعي يمثل جسرًا قويًا نحو بناء مجتمع المعرفة القائم على اكتساب المعرفة وإنتاجها وتوظيفها في خدمة التنمية المستدامة.
منعطف هام
وقالت القاسمي إن الإرادة السياسية انطلقت بقوة في دعم خطوات إصلاح النظام التعليمي واعتباره ضرورة ملحة . كما ساندت هذه الإدارة كل عمليات التطوير التي يشهدها هذا القطاع الحيوي بمراحله المختلفة، من أجل بناء نظام تعليمي يكون من أفضل النظم التعليمية المتطورة عالميًا.
وأضافت القاسمي: "في ظل هذا الاهتمام السياسي، وفي ضوء الثورة المعلوماتية المعاصرة وانتشار التقنية ووسائل الاتصال، انطلقت مبادرة الشيخ محمد بن راشد للتعلم الإلكتروني الذكي لتمثل منعطفًا هامًا في تاريخ التعليم الإماراتي، وأساسًا قويًا في مرحلة التطوير الجذري الذي سيشهده التعليم في الدولة"، إذ تهدف هذه المبادرة إلى إيجاد بيئة تعليمية جديدة في مدارس الدولة من خلال التحرك على أربعة مسارات رئيسية هي تغيير البيئة الصفية وتطوير بنية تحتية إلكترونية متقدمة في المدارس.
كما تهدف المبادرة إلى تطوير مجموعة من المناهج التعليمية المساندة للمنهاج الأصلي، وتوفير خدمات متعدّدة لأولياء الأمور لمتابعة تحصيل أبنائهم إلكترونيًا، وإشراكهم في العملية التعليمية باعتبارهم طرفًا أصيلًا في عملية التطوير.
تحوّل جذري
وذكر مروان أحمد الصوالح، وكيل وزارة مساعد للخدمات المساندة في وزارة التربية والتعليم في الإمارات، أن التطور الهائل والمتسارع في تكنولوجيا المعلومات وعالم الاتصالات خلال العقد الماضي "انعكس بشكل مباشر على كافة ميادين الحياة بلا استثناء، ومنها النظم التعليمية".
وأشار الصوالح إلى أن التخطيط كان ينصب دائمًا حول "كيفية تسخير هذا التطور التكنولوجي في خدمة تطوير التعليم، إذ تمت الاستفادة من هذه التكنولوجيا في عدة أوجه، كإدخال أجهزة الحاسب الآلي إلى المدارس، وبناء شبكات الإنترنت، واستثمار وسائل الاتصال، وغيرها من الخدمات التقنية التي ساهمت بلا شك في نقلة نوعية في بيئة التعليم".
أضاف الصوالح أن انطلاقة برنامج التعلم الذكي تمثل "تحولًا جذريًا ونقطة انعطاف مهمة في النظم التعليمية"، فتنمية تفكير الطلبة، من خلال إدخال التكنولوجيا في المناهج الدراسية وتفاعل الأطراف المعنية كافة، تتطلب تهيئة بنية تحتية حديثة ومتطورة، وكوادر تعليمية وإدارية قادرة على الانسجام مع هذا التوجه بمهنية واحتراف، فضلاً عن قدرة الطالب على إدراك التغيير في طرق وحجم التدفق المعلوماتي إليه، وكيفية إدارة شبكة التواصل ما بين المدرسة والطالب والمنزل.
من التلقين إلى التفكير
من جهته، قال الدكتور فايز السعودي، وزير التربية والتعليم في المملكة الأردنية الهاشمية في كلمته في المؤتمر نفسه، إن التعليم يحظى بأهمية كبيرة جعلت الدول المتقدمة تنظر إليه بوصفه الأولوية الوطنية الأولى ومحط الدعم ومثار الاهتمام. واضاف السعودي أن الحكومات "تواصل دعمها وتمويلها للتعليم ومهننته وحوسبته والاتجاه به في منحى التعليم التقني الذي يوظف التكنولوجيا فيه، لتحقيق أهداف التعليم التي تلبي احتياجات المتعلمين، وتواكب متطلبات ألفية غدت فيها التكنولوجيا وسيلة لا غاية.
أضاف: "هي وسيلة لاختزال الوقت والجهد وترشيد الإنفاق، وتحقيق أجود المخرجات التعليمية المبنية على مدخلات وعمليات تكنولوجية حديثة مبتكرة، أسهمت في التحول من التلقين إلى التفكير، ومن العمل الفردي إلى العمل الجماعي، من خلال التعلم بالعمل والتعلم باللعب والتعلم بالمشروعات، وغيرها من الاستراتيجيات، إذ بات مؤكدًا أن التعليم الذي يعد المتعلمين للمستقبل هو التعليم الأكثر قدرة على تلبية احتياجات المتعلمين في ظل قرية عالمية رقمية متسارعة التغير والتطور".
وأشار السعودي إلى أن التكنولوجيا سمة العصر ومظهره وجوهره، لذا "أصبح لزامًا على أي نظام تعليمي أن يحقق نهضة وتحولًا واسعًا ينتقل بالتعليم إلى توظيف التكنولوجيا لتحقيق أهداف التعليم.
ولفت إلى أنه في ظل تطور استراتيجيات التعلم وأساليب التدريس التي رافقها تطور في أساليب القياس والتقويم، وتزامنت مع تحول في المناهج من التلقين والحشو الزائد إلى تعليم التفكير والتعليم بالتفكير، "بات لزامًا على الأنظمة التعليمية أن تحشد طاقاتها وتوجه سياساتها نحو تعزيز دور التكنولوجيا في المواقف الصفية والحياتية وفي المواقف اللاصفية والأنشطة المرافقة للمنهاج".
تحديات حوسبة التعليم
فرضت ثورة الاتصالات على المتعلم والمعلم على حد سواء توظيف المناهج المحوسبة والكتاب الإلكتروني وإتاحة مصادر المعرفة والإنترنت وسائل للتعلم. لذا، يقول السعودي إن التحدي الماثل أمام أنظمة التعليم العربية هو في "قدرتها على توظيف هذه المصادر لتشكيل بيئات تعلم جاذبة للطلبة، خصوصًا بعدما خلب الإنترنت أبصار المتعلمين، واستحال أن يبقى الكتاب التقليدي بديلًا للتكنولوجيا والإنترنت، وبعد أن أصبح الاعتماد على مصدر واحد للمعرفة في حكم الماضي السحيق".
وذكر السعودي بأن التحديات الأبرز في هذا السياق "هو تعليم الطلبة كيف يتعلمون لا التركيز على ما يتعلمون، وذلك بانتهاج طرق غير تقليدية في التعلم، وتحويل ما أمكن من فرص التعليم إلى فرص تعلم يمارس فيها المتعلم الدور الأكبر بعد أن تحول دور المعلم إلى ميسر ودور المشرف والمفتش إلى مساند، وهذا يشكل تحديًا كبيرًا يفرض علينا توفير أحدث البرمجيات والأدوات اللازمة لخوض معترك التكنولوجيا".
الرهان على الكفاءة البشرية
وتناول السعودي التعليم في العالم العربي، فقال إنه يواجه تحديات كبيرة، ويتمثل الرهان في تجاوزها جميعًا على قدرة الموارد البشرية الكفؤة المدربة المستعدة لتوظيف البنى التحتية المادية والتقنية والرقمية في خدمة العملية التعليمية، من خلال توظيف أحدث الوسائل والاستراتيجيات التعليمية وأرقى نماذج القياس والتقويم القادر على قياس الكفايات والمهارات بديلاً عن قياس التحصيل والمعرفة.
وأكد السعودي في هذا السياق أن "برنامج محمد بن راشد للتعليم الذكي يشكل نقلة نوعية إذا توافرت له عوامل استكمال نجاحه من محو الأمية الرقمية وتوفير البيئات والبنى التحتية اللازمة والتركيز على البعد الإعلامي لتسويق الفكرة في دول المنطقة، وتحقيق التشاركية والتكامل لضمان تفعيل هذا البرنامج، كجزء من متطلبات الجودة الشاملة. كما أشار إلى أن السير في تفعيل نظام الاعتماد التقني في المدارس سيشكل حافزًا قويًا لتفعيل هذا البرنامج الطموح.