النظام النسبيّ الأكثر عدلًا... لكن المطلوب ضغط شعبيّ لإقراره
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تقسيم دوائر، عقد تحالفات، تركيب لوائح... تعابير تختصر المشهد السياسيّ في لبنان. فالتجاذب ما زال مستمرًا حول القانون الذي ستجري وفقه الإنتخابات النيابية في العام 2013. وعلى الرغم من أنّ التجارب أثبتت أنّ الكفة تميل لصالح الأحزاب والقوى السياسية، فمنظّمات المجتمع المدنيّ تحاول هي أيضًا حشد التأييد وراء توجهها الخاص.
بيروت: في السادس من حزيران (يونيو) 2006 ، إنطلقت الحملة المدنية للإصلاح الإنتخابيّ في لبنان. ومنذ تلك اللحظة وحتى اليوم، انضوى في هذه الحملة 88 منظّمة وجمعية مدنية، تجاهد لإدخال الإصلاحات إلى الأنظمة الإنتخابية، لا سيما النيابية منها.
تتبنّى هذه الجمعيات النظام النسبيّ مع اللوائح المقفلة المرّتبة مسبقًا، بإعتبار أنّه الأفضل للبنان. لكن الإحتجاجات السلمية العديدة التي قامت بها المنظّمات حتّى اليوم للمطالبة بإقرار هذا النظام لم تُسفر عن تغيّر جذري في إتجاهات القوى السياسية التي تتمسّك بمشاريع قوانينها. لا بل تعرّض الناشطون المدنيون في يوم 19 أيلول (سبتمبر) الماضي للمضايقة والضرب من قبل شرطة المجلس النيابيّ وعناصر الجيش، أثناء تنظيمهم تحرّكًا سلميًّا أمام مبنى البرلمان، تزامن مع إجتماع اللجان النيابية لدرس مشروع قانون الإنتخاب.
قوانين إنتخابية مرفوضة
لا يتّفق الناشطون المدنيون مع أي جهة سياسية تحاول تمرير مشروعها الخاص للقانون الإنتخابيّ. فلكلّ إقتراح شوائب عدّة لا يمكن السكوت عنها. يشرح روني الأسعد، منسّق الحملة المدنية للإصلاح الإنتخابيّ، لـ "إيلاف" الإعتراضات التي يسجّلها المجتمع المدنيّ على كلّ مشروع. فقانون الستّين "يكرّس الطائفية في لبنان بدل تنمية الإنتماء الوطني، كما أنّ دوائره غير مقسّمة بشكل عادل لضمان التمثيل الصحيح".
كما أنّ تنظيم الإنتخابات في العام 2009 بحسب بنود هذا القانون من دون إقرار أي إصلاحات، مثل إنشاء هيئة مستقلة ودائمة للإنتخابات وإعتماد قسائم إقتراع معدّة سلفًا، إلى جانب إعتماد الكوتا النسائية وتنظيم الإنفاق المالي الإنتخابي وخفض سنّ الإقتراع، زاد من مساوئه بحسب الأسعد.
أمّا النظام الأكثري، فيرى الأسعد أنّه "يحجّم الأصوات حينًا ويبالغ بتكبير حجمها في أحيان أخرى، ومن يحصل على أكبر عدد من الأصوات يحصل على جميع المقاعد، وفي ظلّ هذا النظام لا إمكانية للخروج من الإصطفاف الحاليّ".
كذلك الأمر بالنسبة لقانون الخمسين دائرة على أساس النظام الأكثري، إذ "يكرّر الغبن نفسه ولن يكون هناك تمثيل صحيح للبنانيين، إذ تعود الزعامات الطائفية نفسها لتحكم". ويصل الأسعد إلى مشروع اللقاء الأرثوذكسي الذي يعتبره "مكرّسًا للنظام الطائفي ومخالفًا للدستور بدعوته أن تنتخب كلّ طائفة نوّابها".
إصلاحات مبتورة
يبقى مشروع القانون الإنتخابيّ المقدّم من قبل الحكومة اللبنانية، الذي يستند على النسبية وتقسيم لبنان إلى 13 دائرة. فعلى الرغم من أنّ مبدأ النسبية تمّ إقراره في هذا المشروع، يرى الأسعد أنّه يتضمّن إصلاحات "مبتورة"، وذلك يعود أولًا إلى إعتماد الدوائر الإنتخابية الصغيرة التي تبطل مفعول النسبية. كما أنّ غياب الهيئة المستقلة التي يُفترض أن تنظّم الإنتخابات لضمان حياد السلطة السياسية والإستعاضة عنها بهيئة للإشراف تعمل تحت وصاية الوزير، يدفع المنظّمات المدنية إلى الضغط لمنع إقرار المشروع بصيغته الحالية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الأسعد يلفت إلى تجاهل مشروع الحكومة للكوتا النسائية الضرورية وحقّ المغتربين بالإقتراع. هكذا تحاول الحملة المدنية للإصلاح الإنتخابي الضغط لإقرار النظام النسبيّ بقواعده الصحيحة بإعتبار أنّه الأكثر قدرة على تأمين التمثيل الصحيح، وهو "الذي يسمح بإنتخاب البرنامج لا الأشخاص"، بحسب الأسعد.
نداءٌ للتحرّك الشعبيّ
يُعتبر خرق النظام الطائفي هاجسًا أساسيًا بالنسبة لمنظّمات المجتمع المدنيّ في إنتخابات العام 2013، والنظام النسبيّ المطبّق على الدوائر الكبرى يمثّل الأداة الأبرز لتحقيق ذلك.
يؤكد منسّق تيار المجتمع المدنيّ باسل عبد الله، في حديث لـ "إيلاف"، أنّ النظام النسبيّ يدفع المواطنين إلى التطلّع نحو البرامج المطروحة والمقارنة بينها بدل إنتخاب أشخاص من طرف سياسيّ واحد، بحسب الإنتماءات الطائفية والمذهبية. إلا أنّه لا ينفي أنّ المجتمع المدنيّ يواجه عوائق كبرى تعترض عمله، أولّها صعوبة الضغط على الزعماء السياسيين للإتجاه نحو تحقيق الإصلاح الإنتخابيّ.
يذكّر عبد الله بأنّ "المجتمع المدنيّ ليس إلا مجموعة من المنظّمات الحقوقية والأفراد الناشطين للدفاع عن الدولة المدنية"، وبالتالي فهم يحتاجون إلى الدعم الشعبيّ لإيصال صوتهم إلى صانعي القرار.
هذا الدعم ليس غريبًا عن المشهد اللبنانيّ، فمنذ حوالي ثمانية أشهر، كانت شوارع بيروت تحتضن أسبوعيًا تظاهرات شعبية لإسقاط النظام الطائفي يشارك فيها آلاف المواطنين. لكن سرعان ما خف زخم هذه التحرّكات، بعدما تمّ تسييس التظاهرات وتحويلها عن مسارها الأولي، نحو مسائل حزبية ومذهبية.
وهذا ما يحذّر منه عبدالله الذي يرى أنّ التظاهرة السلمية والتحرّك الشعبيّ يجب أن يكون له حاليًا مطلب واحد، وهو إقرار النظام النسبيّ بالشكل الصحيح لكي يستطيع اللبنانيون إيصال صوتهم إلى المجلس النيابيّ.
الهواجس نفسها
الخطاب الموحّد للمنظّمات المشاركة رسميًا في الحملة المدنية للإصلاح الإنتخابيّ، والذي عبّر عنه الأسعد وعبد الله، يلقى تجاوبًا أيضًا لدى الناشطين المدنيين في جمعيات أهلية أخرى. فالهواجس هي نفسها وكذلك الطموحات على صعيد الإصلاح السياسي والإنتخابيّ.
في هذا السياق، تشير المديرة التنفيذية للمركز الدولي للتنمية والتدريب وحلّ النزاعات رويدا مروه، مسؤولة البرامج في الهيئة الشبابية الإسلامية - المسيحية للحوار، إلى أنّ كلّ النقاشات التي تدور اليوم حول قانون الإنتخاب هي أشبه بـ"فوضى غير خلّاقة لن تقود إلى أي مكان".
المَخرج الوحيد، بحسب مروه، هو في قانون إنتخابيّ "يراعي مصلحة المواطن اللبناني ويعزّز مفهوم المواطنة ويأخذفي الإعتبار مجموعة من الإصلاحات التي يطالب بها الشعب اللبنانيّ ككلّ قبل الحملة المدنية للإصلاح الإنتخابيّ".
لكنّ مروة لا تختصر الطروحات الإصلاحية بالنسبية، إنما تجد ضرورة تخفيض سنّ الإقتراع وتحويل لبنان إلى دائرة إنتخابية واحدة وصولًا إلى إلغاء الطائفية السياسية التي على أساسها يقترع اللبنانيون، فهكذا يكون "الإصلاح شاملًا وهو ليس إنتخابيًا فقط،بلسياسي وإقتصادي وإجتماعي وثقافي".
سلة إصلاحية
تتشارك مروه مع الناشطين ضمن الحملة النظرة نفسها تجاه القوانين المطروحة اليوم للنقاش. فقانون الدوائر الخمسين "مفصّل على قياس البعض وليس على قياس مصلحة المواطنين"، ومشروع اللقاء الأورثوذكسي "تقسيميّ بحت للشعب اللبنانيّ إلى دويلات صغيرة". وهذا ما ينطبق تمامًا على المشاريع الأخرى، بإستثناء ذلك المقدّم من الحكومة والذي يحتاج إلى تعديلات كثيرة ليصبح مقبولًا.
لكنّ مروه تلفت إلى أنّ عددًا من القوانين المقترحة يتضمّن بعض الإصلاحات، ومنها المشروع المقدّم من قبل النوّاب بطرس حرب وجورج عدوان وسامي الجميّل، وقد تضمّن "سلّة مقبولة من الإصلاحات كالهيئة المستقلة وتنظيم الإنفاق الإنتخابي وإقتراع غير المقيمين".
وكذلك هناك خطوة إيجابية تتمثّل في إقتراح مشاريع القوانين "واجب إعتماد البطاقات المعدّة سلفًا، وهي تؤمّن سرّية الإقتراع وتحدّ من إمكانية الضغط على الناخبين"، بحسب مروة.
أمّا المشكلة التي يعاني منها المجتمع المدنيّ، فتلّخصها مروه بالحضور الجماهيريّ الضعيف تمامًا كما أشار عبدالله. وبالتالي فإنّ الناشطة المدنية تطالب بخطاب شعبيّ من قبل المنظّمات والجمعيات الأهلية "لتحريك ضمير الشعب اللبنانيّ ودفعه إلى الشعور بأهمية التفاعل مع الحملة لمصلحته".
وحين نسأل مروه عن الطريقة التي يمكن للناشطين المدنيين الردّ بها في حال تمّ إقرار قانون غير منصف، فالجواب هو "العزوف عن الإقتراع لأنّه الخيار الوحيد لمقاومة الفساد الإنتخابيّ".
واجبات الاعلام
تبقى كلّ الإصلاحات المطروحة سابقًا كلامًا من دون تنفيذ، في حال لم تصل إلى الرأي العام اللبنانيّ. فهناك إجماع تام بين الناشطين على أنّ للإعلام بوسائله المختلفة الدور الأكبر في إظهار وجهة نظر الناشطين المدنيين، تمامًا كما أي جهة حزبية أخرى.
في هذا السياق، تؤكد الصحافية والناشطة المدنية فانيسا باسيل أنّ "تنظيم الإنتخابات الشعبية لا يكفي لضمان حسن ممارسة حقوق المواطنين، وبالتالي فإنّ الإعلام يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من مسار العملية الإنتخابية من باب المراقب والضامن والداعم للإصلاح الإنتخابي".
كما تلفت باسيل إلى أهمية خلق شراكة بين منظّمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية، حيث يعمل الناشطون المدنيون والإعلاميون معًا من أجل تحقيق إنتخابات نزيهة وديمقراطية وعادلة.
وتعدّد باسيل الواجبات التي يجب على الإعلام المحليّ أن يضطلع بها للقيام بواجبه تجاه الحملة المدنية. تقول: "عليه التنديد بأي قمع أو سوء معاملة تمارس ضدّ الناشطين المدنيين، ودعم جهودهم لجهة إدخال الإصلاحات الضرورية على القانون الإنتخابيّ، ومنح المساحة الإعلامية اللازمة لرفع الوعي عند الرأي العام حول أهمية الإصلاحات، وصولًا إلى الضغط على السلطة السياسية لتبنّيها".
سلطة رابعة
أمّا التحقيقات والتقارير التي تُكتَب اليوم حول التحضير للإنتخابات، فتجد باسيل أنّها "يجب أن تكون معمّقة أكثر وتركّز على الإصلاحات التي تشمل النسبية والكوتا النسائية وخفض سنّ الإقتراع، بالإضافة إلى إقتراع المغتربين". هذا ما يعيد للإعلام "دوره كسلطة رابعة تراقب وتحاسب السياسيين" بحسب باسيل.
يحاول المجتمع المدنيّ في لبنان إستخدام كلّ أداة متوافرة للضغط على السلطة السياسية في سبيل إقرار الإصلاحات الإنتخابية قبل فوات الأوان، لكن تبقى مهمّته صعبة إذ يواجه قوى سياسية قادرة على التعبئة الشعبية وتملك أجهزة إعلامية جماهيرية توصل أفكارها ورسائلها إلى الناخبين، و يكمن أمله الوحيد في تبّني مختلف فئات الشعب لمطالباته الإصلاحية والتظاهر لدعمها والضغط لصالحها.
التعليقات
علّة النظام
أمين -يتعامل السياسيون في لبنان مع المجتمع المدني بكلّ إستهتار وكأنّهم افراد "إرهابيين". أكبر علّة في النظام السياسي حين يدير الزعماء الأذن الصماء للشعب.
علّة النظام
أمين -يتعامل السياسيون في لبنان مع المجتمع المدني بكلّ إستهتار وكأنّهم افراد "إرهابيين". أكبر علّة في النظام السياسي حين يدير الزعماء الأذن الصماء للشعب.