أخبار

إقتصاد العسكر في مصر يرفض النيوليبرالية... ولا مفر من العين البرلمانية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تتباين تقديرات الخبراء حول نسبة الاقتصاد العسكري من الاقتصاد المصري، لكن يجمع الخبراء هؤلاء وغيرهم من القيادات المصرية من مختلف الأطراف حول ضرورة إخضاع اقتصاد المؤسسة العسكرية للرقابة البرلمانية.

القاهرة: في الثاني عشر من آب (أغسطس) الماضي، وبالتزامن مع الإحتفال بليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان الماضي، أنهى الرئيس المصري محمد مرسي ستين عامًا من حكم العسكر في مصر، بعد أقل من شهر على الإحتفال بالذكرى الستين لثورة 23 يوليو 1952.

على الرغم من أن قرارات مرسي هي الأبرز بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك ونظامه، إلا أن تلك القرارات لم تنه الدور الإقتصادي الحيوي للمؤسسة العسكرية في البلاد. ثمة دراسات تقول إن الجيش المصري يسيطر على 40 بالمئة من الاقتصاد المنتج. لا اعتراض على هذا الأمر حتى اليوم، لكن ما يقلق بعض القوى السياسية في مصر حاليًا هو عدم وجود أي رقابة على تلك المشروعات، باستثناء الرقابة الذاتية.

ومع قرب الإنتهاء من صياغة الدستور الجديد للجمهورية المصرية الثانية، بدأ الحديث مجددًا عن ضرورة مراقبة اقتصاد العسكر في مصر، لا سيما أن هناك من يرى في هذا الإقتصاد صندوقًا أسود لا يُفتح، وأن بعضًا من المحللين يتهمون المجلس العسكري السابق بتسهيل الإطاحة بالنظام السابق لقطع الطريق أمام جمال مبارك والمحيطين به، من رموز الإصلاح النيوليبرالي، الذين ساهموا بتفكيك آخر مؤسسات القطاع العام في مصر تحت عنوان الخصخصة، والتي يقوم الجيش تاريخيًا بتسيير أعمال جزء كبير منها.

إكتفاء ذاتي

يقول اللواء نبيل فؤاد، مساعد وزير الدفاع المصري الأسبق، لـ "إيلاف" إن إقتصاد العسكر بدأ في العام 1952، مع ثورة الضباط الأحرار في 23 تموز (يوليو)، مشيرًا إلى أن مصر "كانت تعاني أزمات إقتصادية طاحنة في ذلك الوقت، وكان لا بد من أن يحقق الجيش إكتفاءً ذاتيًا كي لا يضطر للحصول على إحتياجاته من السوق، وكي لا يسهم في زيادة حدة أزمات المصريين الاقتصادية".

ولفت فؤاد إلى أن الدور الإقتصاد للجيش المصري "تعزز مع نجاحه في بناء السد العالي مع غيره من مؤسسات الدولة، بعد رفض المؤسسات المالية الدولية تمويل بنائه". وقال فؤاد ل"إيلاف": "ينشئ الجيش مصانع للأغذية ويستصلح أراضي صحراوية من أجل زراعتها بالمحاصيل والفاكهة، وإعداد الخبز للجنود، وتصنيع الأثاث، بالإضافة إلى محطات الوقود المدنية والعسكرية". وبالتالي، يصنع الجيش المصري كل ما يحتاج إليه في حياته اليومية، من أجل تحقيق الإكتفاء الذاتي، من دون تحميل ميزانية الدولة أعباءً إضافية. يضيف: "في حال وجود فائض أو تعرض السوق المحلية لأزمات، يقدم الجيش الفائض لديه لسد العجز".

شأنه شأن جيوش العالم

هذا الأمر لا يختص به الجيش المصري وحده. فبحسب اللواء فؤاد، لكل جيش من جيوش الدول الغربية بما فيها الجيش الأميركي "إقتصاد خاص به من أجل تحقيق الإكتفاء الذاتي، والتصدي للأزمات الطارئة في المجتمع".

وأضاف فؤاد أن كل هذه الصناعات أو الأنشطة الزراعية وغيرها من المشروعات تخضع لجهاز المراقبة والتفتيش داخل المؤسسة العسكرية، ويعتبر جزءًا من الأسرار العسكرية، كما هو الحال في جميع دول العالم. لكنه نفى أن يكون لديه اي معلومات دقيقة حول مدى السيطرة العسكرية على الاقتصاد المصري. قال: "مؤكد أن نسبة 40 بالمئة التي يتكلمون عنها مبالغ فيها كثيرًا".

ورأى فؤاد أن الحديث عن اقتصاد الجيش المصري بدأ يتصاعد مع قيامه بدور سياسي بعد إسقاط نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، لا سيما في ظل محاولات إسقاط الدولة المصرية ككل، بعد انهيار نظام الحكم. قال: "جاء الحديث في سياق التشكيك في المؤسسة العسكرية سياسيًا وحتى في ولائها الوطني، لكنه طبيعي أن يتزامن مع وضع الدستور الجديد". وتوقع فؤاد ألا يحصل الجيش على وضع مميز في الدستور الجديد، "لكن لن يتم تقليص الإمتيازات التي يتمتع بها أيضًا".

خمسة بالمئة فقط

عندما يقرأ الدكتور سمير عبد العظيم، أستاذ الإقتصاد السياسي في جامعة القاهرة، الأرقام التي تتحدث عن تراوح حجم اقتصاد المؤسسة العسكرية بين 25 و40 بالمئة، فإنه يوافق اللواء فؤاد في انطوائها على مبالغات كبيرة. وقال لـ"إيلاف": "تلك الأرقام متداولة في وسائل الإعلام الغربية، وتعتمد على حساب الأصول المملوكة للجيش ضمن الناتج المحلي، لكن يجب حساب ناتج إقتصاد الجيش ضمن الناتج المحلي المصري، وفي هذه الحالة لن يزيد على خمسة بالمئة على الأكثر، لا سيما أن ميزانية الجيش لا تتعدى 4.1 بالمئة من الإنفاق العام".

وأضاف عبد العظيم أن المعضلة الحقيقية ليست في حجم هذا الإقتصاد، ولكن في غياب الرقابة عليه من قبل الأجهزة الرقابية، وخصوصًا مجلس الشعب. قال: "يجب دمج هذه المشروعات في الناتج المحلي، لا سيما أن الإقتصادات القوية عادة ما تكون موحدة، ولا تعمل كجزر منعزلة، فكل مؤسسة أو وزارة تنشئ نظامًا إقتصاديًا خاصًا بها أو مشروعات تديرها منفردة بعيدًا عن الدولة".

أنشطة متنوعة

غير أن الدكتورة زينب أبو المجد، أستاذ التاريخ والاقتصاد السياسي في الجامعة الأميركية في القاهرة، تقدر حجم إقتصاد العسكر بما يتراوح بين ٢٥ و٤٠ بالمائة. وقالت في دراسة لها في هذا الصدد إن "المؤسسة العسكرية تمارس نشاطها الاقتصادي في مجالات كثيرة، بدءًا من المقاولات كبيع وشراء الأراضي والشقق، والخدمات كتنظيف المنازل وإدارة الكافيتريات، وإدارة محطات الوقود، إلى الزراعة وتربية الدواجن والمواشي، إلى صناعة المكرونات والمشمعات البلاستيك للموائد".

كما أن للقوات المسلحة قانونًا يمنحها الحق في وضع اليد على أية أراضٍ مملوكة الدولة تنفيذًا لخطة الدفاع عن الدولة، لكن تستخدم قيادات الجيش هذا الحق لاستخدام الأراضي العامة في أغراض تجارية وليس في أغراض أمنية، بحسب أبو المجد. اضافت: "يمتلك جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة أراضي في مدينة نصر تبنى عليها وحدات سكنية، وفي الساحل الشمالي تبنى عليها قرى سياحية وفنادق من مثل قرية سيدي كرير".

وأشارت أبو المجد إلى أن "المتابع لإعلانات بيع أراضي الساحل الشمالي في الصحف يجد أن القوات المسلحة تقوم ببيع تجاري لمساحات شاسعة تابعة لها لأجل بناء منتجعات سياحية ومنازل".

فساد مبارك

لا تستبعد أبو المجد تورط بعض القيادات السابقة في الفساد خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك. قالت: "أن تكون لواءً سابقا في الجيش وعضوًا في الحزب الوطني ونائبًا في مجلس الشعب عنه طوال العشر سنوات الماضية فأنت طرف بصورة أو بأخرى في شبكة فساد الحزب الوطني".

وضربت أبو المجد مثالًا عن آخر وزير للإنتاج الحربي في عهد مبارك، اللواء سيد مشعل. قالت: "كان اللواء مشعل وزير الإنتاج الحربي المخلوع بعد الثورة مديرًا لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية قبل أن يصبح وزيرًا، وكان أيضًا عضوًا في الحزب الوطني ونائب الحزب عن دائرة حلوان لثلاث دورات متتالية بين العامين ٢٠٠٠ و ٢٠١١، ويفتخر بأنه أطلق اسم ابنته صافي على المياه المعدنية التي ينتجها الجهاز".

أُزيح مشعل من منصبه بعد الثورة بسبب بلاغات مقدمة ضده للنائب العام حول إهدار أموال الوزارة. كان فوز مشعل في الانتخابات البرلمانية في حلوان سهلًا بحشد أصوات عشرات الآلاف من العمال بمصنع ٩٩ الحربي الكائن هناك، حيث كان يحرص على الذهاب للرقص مع العمال على مشارف الانتخابات، ثم الاختفاء بينهم بعد الفوز.

وبحسب أبو المجد، فإن إدارة لواءات الجيش للاقتصاد المحلي من خلال عملهم كمحافظين لا تخلو من قصص فساد شهيرة. منها على سبيل المثال واقعة اتهام محافظ الأقصر السابق اللواء سمير فرج، وكان قبل ذلك يشغل منصب رئيس إدارة الشؤون المعنوية في القوات المسلحة، في صفقة بيع أرض بثمن بخس لرجل أعمال من المدينة نفسها. كان من المفترض أن تُبنى على الأرض تلك صالة ألعاب أوليمبية، وتم بالفعل إنفاق مئات الملايين على المشروع، وفجأة توقفت عملية البناء وبيعت الأرض لرجل أعمال يمتلك فندقًا سياحيًا مقابلها.

ضد النيوليبرالية

عندما طبق الرئيس المخلوع مبارك سياسة التحرر الاقتصادي الكامل مجددًا بعد العام ١٩٩٢، استجابة لضغوط الولايات المتحدة وتنفيذًا لخطة محددة البنود وضعها له البنك الدولي وصندوق النقد، تؤكد أبو المجد أن يد الخصخصة لم تمس ممتلكات القوات المسلحة.

وعندما تسارع برنامج الخصخصة على يد الوريث المفترض جمال مبارك منذ العام ٢٠٠٤، لم تجرؤ حكومة رجال الأعمال على الاقتراب من ممتلكات القوات المسلحة.

وأشارت أبو المجد إلى أن "المؤسسة العسكرية لا تؤمن بالنيوليبرالية الأميركية أو عقيدة السوق الحرة، وأحد مكوناتها الخصخصة وإطلاق يد رجال الأعمال في إدارة الاقتصاد وانسحاب الدولة".

وألمحت إحدى برقيات ويكيليكس المرسلة من السفيرة الأميركية إلى أن المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري السابق، لا يحب سياسات الإصلاح الاقتصادي لأنها تقلل من سيطرة الدولة المركزية. وتنتقد أبو المجد السرية الشديدة التي تغلفها المؤسسة العسكرية لأنشطتها الإقتصادية، وتدعو لخضوعها لرقابة البرلمان.

رقابة برلمانية

في المقابل، يرى الدكتور حلمي الجزار، القيادي في حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، أن هناك إتفاقًا بين القوى السياسية على ضرورة ألا يكون للجيش وضع مميز في الدستور الجديد، كي لا يتحول دولة داخل الدولة. وقال الجزار لـ "إيلاف" إن حزب الحرية والعدالة سبق أن طالب "بإخضاع ميزانية الجيش للرقابة البرلمانية، لكن بما يحفظ لها أسرارها ويحمي سريتها العسكرية".

ولفت الجزار إلى أن هذا المقترح يقضي بمناقشة ما يتعلق بالمؤسسة العسكرية من خلال لجنة الأمن القومي في البرلمان، مع قيادات الجيش، وليس في الجلسات العامة للمجلس، أو من خلال إنشاء مجلس يختص بمراقبة ومناقشة ما يتعلق بالجيش، "فالمصريون بعد الثورة لا يريدون أن تكون المؤسسة العسكرية دولة داخل الدولة، ولكنهم في الوقت نفسه لا يريدون إضعافها أو إفشاء أسرارها".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف