صحافيو تونس أضربوا عن العمل... وتهمة التسييس تلاحقهم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أضرب صحافيو تونس عن العمل طيلة يوم أمس حفاظًا على حرية التعبير، وتضامنت معهم هيئات عربية ودولية، لكن الجهات الحكومية استغلت هذا التضامن لتهاجمهم بتهمة تسييس تحركهم والقيام به "نكاية في الحكومة".
تونس: أعلن الصحافيون التونسيون إضرابًا عامًا عن العمل طيلة يوم أمس الاربعاء، احتجاجًا على تجاهل الحكومة مطالبهم. وأفادت مصادر في النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، التي دعت إلى الاضراب، لوكالة الأنباء التونسية الرسمية أن الإضراب نجح بنسبة 90 بالمئة.
في المقابل، عبرت رئاسة الحكومة التونسية عن استغرابها من ذهاب النقابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين إلى خيار الإضراب العام وعدم القبول بمواصلة الحوار ضمن الإطار التشاوري.
الرسالة وصلت
قال زياد الهاني، عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين التونسيين التي دعت إلى الاضراب، إن يوم أمس الاربعاء كان "يومًا تاريخيًا بالنسبة إلى الصحافيين التونسيين أولًا، وبالنسبة إلى مسار الثورة التونسية ثانيًا".
وفي تصريح خصّ به "إيلاف"، وصف الهاني الاضراب الذي نفذه الصحافيون التونسيون بالاضراب النوعيّ "لأنه لا يتعلق بالزيادة في الأجور أو بتحسين الظروف المادية أو الاجتماعية وإنما بالدفاع عن حرية الصحافة"، معتبرًا أن الحرية أهم مكسب تحقق للتونسيين بعد ثورة 14 كانون الثاني (يناير)، وقد باتت مهددة اليوم بالالتفاف بالعودة بالإعلام إلى المربع الدعائي، بسبب السياسات الحكومية الحالية.
وأوضح الهاني أن هذه الانتفاضة الصحافية "جاءت تأكيدًا على تمسكنا بحرية الاعلام، وبوجوب بقاء السلطة الرابعة مستقلة، وبأننا لن نسمح لعجلة الزمن بالعودة للوراء". وأضاف: "نعتقد أن الرسالة وصلت لكل من يهمه الأمر".
لا تركيع
من جانبها، جددت رئاسة الحكومة التونسية تأكيدها، في بيان اطلعت "إيلاف" على نسخة منه، على"الرغبة السياسيّة للائتلاف الحزبي الذي يشكل أوّل حكومة شرعيّة في تكريس مبادئ الحريّة والاستقلاليّة لقطاع الإعلام، تتجسّم مرّة أخرى بوضوح في قراره الصّادر يوم السبت 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2012 بتفعيل المرسومين 115 و116 المنظمين لقطاع الإعلام".
سمير ديلو، وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية والناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية، أكد في إفادته لـ"إيلاف" احترام الحكومة حقّ الاعلاميين في اختيار شكل التحرّك الذي يناسبهم، معبرًا عن أمله في تجاوز نقاط سوء التفاهم عبر الحوار.
وفي ردّه على اتهامات الصحافيين، قال ديلو: "هم أحرار في اتهام الحكومة كما يشاؤون، لكن الحكومة لا تسعى لتركيع الاعلام، فمن مصلحة البلاد أن يبقى الاعلام حرًا".
بصيص أمل
أما عبد الكريم الحيزاوي، الأستاذ في معهد الصحافة ورئيس المركز الإفريقي لتدريب الصحافيين والاتصاليين، اعتبر أن مبادرة الترويكا بتفعيل القوانين المنظمة لقطاع الاعلام جاءت متأخرة.
وقال الحيزاوي في مقابلة مع "إيلاف": "لقد أضعنا أشهرًا عدة في مسائل كان ممكنًا إتمامها منذ البداية، فالساحة الإعلامية تعيش حالة من الفوضى اليوم وليس فيها أي من مقومات العمل المهني".
لكن الحيزاوي يرى أن "تصحيح الخطأ أفضل دائمًا من التمادي فيه"، معبّرًا عن استبشاره بالخطوة التي اتخذها التحالف الحكومي، وعن أمله في عودة الحوار بين الحكومة وممثلي الصحافيين.
كما لا يخفي الحيزاوي أسفه لحصول هذا الاضراب "في زمن الثورة التي منحتنا حرية الصحافة وأخرجتنا من فترة الخوف وتكميم الأصوات". إلا أنه يعتبر أن "هناك بصيص أمل لا يزال قائمًا، بما أن المجتمع المدني وأبناء المهنة ومناضلي حقوق الانسان في حالة يقظة، حتى لا نعود إلى المربع السابق وإلى هيمنة السلطة، والتحركات التي يخوضها صحافيّو دار الصباح والاذاعة الوطنية تؤكد ذلك".
مساندة تثير الجدل
أكد الهاني لـ"إيلاف" أن إضراب الصحافيين " كان ناجحًا بكلّ المقاييس". وأضاف: "لقد تلقينا بيانات مساندة من منظمات محليّة ودولية، كاتحاد الصحافيين العرب والاتحاد الدولي للصحافيين، كما عبر العديد من المؤسسات الاعلامية العربية عن تضامنها معنا، وأضرب بعضها لمدة ساعة تضامنًا مع الصحافيين التونسيين في مصر والجزائر والأردن، كما كان هناك تجمعات احتجاجية أمام السفارات التونسية في الخارج لمساندة الصحافيين التونسيين".
من جهته، اعتبر الكاتب محمد ضيف الله أنه "من العار أن يعبر الصحافيون التونسيون عن سعادتهم بمساندة اتحاد الصحافيين العرب لهم، وهو الذي منح في العام 2009 درع الصحافيين العرب للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، على الرغم من أن تونس كانت ضمن آخر عشر دول في سلم حرية التعبير والصحافة".
كما قوبلت زيارة التضامن التي قام بها السفير الفرنسي إلى مقرّ النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين باستنكار شريحة واسعة من النشطاء التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعيّ، إذ اعتبروا ذلك "تدخلًا في الشؤون الداخلية التونسية".
حق يراد به باطل
تباينت المواقف تجاه إضراب الصحافيين، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن هذه الخطوة كانت ضرورية للدفاع عن حرية التعبير، يرى آخرون أن أهدافًا سياسية تقف وراء هذا التصعيد.
فقد قال محمد ضيف الله، الجامعي والكاتب في جريدة الحصاد التونسية، إنه "اضراب حقّ أريد به باطل". وأضاف في تصريح لـ"إيلاف" أن الثورة منحت الجميع حرية التعبير عن مواقفهم، والصحافيون جزء من المجتمع ويحقّ لهم الاضراب، لكن هناك ملاحظات كثيرة، فهذا الاضراب "جاء للتغطية على مسائل داخلية تهم البيت الداخلي للصحافيين، من بينها القائمة السوداء، ودفع الصحافيين نحو صراع مع طرف خارجيّ".
وتساءل ضيف الله عن سبب عدم إصدار المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين القائمة السوداء حتى الآن، على الرغم من مطالبة مؤتمر النقابة الأخير بذلك.
وإذ اعتبر أن هذا الاضراب "يسعى إلى اكتساب عذرية نضالية جديدة لعدد من الصحافيين"، قال إن أغلب المضربين اليوم "لم نسمع لهم صوتًا في العهد النوفمبريّ باستثناء قلّة قليلة لا تتجاوز العشرة أو أكثر بقليل، أما البقية فكانوا يعملون بحسب الطريقة التي سطّرها نظام الرئيس السابق، بينما يرفعون اليوم ألوية النضال".
ويؤكد ضيف الله أن كثيرين يساندون هذا الاضراب نكاية بالحكومة ليس إلا، ويرى أن نقابة الصحافيين التونسيين "هي الجبهة الأولى التي جمعت بين اليسار الانتهازيّ والتجمعيين".
اتهامات قديمة جديدة
يرد الهاني على الاتهامات التي ساقها ضيف الله قائلا: "اتهامنا بتسييس تحركاتنا النقابية ليس جديدًا، إذ واجهتنا به حكومات محمد الغنوشي ثم حكومة الباجي قايد السبسي ثم الحكومة الحالية، إلا أن الفرق يكمن في أن الاحتجاجات ضد الصحافيين في البداية اقتصرت على المسؤولين الحكوميين في حين هناك اليوم ميليشيات تختص في التهجم علينا".
من جانبه، رأى الجيزاوي أنه "لا وجود لخلاف حول شرعية أو نضالية النقابة الوطنية للصحافيين". ويضيف: "لا أتصور للحظة أن هذه النقابة التي تم الانقلاب عليها في عهد بن علي، واكتوت بنيران العهد السابق، تسعى للتغطية على الفاسدين في القطاع، أما محاسبة هؤلاء فتقع على عاتق عدة أطراف، وخصوصًا الحكومة، المسؤولة عن العدالة خلال الفترة الانتقالية ".
التعليقات
فلول النظام السابق
قاريء -هذا الاضراب "يسعى لاكتساب عذرية نضالية جديدة لعدد من الصحفيين"، قال إن أغلب المضربين اليوم "لم نسمع لهم صوتًا في العهد النوفمبريّ باستثناء قلّة قليلة لا تتجاوز العشرة أو أكثر بقليل، أما البقية فكانوا يعملون بحسب الطريقة التي سطّرها نظام الرئيس السابق، بينما يرفعون اليوم ألوية النضال".ويؤكد ضيف الله أن كثيرين يساندون هذا الاضراب نكاية بالحكومة ليس إلا، ويرى أن نقابة الصحفيين التونسيين "هي الجبهة الأولى التي جمعت بين اليسار الانتهازيّ والتجمعيين".