أخبار

المرحلة الانتقالية التونسية مثقلة بإرث الماضي وبثورة يحاول بعضهم حرفها عن مسارها

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بينما ينتظر التونسيون دستورهم الجديد، لا يزال التوتر السمة الأبرز للعلاقة بين مختلف مكونات المشهد السياسي في تونس، حتى بعد مرور موعد 23 تشرين الأول (أكتوبر) الذي اعتبره جزء من المعارضة تاريخ نهاية الشرعية الانتخابية.


تونس: رفعت التنسيقية العليا لأحزاب الائتلاف الحاكم في تونس مستوى التنسيق في اجتماعاتها، وسط انتقادات أحزاب معارضة ومكونات من المجتمع المدني، واتهامات بالمماطلة والفشل في إدارة المرحلة الانتقالية.
وكانت أحزاب الترويكا قد أعلنت في 14 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عن خارطة طريق، اقترحت خلالها موعدًا للانتخابات القادمة، وكشفت فيها عن توصل مكوناتها إلى الاتفاق حول طبيعة النظام السياسي القادم.
ولا تخفي جل الأحزاب التونسية رغبتها في الانخراط في حوار وطني يهدف إلى التخفيف من حدة التوتر الذي تشهده الساحة السياسية، إلا أن المولدي الرياحي، رئيس الكتلة النيابية لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، أكد في تصريحات خاصة لـ"إيلاف" حرص حزبه على أن لا تتواصل العلاقة المتوترة بين الحكومة والمعارضة.

لا ترغب في الحوار

أما طيب البكوش، الأمين العام لحركة نداء تونس الذي يقودها الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي، فاعتبر في إفادته لـ"إيلاف" أن مبادرة الإتحاد العام التونسي للشغل وحّدت مواقف الأحزاب السياسية المتواجدة خارج دائرة الحكم ومكونات المجتمع المدني. إلا أنه يرى أن غياب حزبي "النهضة" و"المؤتمر من أجل الجمهورية" المشاركين في الائتلاف الحكومي عن مؤتمر الحوار الوطني الذي تم تنظيمه في 16 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بسبب مشاركة حزبه، "دليل على انعدام الرغبة في الحوار".
وأكد البكوش أن حزبه "مع الحوار بين الجميع من دون إقصاء ومع نبذ العنف السياسي"، إلا أنه عبر عن أسفه لما اعتبره استعمالًا للعنف، بلغ منعطفًا خطيرًا تمثل بالاغتيالات السياسية التي انطلقت مع مقتل منسق حركة نداء تونس في تطاوين.
من جهته، وصف راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، في حديث أدلى به لصحيفة الشروق اليومية التونسية، وصف حركة نداء تونس بكونها "عنوانًا من عناوين التجمع المنحل والثورة المضادة"، مشددًا على أن لا وجود لأي أفق لتطور العلاقة بين الحزبين.

انتخابية أم توافقية؟

شكلت مسألة انتهاء شرعية المجلس الوطني التأسيسي بمناسبة مرور سنة على انتخابه أحد أبرز المواضيع الساخنة التي ساهمت في توتير المشهد السياسي في تونس منذ أسابيع. ويقول البكوش: "الشرعية الانتخابية انتهت، ونحن في مرحلة شرعية التوافق".
وكان قياديون في أحزاب الترويكا الحاكمة استنكروا في تصريحات سابقة الاراء الداعمة لانتهاء الشرعية الانتخابية. ويرى المحلل السياسي مصدق الجليدي أن الهدف من إثارة مسألة الشرعية في 23 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي كان "إرباك الحكومة الحالية، ومحاولة جرها إلى طلب شرعية توافقية بدل الشرعية الانتخابية التي حصلت عليها من الشعب، وعندئذ ستظهر الأحزاب المشكلة لها، والنهضة أساسًا، بمظهر العاجز عن تحمل المسؤولية، في هذه المرحلة وحتى بعد الانتخابات القادمة".
وتابع الجليدي: "نشهد هنا بوضوح تغليب الحسابات الانتخابية على المصلحة الوطنية، التي تتطلب استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية، لتأمين عملية انتقال ديمقراطي سليمة. طبعًا فشلت هذه الخطة، ونرجو أن تنصرف الجهود الآن إلى ما فيه نفع البلاد ".

التكنوقراط يحرفون الثورة عن مسارها

اعتبر البكوش، في حديثه لـ"إيلاف"، أن الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي قد فشلا في أداء المهام المناطة بهما، بعد سنة منذ أول انتخابات حرة عرفتها تونس. لكن الرياحي لاحظ أن "المعارضة تنتقد ولا تتحدث إلا عن السلبيات، من دون اقتراح بدائل اقتصادية أو اجتماعية، وكأننا في حملة انتخابية متواصلة".
أضاف: "نحن في حزب التكتل نسعى بكل جهودنا لإعادة الحوار، وتهدئة الأوضاع، والدفع نحو التوافق حول النصوص الأساسية التي ينبغي أن نعدها، في ما يتعلق بالهيئة العليا للانتخابات، وهيئة الاعلام السمعي البصري والهيئة الموقتة للقضاء العدلي والنظام السياسي الجديد".
وعلى الرغم من إقراره بأن "الحكومة تضم عناصر تنقصها الخبرة في إدارة الشأن العام، وهذا ما تسبب بارتكابها العديد من الأخطاء الفادحة داخليًا وخارجيًا"، يعتبر الجليدي أن "وجود إرادة سياسية للإصلاح تصطدم بعقبات عدة أفضل من التعويل على التكنوقراط في مرحلة مشحونة سياسيًا وثوريًا، لأن التكنوقراط قد يحرفون الثورة عن مقاصدها إلى جانب كونهم غير محايدين بل محافظين سياسيًا، على عكس ما يظنه كثير من الناس، ويخدمون موضوعيًا أجندات سابقة على الثورة ويحمون مصالح ذات الأطراف المتنفذة سابقًا".
ويرى الجليدي أن "تغيير الأوضاع يتطلب وقتًا، سواء مع هذه الحكومة أو مع أي حكومة أخرى، لكن يجب أخذ العبرة من الأخطاء وتوسيع نطاق الشورى وطنيًا ضمن ما يعرف بتكوين كتلة تاريخية تسير في اتجاه خط الثورة وأهدافها".

مسألة مفتعلة

تطالب أحزاب معارضة تونسية بإقالة وزيري الداخلية والعدل، اللذين ينتميان إلى حركة النهضة الاسلامية الحاكمة، وتعويضهما بشخصيتين مستقلتين.
ووصف البكوش هذا المطلب بـ"الإيجابي وغير التعجيزيّ"، مضيفًا: "لا يمكن تحقيق انتقال ديمقراطي سليم ولا اجراء انتخابات نزيهة من دون كفاءات وطنية محايدة على رأس وزارات السيادة".
لكن الائتلاف الحكومي يرفض هذه المطالب. ويقول الرياحي إن المطالبة بتحييد وزارات السيادة "مسألة مفتعلة"، معتبرًا أن المطالبة بتعيين مستقلين وتكنوقراط "كثيرًا ما تكون مغلوطة، والدليل على ذلك أنه في حكومة الباجي قائد السبسي كثيرًا ما تردد أن أعضاء الحكومة مستقلون وتكنوقراط، الآن نلاحظ أن الكثير منهم ينتمون إلى حزب نداء تونس".
ويرى الجليدي أن التحييد عملية مؤسسية وفنية وقانونية يمكن ضبطها بمعايير دقيقة ولا علاقة لها بالأشخاص الذين هم على رأس الوزارات. ويشرح قائلًا: "لن تكون اللجان التي ستشرف على سير الانتخابات، وعلى رأسها الهيئة العليا، متحزبة، والتراتيب ستكون محايدة وشفافة وموضوعية وتناقش علنًا في المجلس التأسيسي، ويمكن مع ذلك للقوى السياسية وقوى المجتمع المدني أن تراقب مجرى الأمور من البداية إلى النهاية، كما يمكن أيضا استدعاء مراقبين دوليين يشهد لهم بالكفاءة والنزاهة".

جدل المواعيد

حتى اللحظة، لا يعرف التونسيون تاريخ انتخاباتهم القادمة. وعلى الرغم من أن تنسيقية أحزاب الائتلاف الحاكم اقترحت تاريخ 23 حزيران (يونيو) القادم موعدًا للانتخابات التشريعية والرئاسية، فإن جدلًا واسعًا يحوم حول هذا التاريخ، خصوصًا أن أحزابا معارضة ومنظمات من المجتمع المدني اعتبرت مقترح الترويكا الحاكمة غير مناسب، ووصفته بـ"غير الواقعي".
وتتهم أحزاب معارضة الترويكا الحاكمة بالسعي إلى التمديد في الفترة الانتقالية الحالية، بغرض البقاء في الحكم، إلا أن الأحزاب الحاكمة تنفي هذه الاتهامات دائمًا.
ويقول البكوش لـ"إيلاف": "لا يمكن الحديث عن تاريخ الانتخابات القادمة في حال لم تتشكل الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات". ومن المقرر أن يناقش المجلس الوطني التأسيسي خلال الأسبوع الحالي في مشروع قانون الهيئة العليا للانتخابات في جلسة عامة.
من جهته، اعتبر الرياحي توصّل الترويكا إلى اتفاق حول الموعد المقترح للانتخابات بـ"الأمر الإيجابي"، مجددًا تأكيده أن "الأحزاب المكونة للائتلاف الحاكم حريصة على الانتهاء من صياغة الدستور والقوانين الأساسية المنظمة للمرحلة القادمة مع بداية السنة القادمة، أي بعد سنة منذ انطلاق الأشغال المتعلقة بالدستور، حتى تمرّ تونس إلى مرحلة الشرعية الدائمة ويتم الاهتمام بالإصلاحات الجوهرية".
إلا أن سامي بن سلامة، عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، قال في تصريح خصّ به "إيلاف" إن مقترح الترويكا حول إجراء انتخابات خلال شهر حزيران (يونيو) القادم "صعب التحقيق تقنيًا"، موضحًا أن "الانتخابات تتطلب تحضيرات عديدة ويسبقها تكوين الهيئة وتوفير مستلزماتها من موظفين وتجهيزات وإمكانيات مادية، وهو ما لم يتوفر بعد".

لا ضمان لحياد الإدارة

يرى بن سلامة أن مستوى مشروع القانون الخاص بهيئة الانتخابات، الذي يناقشه المجلس الوطني التأسيسي، "ضعيف قانونيًا وتقنيًا، وهو مشروع صالح لدولة مستقرة فيه تغليب للإدارة على الجانب السياسي في تشكيلة الهيئة"، معتبرًا أن "حياد الإدارة اليوم كما كان في السابق غير مضمون وحياد أعضاء الهيئة قابل للتشكيك نظرًا لاختيارهم حسب التزكية الحزبية".
ودعا بن سلامة إلى التمديد للهيئة الحالية لفترة زمنية كحل لإجراء انتخابات في غضون أشهر، معتبرًا أن تواصل عمل الهيئة الحالية كان سيمكّن تونس من انجاز انتخابات خلال 4 أو 5 أشهر.

لننته من الدستور!

يرى الرياحي أن المهم في الوقت الراهن هو توفير ظروف أفضل لهذه المرحلة من الانتقال الديمقراطي، موضحًا أن حزبه يدعو في إطار الحوارات الجارية في صلب الائتلاف الحكومي إلى اجراء تحوير وزاري، وتقليص حجم الفريق الحكومي، ودمج بعض الوزارات وفتح الباب أمام الراغبين من المعارضة والمجتمع المدني.
بدوره، يؤكد الجليدي وجوب الانصراف إلى الإعداد لمرحلة ما بعد الانتقال الديمقراطي، والعمل على إنهاء نشاط الحكومة الموقتة بطريقة مشروعة، بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في موعد لا يتجاوز شهر سبتمبر 2013.
ويشدد الجليدي على أن الأهم من هذا كله هو الانتهاء من كتابة الدستور وعدم السقوط في اجترار المشاكل نفسها ، كالعودة مثلًا لمناقشة الفصل الأول من الدستور الذي حظي بإجماع أغلب الأطياف السياسية داخل المجلس التأسيسي وخارجه.
ويواصل الجليدي: "المطلوب من الحكومة سد الفراغ الحكومي الحاصل وإجراء تعديلات على رأس الوزارات التي ثبت ضعف أدائها مع تغيير الفرق العاملة بها التي كانت من وراء ضعف الأداء، وإشاعة روح الأمن والأمان في النفوس والتعامل الحكيم مع مشكل التشدد السلفي والمحاصرة اللصيقة لظاهرة الإجرام والسرقة والتحكم الجيد في الأسعار والضغط عليها وتوسيع نطاق التشاور مع القوى الوطنية ومزيد تغليب روح الوفاق".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف