تجاذبات بين حركة النهضة واتحاد العمل التونسي

أدى الإضراب الأخير الذي دعا إليه "الإتحاد العام التونسي للشغل" وطال قطاع عمال وموظفي البلديات، إلى زيادة التوتر الحاصل منذ الإنتخابات التشريعية بين الإتحاد وحركة "النهضة" الحزب الحاكم، التي اتهمت المضربين باستغلال المطالب العمالية من اجل حسابات سياسية.

تونس: منذ صعود حكومة "الترويكا" إلى السلطة والأمور تبدو غير واضحة من جهة علاقتها مع "الإتحاد العام التونسي للشغل"، المسؤول الأول عن الطبقة العاملة في تونس، فقد رفض الإتحاد " هدنة المرزوقي " وأطلق العنان لعديد من القطاعات لكي تقوم بإضرابات الهدف منها "إرباك مسيرة الحكومة".

وهذا الرأي يقابله رأي آخر ينادي بأحقية "الإتحاد العام التونسي للشغل" في حماية وضمان حقوق العمال ودعوتهم إلى الإضراب كلما دعت الحاجة إلى ذلك.

وخارج هذا الإصطفاف، ينادي البعض بضرورة تغليب المصلحة العامة وتفهّم الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد بعد الثورة، وبالتالي التوقّف عن المطالب حتى تسترد تونس عافيتها.

ونفذ "إتحاد الشغل" إضراب عمال وموظفي البلدية في مختلف جهات الجمهورية لمدة أربعة أيام للمطالبة بتحقيق مطالب مادية وغيرها، ما ادى إلى تكدّس الأوساخ في كل مكان، كما توقفت المصالح في عدد كبير من البلديات.

وذلك دفع المواطنين ليعبروا عن سخطهم وعدم رضاهم، إذ قامت مجموعات من المواطنين لم يكشف عنها بتكديس الفضلات أمام عدد من مقرات "إتحاد الشغل" في عدد من الجهات، فاتهم الإتحاد حركة "النهضة" بالوقوف وراء هذه العمليات التي وصفت بأنها مثلت "عملا إجراميا جبانا وتماديا في الاعتداء المنظم على الإتحاد وتشويه مواقفه لدى الرأي العام الوطني".

و في المقابل، رفضت حركة النهضة ذلك الإتهام واعتبرت "الإتحاد شريكاً فاعلاً ومنظمة عريقة".

ومن جانبه، الأمين العام المساعد "للإتحاد العام التونسي للشغل" بلقاسم العياري أكد لـ"إيلاف" أنّ "إضراب أعوان البلدية، الذين يستحقون التقدير ويتعبون من أجل التنظيف، شرعي ومستحق وغير مسيّس مثلما يقول البعض".

وشدّد على أن "حق الإضراب مضمون في الدستور وفي كل القوانين الدولية والمحلية"، كاشفاً عن أن الإضراب سبقه "تفاوض حضره وزير الداخلية ولكن لم نجد أرضية للإتفاق فكان الإضراب شرعيا وكنا نأمل في ألا يحصل إضراب ولكن من حق هذه الشريحة أن تناضل من أجل حقوقها، وبالتالي فالإضراب ليس مسيّسا ."

وإن ابتعد بيان اتحاد الشغل عن الإتهام المباشر و لم يذكر حركة النهضة بالاسم فإن عددا من أعضاء المكتب التنفيذي "للإتحاد العام التونسي للشغل"، إتهموا حركة النهضة بأنها كانت وراء رمي الفضلات والأوساخ أمام مقرات الإتحاد إلى جانب حرق مقر أحد الإتحادات في الجهات.

وفي هذا السياق، قال بلقاسم العياري "نحن لم نذكر حركة النهضة بالإسم في بيان المكتب التنفيذي للإتحاد وتمت الإشارة إلى أطراف يمكن أن تكون من حركة النهضة".

إلا انه كشف عن معطيات من ممثلي "الإتحاد" في بعض الجهات "وبالتحديد في جهة فريانة من ولاية القصرين حيث تمت مداهمة المقر وتم حرق وثائق (...) والهياكل المحلية و الجهوية أفادتنا بأسماء من قام بهذه العمليات من الحرق ورمي الفضلات وهم سياسيون ينتمون إلى حركة النهضة".

وأضاف: "قبل حصول هذه العملية تم شن حملة شعواء على الإتحاد ورموزه على شبكة التواصل الإجتماعي فايسبوك من قبل عناصر من حركة النهضة ولدينا العناوين وأرقام السيارات".

ومن جهته، أكد الأمين العام" للإتحاد العام التونسي للشغل" حسين العباسي أن "الإتحاد سيقاضي المعتدين على مختلف مقراته وذلك بعد توفر معطيات وأسماء وأرقام اللوحات المنجمية لسيارات المعتدين، لتسهيل عملية القبض عليهم".

وحمّل العباسي حركة "النهضة" كل المسؤولية في ما حدث لمقرات الإتحاد، قائلا "لدينا المعطيات التي تؤكد أنّ حركة النهضة تقف وراء هذه الإعتداءات و عملية إلقاء الفضلات و الأوساخ أمام مقرات الإتحاد إلى جانب الحملة التي شنتها عبر صفحات الفايسبوك".

أما حركة "النهضة"، فأصدرت بيانا نفت فيه كل التهم التي كالها مسؤولو "إتحاد الشغل"، مؤكدة "أنّ الإتحاد يبقى شريكاً ومنظمة عريقة وبالتالي لا يمكن أن تقوم الحركة بمثل هذه الأعمال وكل ما قيل هو افتراء و تضليل".

وصرّح عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة العجمي الوريمي لـ"إيلاف" ان عمال البلدية في حاجة فعلاً إلى "المساعدة مثل غيرهم من الموظفين و العمال التونسيين، وهم لا دخل لهم في الجانب السياسي لهذه العملية".

إلا انه رأى ان "هناك من يريد أن يستغل إتحاد الشغل ليكون مطيّة لمعارك سياسية من خلال استخدام الإضرابات لأجندة سياسية".

ونفى الإتهامات الموجهة إلى حركة النهضة، مشدداَ على أنها "لا أساس لها من الصحة وهذه مغالطة حول حقيقة ما حصل لأننا تثبتنا وتأكدنا من أن لا علاقة لحركة النهضة بما حصل".

وأضاف العجمي الوريمي: "في الواقع نحن لسنا في قطيعة وصراع مع إتحاد الشغل الذي يعدّ مكسبا للجميع ونحن نحميه وقد سبق أن وقفنا إلى جانبه في كل الأزمات التي مر بها وإلى جانب الهياكل الشرعية ولكننا ضد محاولات تخريب و هدم الإتحاد من الداخل أو من الخارج".

ويؤكد الوريمي أن حكومة السبسي قد تركت عددا من الألغام للحكومة الجديدة والشرعية من خلال عديد الإتفاقيات وبالتالي فهي لم تكن وراء هذه التعقيدات والصعوبات و" مثلما ابتعدنا عن التجاذب الإيديولوجي فنحن الآن نبتعد عن التجاذب الفئوي الضيق الذي لا يخدم مصالح التونسيين".

وقال: "إن التشغيل أولوية وطنية تشارك فيها جميع الأطراف بما فيها الإستجابة إلى مطالب الشغالين المشروعة، كما أنّ الإتحاد شريك و الحكومة مسؤولة وبالتالي لا بد من المشاركة في الحل كما في التضحيات".

وحول التجاذبات والإتهامات بين "إتحاد الشغل" وحركة "النهضة" أكد رئيس تحرير صحيفة "الصباح" جمال الدين بوريقة لـ"إيلاف" ان الوضع الحالي للبلاد "لا يسمح بأي نوع من الصراعات و التجاذبات التي لن تفيد في شيء، فهناك العديد من الإنفلاتات و المشاكل و الصعوبات والوضع الإقتصادي صعب".

ورأى ان "إذا دخلت حركة النهضة في صراع مباشر مع إتحاد الشغل فالوضع يصبح خطيراَ، وهو ما يدعو الطرفين بغض النظر عن اتهام إتحاد الشغل لحركة النهضة إلى وضع المصلحة العامة للبلاد فوق كل اعتبار مع ضرورة توحيد الصفوف ونسيان الحسابات الضيقة ككسب الإتحاد للمصداقية أمام اتباعه أو حسابات انتخابية لأننا نخاف على تجربتنا الديمقراطية من الإنزلاق إذا تواصلت مثل هذه التجاذبات والإتهامات".

وأشار بوريقة إلى "الصراع الخفي في ظل اتهام حركة النهضة لبعض الأطراف باستعمال اتحاد الشغل كمطية سياسية من أجل ضرب الحركة وإفشال الحكومة".

وأضاف: "تونس في حاجة في الواقع إلى قوة أخرى لخلق التوازن مع حركة النهضة لأن التشرذم الذي حصل لأكثر من 119 حزبا خلال الإنتخابات الأخيرة أضاع أصوات عديد الناخبين لتجد حركة النهضة نفسها وحيدة بلا منافس والمرحلة الحالية تستدعي ضرورة خلق التوازن ولا أرى فيه سوء نيّة حتى لا تجنح أي سلطة إلى الدكتاتورية عندما تجد نفسها من دون منافس".

واعتبر ان "حركة النهضة ترى نفسها مستهدفة من القوى اليسارية التي يمثلها إتحاد الشغل وقد حدثت بعض المشاحنات في البداية بعد الإنتخابات بين حزب المؤتمر من أجل الجمهورية واتحاد الشغل".

من جهة ثانية، أدان الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة "النهضة الإعتداء" على مقرات اتحاد الشغل و اعتبرها "سلوكا همجيا لا يمكن للحركة أن تتورط فيه"، مضيفاً ان "هناك أطرافًا تدفع للتصادم بين المنظمة الشغيلة والحركة".

وفي ظل إضراب عمال البلدية، نظمت مجموعة كبيرة من الشبان المتطوعين و المنتسبين إلى حركة النهضة في مدينة سيدي بوزيد حملة تطوعية واسعة عمدوا خلالها إلى تنظيف الشوارع و جمع الفضلات المكدسة وهو ما لقي استحسان المواطنين الذين انضم عدد منهم إلى هذه الحملة.