أخبار

عقوبة الإعدام في تونس بين الدعوة إلى الإلغاء والمطالبة بالإبقاء

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يشتعل الجدل في تونس حول حكم الإعدام، فبينما يدعو البعض إلى ضرورة إلغاء هذه العقوبة، يشدد آخرون على ضرورة المحافظة عليها من أجل ردع المجرمين، يأتي ذلك على خلفية مقتل طفل والتمثيل بجثته من قبل اقرب الناس إليه، وهي عمته التي ساعدت خطيبها انتقاماً من اخيها الذي رفض زيجتها.

جدل في تونس حول تنفيذ حكم الإعدام

تونس: الجريمة التي وقعت في مدينة منزل بورقيبة (50 كلم شمال العاصمة تونس) أذهلت الرأي العام الذي اهتزّ لقتل الطفل ربيع الذي لم يتجاوز عامه الحادي عشر بطريقة بشعة من طرف أقرب الناس إليه، وهي عمته التي ساعدت خطيبها انتقاما من أخيها (أبو ربيع) الذي رفض زواجهما. الانتقام كان مرعبا والتمثيل بجثة الطفل البريء وتقطيعها جعلت الرأي العام الذي تابع مختلف أطوار القضية في برنامج "المسامح كريم" على قناة حنبعل يطالب بإعدام المجرمين، في وقت كان رئيس الجمهورية الدكتور مصنف المرزوقي قد عفا عن 122 من المحكوم عليهم بالإعدام أخيرًا لأسباب إنسانية وحقوقية.

وفي ضوء ما حصل للطفل البريء ربيع ارتفع الجدل داخل الأوساط الحقوقية والمدنية، بين شق مطالب بالإبقاء على عقوبة الإعدام وتنفيذها في كل من يستحق ذلك نتيجة الجرم الشنيع الذي ارتكبه في حق المجتمع دون رحمة أو شفقة وشق آخر داع إلى إلغاء هذه العقوبة تحت ضغط المنظمات الدولية والجمعيات الحقوقية.

عقوبة الإعدام في تونس

الأستاذ علي فارس تحدث لـ"إيلاف" عن عقوبة الإعدام في تونس من وجهة نظر القانون التونسي، فقال: "حتى يوم 7 يوليو/تموز 2010 بلغ عدد أحكام الإعدام الباتة تقريبا 97 حكما منها ثلاثة أحكام في حق ثلاث نساء، وقد حدثت هذه الجرائم في العشرين سنة الأخيرة وانطلاقا من عام 1990، وتتمثل تلك الجرائم في القتل مع سابق الإصرار والترصد والاغتصاب وهتك العرض والسرقة باستعمال العنف التي تنتهي بجريمة قتل، وآخر مرة تم تنفيذ حكم الإعدام في تونس كان في عام 1991 في حق سفاح نابل ناصر الدمرجي".

ويعاقب القانون التونسي على 21 جريمة بالإعدام تتعلق بأمن الدولة الداخلي والخارجي والاعتداء على موظف عمومي والاغتصاب المصاحب باستعمال العنف والاعتداء بالعنف المرافق باستعمال السلاح أو التهديد به على قاض أثناء الجلسة، والخيانة المرتكبة من طرف العسكريين، والاستيلاء على سفينة بالعنف من كل ربان أو ضابط وتسليم السفينة إلى العدو من طرف أي عضو طاقم سفينة، وتخريب السكة الحديدية أو إحداث خلل بها أو وضع أشياء أو القيام بأي فعل من شأنه إخراج الارتال عن السكة، وتسبب ذلك بوفاة شخص...كما تنفذ أحكام الإعدام إما شنقا بالحبل (الفصل 7 مجلة جزائية) أو رميا بالرصاص (الفصل 45 مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية) ومن هذه الجرائم جريمة واحدة تتطابق مع الشريعة الإسلامية وهي جريمة القتل العمد.

القصاص من السفاحين

أم ربيع وفي برنامج تلفزي وفي صوتها حرقة وألم قالت: "لن أعرف طعما للحياة حتى أرى قاتل ابني يعدم أمام عينيّ.." .

أما محمد الصغير فأوضح لـ"إيلاف" أنّ الشرع يجيز القصاص، وقال: "هناك الإعدام الشرعي الذي يجيز القصاص فمن قتل نفسا متعمدا ظلما وعدوانا يحق عليه القصاص وفق شرع الله ذلك أن قتل النفس حرام والإعدام الشرعي يكون نتيجة قتل نفس بشرية ويعتبر القتل من أكبر المحرمات في شرع الله والإنسان لا يثأر لنفسه ولا يأخذ حقه بيده و القضاء هو الذي يقوم بتنفيذ الحكم".

ويوجد كذلك إعدام غير شرعي وهو يتمثل بقتل النفس بغير حق من ذلك الانتحار الذي يعتبر من أكبر الجرائم والنفس هي من حق الله وحده والاعتداء على هذه النفس هو اعتداء على خالقها الذي كرمها ومنحها المكانة الهامة التي بها جديرة. (من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً).

وبالتالي لا يجوز للقانون المدني أن يدخل تغييرا على الحكم الشرعي وإبدال حكم عقوبة الإعدام بالسجن مدى الحياة الذي فيه تجاوز واضح للنص القرآني، كما أنّ عقوبة الإعدام وتنفيذها في من يستحقها من المجرمين والمفسدين في الأرض يمكن أن تقلص من جرائم قتل الأنفس عمدا وظلما.

الباحث صالح التيراوي في مداخلة حول "العقاب في الإسلام، النظم العقابية في الإسلام" في ندوة نظمت أخيرًا حول إلغاء عقوبة الإعدام أكد فيها أنّ: "هذه النظم تختلف باختلاف أنواع الجرائم التي ترتكب ومقصد الشريعة من العقاب هو حماية الجسد عوضا من شيطنته وتعذيبه وقمعه، كما أنّ العمليات العقابية لا تأتي بالضرورة بنتيجة ردعية قاطعة".

وأضاف التيراوي: "الباحث في هذا المجال عادة ما ينتهي إلى عكس ما هو سائد في وعي الناس والسلطة الحاكمة ولعل في بحث الرسول صلى الله عليه و سلم في أكثر من مناسبة عن مخرج لمجرمين فيه من الدلالات ما يعكس ليونة الشريعة في تعاملها مع القاتل وأنّ العدالة الاجتماعية المرجوة من القتل أمر لا يمكن أن يكون مضمونا بشكل مطلق".

أستاذ علم الإجتماع السياسي د.سالم الأبيض وفي حديثه لـ"إيلاف" عن موضوع الإعدام أشار إلى الإعدامات السياسية مقارنا بالتنفيذ الفوري في حق المحكوم عليهم في الإعدامات السياسية مثلما حدث في الفترة البورقيبية التي شهدت إعدام 90 من الخصوم السياسيين لبورقيبة على الرغم من أنّ تلك الإعدامات كانت تتم دون محاكمات وينفّذ حكمها بدم بارد وذهب ضحيتها المئات وربما الآلاف".

وأضاف د.الأبيض: "أنّ كل الأحكام نفذت مباشرة ولم يتركوا لهم فرصة لإمكانية العفو أو التقليل من الحكم ولم تكتف السلطة التنفيذية بالإعدام وإنّما قامت بطمس من خلال إخفاء جثث جميع المعدمين الذين لا نعرف عنهم شيئا إلى الآن ولم تقدم رفاتهم إلى ذويهم الذين يطالبون بها في حين يقع نوع من غض الطرف والسكوت عن عملية التنفيذ، الذي يظهر كأنه عفوي بينما هو في الواقع مخطّط له من قبل السلطة التنفيذية التي تتعامل مع المجرمين الذين ارتكبوا جرائم قتل وصدر في حقهم حكم بالإعدام وذلك حتى يغفل الرأي العام عن تلك القضايا حتى يأتي الوقت الذي يقوم فيه رجل السياسة بإصدار أحكام عفو جديدة يتم بموجبها تمتيع السجين المحكوم بالإعدام بالحكم المؤبد في مرحلة أولى قبل أن يتم إطلاق سراحه في مناسبات وطنية كما حدث في الفترة الأخيرة".

المواطن سمير عبداللاوي يقول في حديث لـ"إيلاف": "علينا أن نسأل كل مطالب بإلغاء عقوبة الإعدام من المنظمات الحقوقية وغيرها من الشخصيات الوطنية عن تصرفه فيما كان الطفل ربيع ابنه ووجد نفسه مباشرة أمام الجناة المجرمين، وعن رأيه في المجرم الذي اغتصب أمك أو زوجتك أو ابنتك، ماذا سيفعل وهل سيطالب وقتها بالعفو عن المجرم الذي قتل ابنه (ربيع) ومثّل بجثته .. كل الأديان السماوية تحث على القصاص (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) فالمجرم السفاح والقاتل لا بد أن يقتل مثلما قتل ولا يمكن الدفاع عن المجرمين بإلغاء عقوبة الإعدام عن كل المجرمين ..".

أما الأستاذ فارس فهو يرى: "قد يكون العمل هاما على التخفيض من عدد الفصول الجزائية التي تعتمد عليها أحكام عقوبة الإعدام وذلك أفضل من إلغائها التام لأنّ المجتمع التونسي المسلم لا يمكن أن يقبل بإلغاء عقوبة الإعدام وقد تكون للإلغاء تبعات أخرى".

الإعدام جريمة ضد الإنسانية

منسق "الائتلاف الوطني لإلغاء عقوبة الإعدام" محمد الحبيب مرسيط وفي حديثه لـ"إيلاف" أفاد: "نضالنا من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في تونس سيتواصل، وذلك من خلال الضغط على الحكومة، ونخص بالذكر وزراء العدل وحقوق الإنسان والخارجية وكذلك المجلس الوطني التأسيسي حتى نحقق هدفنا بالإلغاء النهائي لهذه العقوبة".

وأضاف مرسيط، منسق الائتلاف الذي تأسس في 14 حزيران جوان 2007 ويضم في عضويته 15 منظمة وجمعية تهتم بالشأن الإنساني. وتتمثل مهمته في القيام بأبحاث وتحركات من أجل إلغاء عقوبة الإعدام ويهدف إلى تشكيل حركة مواطنة تناضل من أجل إلغاء العقوبة: "القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية بمناسبة الذكرى الأولى للثورة حيث تم الحطّ من عقوبة الإعدام في حق 122 سجينًا إلى السجن المؤبد نعتبره خطوة هامة من أجل إصدار قانون يلغي بصفة نهائية عقوبة الإعدام في تونس.". وقد نظم الإئتلاف عديد التحركات والندوات ويريد أن يتجاوز النخب السياسية والفكرية ليصل إلى المواطن من أجل توعيته بضرورة إلغاء هذه العقوبة التي تشكل تعديا سافرا على النفس البشرية.".

الإئتلاف الوطني لإلغاء عقوبة الإعدام كان طالب الأحزاب السياسية إبان الحملة الإنتخابية الأخيرة للمجلس الوطني التأسيسي بضرورة التنصيص على مبدأ إلغاء عقوبة الإعدام في الدستور التونسي وإن تجاوبت مع هذا المطلب عديد الأحزاب فإن أحزابا أخرى لم تصدع برأيها صراحة.

من ناحيته أكد القاضي مختار اليحياوي أن عقوبة الإعدام لا تقلص من الجريمة قائلا: "الشخص الذي يرتكب جريمة وخاصة منها الجرائم التي تتطلب عقوبة الإعدام ليس إنسانا سويا والحل يكمن في الإحاطة به وحمايته ورعايته ويكون من الضروري عزل مرتكبي جرائم اغتصاب الأطفال وقتلهم لأن نسبة كبيرة من المجرمين يعيدون ارتكاب جرائم مشابهة بعد إطلاق سراحهم، وبالتالي يجب مراجعة قوانين العقوبات من خلال النظر لكل مرتكب جريمة بصفة شخصية وبعيدا عن محاسبة الجميع سواسية".

وأضاف القاضي اليحياوي: "يمكن أن يتضمن حكم الإعدام في قضية ما نسبة خطأ ولو بسيطة، وبالتالي يمكن أن تكون نتيجة لإزهاق روح بريئة، وبالتالي يجب إلغاء عقوبة الإعدام من خلال مراجعة القوانين بحيث لا يتمتع المحكوم عليه بالإعدام بالعفو مع الإبقاء على حكم المؤبد الذي يكون ضروريا في عدد من الجرائم".

من جانبه أشار الأستاذ فتحي الهمامي عضو مكتب الرابطة التونسية لحقوق الإنسان في مداخلة حول "مستقبل عقوبة الإعدام في تونس "إلى أنّ مطالبة الرابطة بإلغاء عقوبة الإعدام في تونس لا يقضي ضرورة بعدم تسليط أي عقوبة على مجرم ارتكب جريمة، فأخلاقيا يجب إيقاف تنفيذ هذه العقوبة وإلغاؤها تماما من القانون التونسي".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الإعدام
آلاء -

يجب إعدام كل الضباع البشرية دون رحمة أو شفقة .. ما ذنب الطفل ;شقيق المجرمة محق من منعها الزواج يا ترى ماذا ستفعل بأطفالها لو تزوجت وأنجبت ,, يكفي مجتمعاتنا العربيه معوقون يجب التخلص منهاومن الوحش عشيقها ,,

كان هربت،،،زنت...
حر -

لماذا قتلت البريء ... اذا ارادت الزواج ... فلتفعل ما تشاء حتى لو تهرب وتزني لكن تعمل كبيرة بقتل الطفل لعدم رضى آخيها شيء في غاية الغرابة.....

مو بشر
هيفاء -

هم ليسوا بشرا اصلا .. هم ذئاب بشريه ..لو كان الطفل اخي الصغير لما انتظرت ان يتناقش الناس بامر القصاص ... كنت اخذت الحق بيدي ...استغرب كيف هالناس تنام ... !!!!... واستغرب اكثر لما الناس تتكلم عن بشاعة الاعدام ولا تتطرق لبشاعه الي صار بطفل صغير ... عجبا !!!

عقاب الكل
Rano -

يجب أولاً عقاب الأخ. فلا بد هي قتل الطفل بعد أن هددها أخوها بالقتل أو الحبس أو ضربها. لا يمكن أن تقتل ما لم تتعرض لضغط شديد ومن ثم يتم محاكمتها على وخطيبها على الجريمة. نحن نعاطف مع النتبجة ولكن علينا أن نفكر في الأسباب.