الهاني: تونس تعيش فوضى على مستوى ديبلوماسيّتها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يقول رئيس حزب المجد التونسي عبد الوهاب الهاني في حوار مع إيلاف إنّ للحريات الشخصية حدوداً، مؤكداً على وجوب التنصيص في الدستور المقبل على الحالات السالبة للحرية لأن هناك حقوقاً متأصلة في الذات البشرية التي لا يمكن سلبها. ويهاجم الهاني الديبلوماسية التونسية بعد الثورة، ووصفها بالفوضوية.
تونس: عبد الوهاب الهاني، رئيس حزب المجد التونسي، هو أحد اللاجئين التونسيين، غادر البلاد العام 1991 في اتجاه الجزائر، فالمغرب ثم اسبانيا ومنها إلى فرنسا. وبعد عشرين عاماً من الغربة عاد إلى تونس من جديد بعد ثورة الحرية والكرامة.
ويقول عبد الوهاب الهاني في حديثه عن الديبلوماسية التونسية في حوار مع "إيلاف"، "نحن نعيش فوضى ديبلوماسية لم نعشها سابقاً".
وأشار رئيس حزب المجد إلى حدود الحريات الشخصية وقال:" يجب التنصيص في الدستور على الحالات السالبة للحرية لأن هناك حقوقاً متأصلة في الذات البشرية التي لا يمكن سلبها بأي حال من الأحوال"، أما عن مسألة النقاب فيرى الهاني أنها" تعفنت بفعل تباطؤ السلطة في اتخاذ القرار الجريء".
كما تحدث عن الائتلافات والتقاربات الحزبية والتخوف من الحركات الإسلامية وأداء قطاع الإعلام واعتماد الشريعة في صياغة الدستور.
وفي ما يلي نصّ الحوار كاملاً
انتقادات من هنا وهناك لعمل حكومة الجبالي، فما هو تقييمكم لأداء هذه الحكومة بعد نحو 75 يوماً من عملها ؟
في العموم يبقى أداء هذه الحكومة دون المطلوب لأسباب متعددة، ومنها طبيعة الوضع الصعب الذي تمر به البلاد ثم غياب خريطة طريق للحكومة ودليلنا على ذلك أننا مازلنا ننظر إلى حد الآن في البرنامج الذي أعدتهكنظام تكميلي للموازنة للعام 2012،وهيتعاني أيضاًعلى مستوى تركيبتها من مرض عضال يتمثل في التعيين بالمكافآت وليس بالكفاءات فتم تعيين الأقارب والمقربين وهذا ما جعل الحكومة سجينة هذه العلاقات، فبعض الوزراء قاموا بدورهم على أحسن ما يرام كوزير النقل والبعض الآخر حتى وإن كانت تعوزهم الخبرة حيث برهنوا على ارادة سياسية وحرص على الاستماع وتذليل الصعوبات و بناء الوفاق مع منظوريهم، ولكن للأسف فإن الحكومة في مجملها دخلت في علاقة صدامية مع اتحاد الشغل والنخبة والإعلام، وهذا ما أعاق عملها لأنها في حاجة إلى أن تحوز على الثقة الكاملة من خارج الترويكا وداخل فئات الشعب.
كيف تقيّمون الديبلوماسية التونسية من خلال أداء وزارة الخارجية التي شهدت انتقاداً كبيراً ؟
أداء متعثر وفوضوي وانفعالي، ينمّ عن قلة خبرة وغياب لكل تقاليد الحوار والتشاور داخل الوزارة وخارجها، وأضرب على ذلك أمثلة ثلاثة.
الملف السوري الذي تمثل في انفعالية كبيرة في أخذ القرار بغياب تام للتشاور ثم بلخبطة من خلال طرد سفير غير موجود ثم احتضان مؤتمر لأصدقاء سوريا تحول إلى مؤتمر للمتآمرين على سوريا، ثم اعلان الرئيس الموقت عن استعداد تونس لاحتضان بشار الأسد في تونس، حقناً للدماء وهنا تبدو اللخبطة الحقيقية، وإذا كنا نريد فعلاً الوساطة وحقن الدماء فلا نطرد السفير لأنه بمثابة إعلان حرب.
كان لا بد من النقاش حول هذا الموضوع داخل المجلس الوطني التأسيسي أو على الأقل داخل مجلس الوزراء على الرغم من أنه من صلاحيات رئيس الدولة.
كما أن الملف المغاربي تميز بالفوضى والتعثر والانفعالية وقلة الإعداد،وأن ينتقل رئيس الدولة إلى ليبيا قبل الجزائر هو خطأ فادح، وأن يدلي الرئيس الموقت بتصريحات غير لائقة ضد الشقيقة الجزائر في ليبيا هو خطأ ديبلوماسي فادح، هي فوضى حقيقية ثم يحدثوننا عن وزير خارجية ذي كفاءة و خبرة، فأين هذه الكفاءة وهذه الخبرة ؟
يرى كثيرون أنّ قطاع الإعلام لم يرتقِ إلى مستوى يجعله يعكس طموحات الشعب وقد انساق، لذلك هو محل انتقاد متواصل، ما تعليقكم؟
الإعلام يتلمس طريقه بعد الثورة، وهنالك مجهودات جبارة داخل الهيئة العليا لإصلاح الإعلام أو داخل النقابة أو داخل العائلة الإعلامية عموماً ولكن للأسف لاحظنا تواصل أمراض التجاذب الإيديولوجي في القنوات الخاصة والإعلام المرئي عموماً، حيث اختارت قناة نسمة اليسار واختارت قناة حنبعل حركة النهضة.
وقد لاحظنا توتراً ورغم ذلك علينا أن نترك العائلة الإعلامية تقوم بتطهير ما بداخلها وتطوير أدائها حتى يواكب نسق الثورة ويعمل على تحقيق مطالبها والانتقال الديموقراطي المطلوب داخل القطاع الإعلامي، ولكنني أنبه من هذا التجاذب، وخاصة هذه الحالة الصدامية بين الترويكا وحركة النهضة والإعلام، لأنه لا يخدم لا الإعلام و لا حركة النهضة ولا حكومة الترويكا بل يضر بمستقبل البلاد.
كيف يبدو لكم التقارب والائتلافات التي تحدث بين مختلف الأحزاب من اليمين إلى اليسار استعداداً للاستحقاقات السياسية المقبلة؟
هي تقاربات إيجابية في عمومها تسهل كثيراً على الناخب من خلال تقليص عدد الأحزاب، ولكن أعتقد أنه يجب أن يتم هذا الأمر على قاعدة سليمة ولا نريد تحالفات انتخابية لأن الوقتلا يزال طويلاً ونحن نريد جبهات حقيقية سياسية فيها التقاء على المستويين الفكري والسياسي.
وأن نغشّ التونسيين ونقدم لهم حلولاً غير جادة ولا تتميز بالديمومة بل عمرها عمر الحلول الموقتة التي تهدف إلى مصادمة أو مواجهة النهضة.
المطلوب هو بناء تحالفات من أجل المستقبل، ونحن في حزب المجد حريصون من أجل القيام بالمشاورات اللازمة وتنظيم الحوار اللازم من أجل بناء جبهة وسطية يكون الهدف منها موقع القدم في الانتخابات المقبلة وتمثل بديلاً حقيقياً للترويكا والتجاذبات الحالية ولسنا متسرعين.
ما نعلمه هو وجود مشروع ائتلافي لحزب المجدلا يزال في طور البناء مع عدد من الأحزاب؟
فعلاً، لدينا حوارات متقدمة جداً مع كتلة الأستاذ عبد الفتاح مورو وحزب الإصلاح والتنمية بقيادة الأستاذ محمد القوماني وحركة مواطنة، وكذلك كتلة الإثني عشر حزباً، التي تحالفنا وتعاونّا معها في ملتقى الأحزاب الوسطية الذي أنشأناه في شهر ابريل الماضي، ولكن للأسف لم تتواصل التجربة نظراً للقانون الانتخابي الذي دفع باتجاه التشتت ولغياب النضج و تطوير الحوارات داخل هذه الأحزاب.
هناك الآن مفاوضات مع أكثر من خمسة عشر حزباً وشخصيات وطنية وقوائم مستقلة شاركت في الانتخابات الماضية، كما تحاورنا أيضاً مع العديد منالمناضلين في حزبي التكتل والمؤتمر، وحتى من المناضلين في حركة النهضة ينتمون إلى التيار الليبرالي وهم غير راضين على أداء الحكومة الحالية.
البعض يتخوف من التيارات الإسلامية والحركات السلفية، فكيف ينظر حزب المجد إلى هذه المسألة ؟
هو تخوف مشروع نظراً لما تشهده الساحة في المدة الأخيرة من تجاذبات وخاصة العنف سواء أكان لفظياً أو مادياً كان آخرها تدنيس العلم المفدى في كلية الآداب في منوبة وما رافقه من عنف، وتغييره برايات أخرى ورفعه في العديد منالمساجد ولاحظنا هذا الخطاب التخويني والتكفيري لدى شرائح من الشباب السلفي المتدين، ولكن نعتقد أنّ تنامي ظاهرة التشدد الديني وصل أقصاه يوم الأحد إلى اغتيال الشيخ لطفي القلال، أحد شيوخ حركة الدعوة والتبليغ في تونس، وذلك على خلفية مواقف دينية.
المخاوف في مجملها مشروعة، ولكن أن يصل الأمر إلى تهييج المشاعر سواء أكانت دينية أو لائكية باتجاه تحريض المواطنين بعضهم ضدّ البعض الآخر، فهذا أمر غير مقبول لأننا في حاجة إلى التوافق والحوار والتآخي خاصة بينجميع التونسيين لأن هذه العبارة غابت في المدة الأخيرة.
الجدل قائم هذه الأيام حول اعتماد الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً للتشريع عند صياغة الدستور، ما تعليقكم؟
أعتقد بوجود ثلاثة مستويات، المستوى الأول يتمثل في أنه ليس من مشمولات الدستور أن يحدد مصادر التشريع فالدستور يحدد الهوية العامة للبلاد في الديباجة ثم يعين الحقوق والواجبات في بابه الأول، وثالثاً يحدد طبيعة النظام السياسي وعلاقة المؤسسات والسلطات خاصة وضمان الفصل بينها وينظم المؤسسات الرقابية للدولة لتفادي الاستبداد وحتى يضمن الاستقرار.
في هذا الإطار، نعتقد أنه في الإمكان الإبقاء في الباب الأول للدستور على الوفاق الذي حصل في دستور غرة جوان 1959 الذي حصل فيه وفاق تاريخي في الديباجة، إذ أعلن تمسك الشعب التونسي بتعاليم الإسلام وهذه الكلمة في اعتقادي ترضي من يدافع عن التنصيص على الشريعة الإسلامية في الدستور وترضي من يخاف من التنصيص على اعتبار أنها قد تكون مدخلاً للتأويل.
حزب المجد يرى أنه علينا أن نشير إلى الإسلام وليس إلى الشريعة، ونطالب أعضاء المجلس التأسيسي أن يبعدوا صياغة الدستور على المزايدات السياسية التي تدخل في إطار حملة انتخابية سابقة لأوانها، وهذا ما نلاحظه من الشقين الإسلامي والعلماني.
مسألة النقاب لم تجد حلاً منذ أشهر في جامعة منوبة، ما المخرج الذي يراه حزب المجد ؟
نعتقد أنها كارثة وطامة كبرى لحقت بالجامعة التونسية، والعقل التونسي وقيمة الشهادة التونسية، إذ إننا أهدينا أربعة أشهر من الجهل إلى أعداء الأمة بعد توقف الدروس طيلة هذه الفترة، وهذه الأزمة في الواقع تعفنت بفعل تباطؤ السلطة سواء حكومة الباجي قائد السبسي حيث بدأت الأزمة أو حكومة الجبالي، في اتخاذ القرار الجريء والضروري في الوقت المناسب.
هذا التباطؤ ساهم في هذا التشدد في المواقف من الأطراف الثلاثة، بينهمالطلبة المتشددون، في قضية تتعلق بالحرية.وهنا أريد أن أبيّن أن الحرية الشخصية يجب أن تكون مسؤولة وتتمثل في الحريات الأكاديمية، فالمنقبة يجب أن تحترم قيمة الشهادة العلمية وهذا يقودنا إلى الحديث عن نقطة مهمة فنحن في حاجة إلى فقه يحدد الأولويات والمقاصد وحفظ النفس مقدماً على حفظ الدين ثم حفظ العقل وحفظ العرض و حفظ المال.
وعلى المسؤولية والمقترحات نقدم أربعة مقترحات، وهي ضرورة بعث موفق جامعي في كل مؤسسة جامعية ليعمل على حلّ الإشكاليات الحاصلة بطريقة سلمية إلى جانب تنظيم اجتماع طارئ يجمع الوزارة والعميد ورئيس الجامعة مع مختلف النقابات للخروج بميثاق ينظم العلاقات داخل الفضاء الجامعي ثم الابتعاد عن المزايدة السياسية وإن لم يتم هذا، فندعو رئيس الحكومة لاتخاذ القرار الجريء حتى لا تتهدد الجامعة بسنة بيضاء.
وهل هناك حدود للحريات الشخصية التي يمكن تضمينها في الدستور ؟
طبعا هناك حدود، فكل حرية لها حدّ عندما تمس من حريات الآخرين حيث اقترن مفهوم الحقوق بمفهوم الحريات ولكن التقييد ينبغي أن يكون واضحاً ومستجيباً للمقاييس والمعايير الدولية التي تضمّنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه بلادنا والمقيدات هي النظام العام و السلم الاجتماعية والتحريض على الكراهية.
فينبغي أن لا تصل الحرية إلى تحريض المواطنين بعضهم على بعض بالقتل والبغضاء، وأن لا تمس من السلم الاجتماعية ولا من النظام العام ولا تتحول إلى فوضى. هذا التقييد يجب أن يكون واضحاً لا لبس فيه وأن يمتنع المشرع الجديد على إضافة هذه الجملة المقيتة "حسب ما يضبطه القانون" فقد كانت في الفصل 7 من الدستور السابق سيفاً مسلطاً على الحقوق والحريات، كما يمكن التنصيص على أن مجموعة من الحقوق لا يمكن المساس بها في أي حال من الأحوال ، الحق في الحياة و في السلامة الجسدية وفي مجموعة من الحقوق الأخرى التي نص عليها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي لم تتحفظ عليها بلادنا.
في الجانب الثالث، يجب التنصيص على الحالات السالبة للحرية لأن هناك حقوقاً متأصلة في الذات البشرية التي لا يمكن سلبها بأي حال من الأحوال سواء أكانت حالة طوارئ أو استثنائية عموماً كالحرب الأهلية، مع هذه التحديدات بطريقة واضحة في نص الدستور يمكن أن نمنع الانحراف الذي كانت تمارسه السلطة السابقة باسم القانون الذي لم يكن دستورياً.