سقوط نظام القذافي يحيي فكرة تأسيس دولة الأزواد شمال مالي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يذهب متابعون إلى أن من تداعيات انهيار نظام معمّر القذافي في ليبيا هو التأسيس لميلاد دولة إثنية جديدة لـ "الطوارق" في شمال مالي، بعد إعلان "الأزواد" تمردهم على السلطات المالية، ويعتبر البعض أن سقوط قاعدة "أمشاش"، إحدى أكبر القواعد العسكرية للجيش النظامي المالي، في منطقة الشمال، هي إحدى المراحل البارزة للصراع القائم بين الأزواد ومالي منذ نحو 50 سنة من الآن، وتسببت التطورات الميدانية الأخيرة بسقوط العشرات من القتلى، ونزوح نحو 150 ألفًا إلى دول الجوار، من بينها الجزائر، هروبًا من لهيب الحرب وتداعياتها.
بودهان ياسين: حركة التمرد يقود لواءها ما يطلق عليه بحركة تحرير الأزواد، والتي انطلقت مسيرتها التحررية في 1963، وتمت إعادة تأسيسها من جديد في 2011، تعتبر، حسب ما جاء في بيانها التأسيسي، الحل السلمي والسياسي وسيلة مثلى لحل النزاع القائم بين الأزواد ومالي منذ أكثر من 50 سنة خلت، لكن الحركة تشير إلى أنها تحتفظ بحقها في كل الوسائل المشروعة للنضال من أجل تحقيق حق تقرير المصير.
ويبدو أن المتغيرات الجديدة التي عرفتها المنطقة، خاصة سقوط نظام معمّر القذافي، ساهمت إلى حد بعيد في ميلاد فكرة دولة الأزواد لاثنية الطوارق من جديد، بعد عودة قيادات عليا من الطوارق من ليبيا، كانوا يشكلون جزءًا مهمًا داخل الجيش الليبي السابق، وسقوط قاعدة أمشاش في مدينة تساليت بأيدي مقاتلي الأزواد، وهي أهم قاعدة عسكرية مالية في الشمال، بعدما سقط قبلها العديد من القواعد والمدن الشمالية بأيدي الحركة نفسها.
وفي هذا السياق، يذكر العقيد السابق في الجيش الجزائري بن عمر بن جانا في حديثه لـ "إيلاف" أن التوتر الحاصل بين الأزواد والجيش النظامي المالي يعدّ أحد إفرازات الحرب التي حدثت في ليبيا. ويضيف أن "كمية الأسلحة والذخائر الحية التي تمّ تهريبها إلى المنطقة وعودة الكثير من أبناء المنطقة إلى الديار ساهم في إشعال فتيل الحرب مجددًا".
ويشير العقيد الجزائري السابق إلى أن "هذه المؤشرات تزامنت مع تصاعد حالات الفقر والبطالة، الأمر الذي هيّأ لعودة العنف المسلح كتعبير سياسي متشدد، يرفض الحوار، ويطالب باستقلال منطقة الأزواد".
هذا وكان وزير الداخلية الجزائري وصف الوضع في المنطقة بالخطر جدًا قائلاً "الأوضاع خطرة جدًا في شمال مالي، ووجود هذا البلد كجار للجزائر يجعل الأمر يعنيها، خاصة ما حصل في السنوات السابقة من أحداث"، وصفها بـ "الإجرامية"، داعيًا إلى ضرورة "تغليب الحوار بين جميع الفرقاء والأطراف".
وبسبب هذه التطورات، باتت الحدود النيجيرية والموريتانية والجزائرية والبوركينابية وجهات مفضلة لعشرات الآلاف من اللاجئين الأزواديين، وهو ما يلقي على هذه البلدان بأعباء إنسانية وأمنية كبيرة".
وحسب ما أورده المنسق الإعلامي في حركة تحرير الأزواد على مستوى منطقة تينزواتين سيدي محمد الأمين، فإن "الوضع الإنساني للنازحين كارثي، هؤلاء يقيمون في خيم رثة وبالية، ويفتقدون كل الوسائل الضرورية من ماء وتكفل صحي"، وطالب بالمناسبة دول الجوار والمجتمع الدولي بضرورة التحرك العاجل.
وعن تواتر أنباء تفيد بوصول مساعدات من دول الجوار، خاصة الجزائر، قال "لا توجد أية مساعدات آتية من الجزائر، ولم يتم عرض أية مساعدات علينا، ولم يأت أي شخص من أية جهة منذ نحو شهر للإطلاع على وضعيتنا هنا في تين زواتين، المواد الغذائية والماء نحصل عليهما من التطوع والعمل التضامني، ومن موريتانيا تحديدًا".
في معرض حديثه عن أسباب تأجّج الصراع في المنطقة، يتهم الناشط والإعلامي عبد الحميد عبد الرحمن الأنصاري دولاً غربية ودول الجوار بتأجيج النزاع خدمة لمصالحها، ويعتبر أن "إقليم أزواد هو وجبة دسمة في عيون الولايات المتحدة الأميركية، حيث أثبتت دراسات أجرتها شركة توتال الفرنسية أن هذا الإقليم يحتوي على ما يعادل ترليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، إلى جانب مخزون ملحي يكفي لخمسين سنة مقبلة، ناهيك عن البترول واليورانيوم".
الأمر الذي يستدعي ـ بحسبه ـ "الدول الغربية ودول المنطقة مالي والنيجر وكذلك الجزائر إلى وضع هذه المنطقة في إطار المناطق التي تأوي جماعات إرهابية، وذلك بغية إخراج الطوارق من هذه المنطقة، وتهجيرهم إلى الدول المجاورة، وذلك ما جعل الولايات المتحدة الأميركية تقترح على مالي بناء قاعدة عسكرية، بحجة مكافحة الإرهاب، وملاحقة عناصر القاعدة في الصحراء الكبرى".
استيلاء الأزواد على قاعدة أمشاش العسكرية تعتبر، حسب بعض المحللين، بمثابة مرحلة جديدة للصراع. و يتساءل البعض عن موقف دول الجوار، التي تجمعها اتفاقيات ثنائية، في حال قيام هذه الدولة، هل ستكون مضطرة للاعتراف بها أو أنها تغضّ الطرف عنها، ما قد يزيد من توتر الوضع في بلدان تسيطر عليها المعارضة، وتربطها حدود جغرافية مع مناطق محررة، ويتعلق الأمر بالجزائر، والنيجر وموريتانيا.
عن هذا التساؤل يجيبنا المدون والباحث سليمان ولد حامدن بقوله "إذا كانت الانتفاضة الراهنة للأزواديين انعكاسًا مباشرًا لمسلسل الربيع العربي، وخصوصًا الحلقة الليبية منه، فإن مصيرها مرهون إلى حد بعيد بموقف الأنظمة المغاربية منها والرهانات الدولية حول الإقليم".
ويضيف "وحدهم أنصار الحركة الأمازيغية في البلدان المغاربية وأوروبا أعلنوا صراحة عن دعمهم ومساندتهم لانتفاضة أزواد، لكن ترجمة تلك المساندة إلى فعل ملموس تظل بعيدة المنال، ولعل غاية ما يمكن تحقيقه في هذا الصدد هو المساهمة في تبصير الرأي العام الغربي ودوائر صنع القرار فيه بحقوق الطوارق في مالي والنيجر بحقهم في تقرير المصير".
على صعيد دول الجوار، استبعد ولد حامدن أن "يكون موقف ليبيا الجديدة والجزائر الرسمية مؤيدًا لمقاتلي أزواد لاعتبارات عدة، أقلها تخوف البلدين من انتقال عدوى المطالب الاستقلالية إلى طوارق فزان والهجار، ومن المستبعد جدًا أن يتعاطف حكام ليبيا الجدد مع خصوم الأمس من عناصر الطوارق والبيضان، الذين قاتلوا إلى جانب كتائب القذافي، كما لا ينتظر أن تقبل الجزائر بكيان خارج على سلطة الدولة المالية، ولم تتأكد بعد من القضاء على الخطر الإرهابي، الذي يمثله الفرع المغاربي لتنظيم القاعدة بشكل نهائي".
ويشير ولد حامدن إلى أن "هاجس القاعدة هو نفسه الذي سيجعل القوى الغربية تفكر ألف مرة قبل أن تتخذ موقفًا داعمًا أو مناهضًا لحرية الأزواد، فالإقليم يقدم إعلاميًا على أنه ملاذ آمن للجماعات الجهادية وعصابات التهريب والجريمة المنظمة المرتبطة بها". ويبقى الرهان الوحيد، حسب ولد حامدن، قائمًا على دولة موريتانيا "ذلك أن أزواد ليس فقط جزءًا من موريتانيا الكبرى أو حيزًا من المجال البيضاني المتسع، بل إن ماضيه وحاضره ومستقبله لصيق بوجود الدولة الموريتانية".
الجدير بالذكر أن دولاً غربية وأفريقية ومغاربية عدة دعت إلى وقف الاقتتال من خلال نداء تم التوقيع عليه في الجزائر في الرابع من الشهر الماضي، خلال لقاء ضم ممثلين عن جماعة باماكو وتحالف 23 مايو/أيار للطوارق المتمردين، لكن الدول الداعمة للوساطة الجزائرية تتخوف من استمرار الحرب حتى الرئاسيات المبرمجة في مالي في يونيو/حزيران المقبل، وهي الانتخابات، التي تقول حركة الأزواد إنها لا تعنيها، ما قد يؤدي إلى مرحلة فراغ سياسي، قد تلهب منطقة الساحل بكاملها.