اختفاء التمييز مع تصعيد هجمات الطائرات الأميركية في اليمن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ذات مساء في 9 آذار/مارس حلقت طائرة استطلاع أميركية تابعة لقيادة العمليات الخاصة المشتركة فوق جنوب شرق اليمن لتعقب قيادي من المستوى المتوسط في تنظيم القاعدة كان منطلقًا في سيارته باتجاه مخبئه في الجبال. وسرعان ما أُطلق وابل من الصواريخ فقُتل المسؤول القيادي في القاعدة ومعه 22 مسلحًا آخرين، غالبيتهم شبان كانوا يتلقون تدريبًا بعد تجنيدهم حديثًا في صفوف القاعدة، كما قال مسؤولون أميركيون.
إعداد عبد الإله مجيد: كان الهجوم مثالاً على تصعيد الولايات المتحدة حربها السرية في اليمن مستخدمة تحسن النشاط الاستخباراتي وتغيير القيادة اليمنية بعد تنحّي الرئيس علي عبد الله صالح. ونقلت صحيفة لوس أنجيلوس تايمز عن مسؤولين أميركيين أن التغيير أتاح تنفيذ هجمات ضد مسلحين كانوا حتى الآونة الأخيرة يفلتون من أعين الولايات المتحدة.
لكن مراقبين يرون أن التمييز قد يختفي مع تصعيد الهجمات وتوسيع دائرة الأهداف بين عمليات ضد مسلحين يريدون ضرب مصالح الولايات المتحدة وعمليات تستهدف مقاتلين يعملون على إسقاط الحكومة اليمنية.
ويؤكد المسؤولون الأميركيون أنهم لن ينجرّوا إلى حرب أهلية، ولا يعتزمون نشر قوات على الأرض في اليمن، باستثناء مدربين ووحدات صغيرة للعمليات الخاصة. ونقلت صحيفة لوس أنجيلوس تايمز عن مسؤول في إدارة أوباما "نحن لا نريد التورّط في معارك البلاد الداخلية، ولا نريد استعداء كل مقاتل ضد الحكومة على الولايات المتحدة".
وتبدو الهجمات الأميركية موجّهة في بعض أسبابها لمنع مسلحي تنظيم القاعدة من تعزيز سيطرتهم على مناطق مثل محافظات أبين وشبوة والبيضاء في جنوب اليمن، بعدما أصبحت هذه المحافظات أكبر ملاذ لتنظيم القاعدة في العالم منذ بدأت الولايات المتحدة غاراتها بطائرات بدون طيار في المناطق القبلية في جنوب غرب باكستان، كما يقول مسؤولون أميركيون، مشيرين إلى أن غالبية المقاتلين تحت راية القاعدة في اليمن متمردون محليون مع سعوديين يعززون صفوفهم ويتولون أدوارًا قيادية، بحسب هؤلاء المسؤولين.
وقال المسؤولون الأميركيون إن إبراهيم حسن العسيري صانع العبوة التي أخفاها عمر فاروق عبد المطلب في ملابسه الداخلية لتفجير طائرة فوق ديترويت، ما زال طليقًا في اليمن. ويقول مسلحو القاعدة من جهتهم إنهم يقاتلون الحكومتين اليمنية والسعودية والولايات المتحدة.
وكان الجنرال الأميركي جيمس ماتيس قال في إفادة أمام إحدى لجان الكونغرس إن محاولة الرئيس صالح البقاء في السلطة طيلة عام كامل تسببت في توقف العمليات الأميركية في اليمن، لأن الولايات المتحدة كانت لا تريد أن تبدو وكأنها تدعم حاكمًا مستبدًا، ولأن وجود الأميركيين في البلاد أصبح خطرًا.
ومنذ تنحّي صالح شهد استخدام الطائرات بدون طيار والطائرات المأهولة توسعًا كبيرًا. إذ قُتل ثلاثة مسلحين في بلدة جعار في 11 آذار/مارس وبعد ثلاثة أيام استهدف صاروخ أميركي عربة وقتل في الهجوم أربعة مسلحين في البيضاء. وقال مسؤولون أميركيون إن الهجومين كانا من تنفيذ قيادة العمليات الخاصة المشتركة أو وكالة المخابرات المركزية اللتين لديهما طائرات بدون طيار تحلق فوق اليمن.
واستهدفت هذه الضربات المسلحين، ليس لأنهم كانوا يخططون لتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة، بل لأن المعلومات الاستخباراتية كانت تشير إلى أنهم يخططون لاستهداف دبلوماسيين أميركيين أو أهداف أميركية أخرى داخل اليمن، بحسب المسؤولين الأميركيين.
وبدأت وكالة المخابرات المركزية إرسال طائرات بدون طيار فوق اليمن في العام الماضي لتنضم إلى برنامج عسكري سري قيد التنفيذ. وينطلق بعض هذه الطائرات من قاعدة في جيبوتي، وتتمركز طائرات الوكالة في قاعدة لا يُعرف مكانها في الجزيرة العربية، بحسب صحيفة لوس أنجيلوس تايمز.
وامتنع المسؤولون الأميركيون عن إعطاء رقم دقيق لعدد الغارات التي نُفذت في اليمن، ويصعب أحيانًا التمييز بين هجمات يشنها الجيش اليمني وعمليات ينفذها الأميركيون. ويقدر موقع لونغ وور الذي يتابع العمليات الأميركية ضد الإرهاب أن 23 غارة نُفذت في اليمن منذ كانون الثاني/يناير 2009 بالمقارنة مع 245 غارة شنتها طائرات بدون طيار في باكستان خلال الفترة نفسها.
ومنذ عام 2002 قُتل 160 مسلحًا و47 مدنيًا في غارات الطائرات بدون طيار في اليمن، كما تشير تقديرات الموقع. ويزيد عدد الضحايا بين المدنيين اليمنيين بكثير على ما رصده خبراء مستقلون يتابعون حرب الطائرات الأميركية بدون طيار في باكستان.
وقال مسؤولون عدة إن مناقشات تجري على مستوى عال في واشنطن حول سبل توسيع الدور الأميركي، لا سيما وأن المسؤولين الأميركيبن واليمنيين فوجئوا بسهولة استيلاء القاعدة على مواقع والاحتفاظ بها في مناطق من اليمن، وهم مصممون على انتزاع هذه المكاسب.
ونقلت صحيفة لوس أنجيلوس تايمز عن مسؤول أميركي كبير أن المسلحين في اليمن "يتعرّضون إلى الضغط، ولكن حقيقة وجود هذه المناطق التي يستطيعون التحرك فيها بحرية نسبية هي مبعث قلق بالغ".
وقال مسؤولون أميركيون ويمنيون إن الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي أكثر استعدادًا من سلفه للموافقة على الغارات الأميركية، وإن هذا أحد الأسباب وراء التصعيد الأخير في الهجمات. وكان رئيس الأركان اليمني اللواء أحمد علي الأشول زار واشنطن أخيرًا لإجراء محادثات مع مسؤولي البنتاغون. وتدعو الولايات المتحدة إلى إعادة تنظيم الجيش اليمني لاستعادة البلدات التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة، وهو مجهود يتطلب دبابات وأسلحة ثقيلة أخرى.
وتضغط واشنطن على الرئيس هادي للتخلص من أقارب صالح، الذين ما زالوا يشغلون مواقع حساسة في الجيش والأجهزة الأمنية وشنّ حملة عسكرية جدية لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة في الجنوب. وكان قائد المنطقة الجنوبية استُبدل بعد الانتكاسات العسكرية الأخيرة.
وقال مسؤول كبير في البنتاغون إن الرئيس هادي "أبدى إرادة وقدرة على الاضطلاع بالمسؤولية.... وإن المسألة تتعلق بتحديد الهدف بدقة وإعداد الخطة الصحيحة واختيار الرجل المناسبة لقيادتها". ونقلت صحيفة لوس أنجيلوس تايمز عن مسؤول يمني إن جنودًا أميركيين مدججين بالسلاح بدأوا يظهرون بأعداد كبيرة في فندق شيراتون في صنعاء.
ويؤكد المسؤولون في إدارة أوباما أن قواعد استهداف القاعدة في اليمن لم تتغير. وكمثال على الحدود التي تعمل القوات الأميركية في إطارها امتناعها عن استخدام الغارات التي أصبحت سمتها المميزة في باكستان، حيث تستخدم وكالة المخاربات المركزية طائرات بدون طيار لقتل مسلحين على أساس معلومات استخباراتية عن أشخاص معينين، وليس على أساس تحليل "نمط الحياة"، على حد تعبير المسؤولين الأميركيين.
ويدعو بعض المسؤولين في إدارة أوباما وأعضاء في الكونغرس إلى اعتماد الغارات على الطريقة المستخدمة في باكستان، ولكن أوباما قاوم ذلك، بحسب المسؤولين. ومن أسباب التوجّس في هذا الشأن أن المعلومات التي اعتمدت عليها الغارات الأميركية لم تكن دقيقة بما فيه الكفاية للتوثق من طبيعة الهدف الذي تضربه الصواريخ الأميركية.
وكان نائب محافظ مأرب قُتل في آذار/مارس عام 2010 أثناء تفاوضه مع قيادي في القاعدة. وبعد ذلك قال مسؤولون أميركيون إنهم امتنعوا عن مواصلة الهجمات بطائرات بدون طيار لانعدام العنصر الاستخباراتي الذي يتيح تنفيذها على الوجه المطلوب، كما كشفت باربرا بوداين التي عملت سفيرة الولايات المتحدة في اليمن من 1997 إلى 2001.
وعندما استؤنفت هذه الغارات كان التدقيق في صحة الأهداف صارمًا، بحسب مسؤولين أميركيين. ورغم ذلك فإن سياسة التصعيد الجديدة في هذه العمليات أثارت قلق منتقدين يقولون إن ضرر الهجمات العسكرية الأميركية أكبر من نفعها. ونقلت صحيفة لوس أنجيلوس تايمز عن تشارلس شميتز الخبير بالشؤون اليمنية في جامعة تاوسون في ولاية ماريلاند إنه "كلما أمعنت الولايات المتحدة في تطبيق سياستها الحالية زادت قوة القاعدة على ما يبدو".
ويرى محللون أن المجهود العسكري الأميركي أثار استياء واسعًا بين اليمنيين. وقالت السفيرة السابقة بوداين "إن الطائرات بدون طيار سلاح إرهاب من نواح عديدة، وإن العداء الذي سيثيره هذا قد لا يستحق المكاسب التي تتحقق في مكافحة الإرهاب".