الحكومة المغربية ترسم مستقبل العلاقة بين الملك ورئيسها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لم تفلح محاولات الأغلبية في تمرير مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المؤسسات الإستراتيجية العائدة إلى الملك، وتلك التي تهم رئيس الحكومة، وهو ما جعل الفصل في هذا المشروع يؤجل إلى دورة نيسان/ أبريل لمجلس النواب، التي ستفتتح غدًا الجمعة.
ويعد هذا المشروع، الذي سيرسم مستقبل العلاقة بين الملك ورئيس الحكومة، محكًا حقيقيًا للحكومة، التي تواجه تحديًا صعبًا يتمثل في التنزيل السليم للدستور.
وقال عبد الرحيم منار السليمي، الباحث في العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس في الرباط، إن "هناك مدخلين متكاملين للتفسير المرتبط بمسألة توزيع صلاحيات التعيين بين الملك ورئيس الحكومة"، مشيرًا إلى أن "المدخل الأول يتعلق بتنزيل مقتضيات وثيقة دستورية جديدة ترسم هندسة العلاقات المستقبلية بين الملك ورئيس الحكومة. ومن هنا، فإن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتطبيق أحكام الفصلين 49 و92 من الدستور يحدد مجال السلطات الدستورية للملك مقابل مجال السلطات الدستورية لرئيس الحكومة".
أما المدخل الثاني، يشرح الباحث المغربي، فيتجلى في كون "أننا أمام مشروع قانون تنظيمي يحدد ملامح شكل الملكية التنفيذية الجديدة في دستور 2011، مقابل شكل رئاسة الحكومة الجديدة، بعد تغيير موقع رئيس الحكومة. فالنظام الدستوري المغربي الحالي هو نظام يشتغل بقواعد النظام البرلماني بين الحكومة والبرلمان، ولكن تحت مراقبة نظام رئاسي يمارسه الملك من خلال سلطاته الدستورية، وبالتالي، فهذا التوصيف الدستوري لملامح النظام الدستوري المغربي يتم ترسيمه حاليًا عن طريق تنزيل مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتطبيق أحكام الفصلين 49 و92 من الدستور".
ويراقب المتتبعون في المغرب من خلال هذا النقاش المرتبط بالتعيين، حسب ما أكده منار السليمي لـ "إيلاف"، "حجم التغييرات التي تقع في شكل ممارسة السلطة السياسية بعد المصادقة على دستور يوليو 2011"، مبرزًا أن "حجم النقاش حول القانون التنظيمي المحدد لصلاحيات التعيين في المؤسسات بين الملك ورئيس الحكومة يعكس تتبع شكل التوازنات السياسية القادمة، خاصة أن الأمر يتعلق بحكومة جديدة ناتجة عن شرعية صناديق يقودها رئيس حكومة ذو مرجعية إسلامية في العمل السياسي، ويريد ممارسة سلطاته الدستورية وتوسيع هامش التحرك أمامه انطلاقًا من خطابه المستمد من المقتضيات الدستورية الجديدة وشرعية صناديق الاقتراع".
وأضاف أستاذ العلوم السياسية: "إذا عدنا إلى نهاية التسعينات، فإننا سنلاحظ أن الحالة نفسها عاشها المغرب مع صعود عبد الرحمن يوسفي، مع اختلاف يتمثل في كون أن بنكيران يشتغل داخل نص دستوري أعطاه سلطات أكبر من سلطات عبد الرحمن اليوسفي".
وذكر منار السليمي أن "هذا النقاش مرتبط بغموض الأسس الدستورية التي يقوم عليها هذا التوزيع. فالبرلمان يشرع ولكن من دون أعمال تحضيرية للدستور".
من جهته، قال عبد العزيز قراقي، أستاذ جامعي في العلوم السياسية في الرباط وناشط في مجال حقوق الإنسان، إن "اختصاص التعيينات في المناصب السامية باتت مقسمة بين رئيس الحكومة والملك، إذ إن هناك مجموعة من المؤسسات يُعيّن مسؤولوها أو يتم اختيارهم على مستوى المجلس الوزاري فيقترحهم رئيس الحكومة، ولكن تعيينهم يتم الحسم فيه على مستوى السلطة الملكية".
وأشار عبد العزيز قراقي، في تصريح لـ "إيلاف"، إلى أن "هناك مؤسسات أخرى تعطى فيها الصلاحية بشكل مباشر لرئيس الحكومة، وهي مجموعة من المؤسسات التي يتم التداول فيها على مستوى مجلس الحكومة فقط، علمًا أن مسألة التعيينات كانت في الماضي ملكية محضة، واليوم بات من الضروري تفعيل مجموعة من المقتضيات التي تربط المسؤولية بالمحاسبة بمعنى الاعتماد على معيار الكفاءة كمحدد لممارسة المسؤوليات، وهو التنزيل الذي تم إعطاؤه لمضامين الدستور المغربي".
وأبرز المحلل السياسي أن "هذا الأمر أثار الكثير من المشاكل، خاصة على مستوى المقارنة بين المغرب وبين عدد من الدول المتقدمة التي يقوم فيها رئيس الحكومة بكل شيء، ولكن بالنسبة للمغرب يجب القول إن هذه محطة انتقالية نحو نظام مطلق قد يعطي للحكومة المنبثقة من صناديق الاقتراع سلطات أوسع مستقبلاً".
ويتضمن القانون ثلاث مواد، الأولى تتعلق بالتعيينات الخاصة بالملك، والثانية المتعلقة برئيس الحكومة، ثم المادة الثالثة وتتضمن معايير التعيين.
وتشير مذكرة تقديم القانون إلى أنه "استنادًا إلى أحكام الفصل 42 من الدستور، التي تنص على أن الملك هو ضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، والساهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وتطبيقًا لأحكام الفصلين 49 و92 من الدستور، يهدف مشروع القانون التنظيمي إلى تحديد لائحة المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية التي يتم تعيين مسؤوليها من قبل الملك بعد المداولة في المجلس الوزاري، بناء على اقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني، الذي يمارس وصاية على هذه المؤسسات والمقاولات، وتتميم لائحة الوظائف السامية التي يتم التعيين فيها بموجب مرسوم من قبل رئيس الحكومة بعد التداول بشأنها في مجلس الحكومة، ثم تحديد مبادئ ومعايير التعيين في الوظائف المذكورة".