البغوري: نواجه قصفًا عشوائيًا من ميليشيات حزب "النهضة"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قال عضو الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال ناجي البغوري خلال حوار خصّ به "ايلاف" إن الحكومة التونسية بقيادة حركة النهضة الإسلامية تحاول خلق فراغ قانوني في القطاع الإعلامي للسيطرة عليه، كما أكد أن لا رغبة جدية لديها في إصلاح الإعلام، إضافة إلى اعتمادها على ميليشيات للتصدي لكل من يخالفها الرأي.
تونس: أشار عضو هيئة إصلاح الإعلام والاتصال، والرئيس السابق لنقابة الصحافيين التونسيين ناجي البغوري إلى أن مستشار الوزير الأول التونسي يتصرف كوزير إعلام، مضيفًا أنه من الطبيعي أن يشهد الإعلام في تونس انفلاتًا وصعوبات قبل بلوغه النضج، نظرًا الى "قتل" مهنة الصحافة طيلة فترة حكم الرئيس السابق.
وفي ما يلي نص الحوار كاملا
بين 3 مايو/أيار 2010 و3 مايو الجاري، ما التغييرات التي طرأت على المشهد الاعلامي التونسي في تقديركم ؟
طبعًا الفرق هو نفسه بين تونس 2010 وتونس 2012 فالثورة قلبت الموازين رأسًا على عقب سواء في المشهد الحزبي والسياسي أو في المشهد الاعلامي، فلا مجال للمقارنة بين واقع الاعلام اليوم وما كان عليه زمن بن علي، سواء على مستوى التعددية أو من ناحية الوصول الى المعلومة.
صحيح أن الاعلام التونسي لم يبلغ المستوى المطلوب في أن يكون اعلامًا ناضجًا يكرّس بلا رجعة حرية الصحافة وقادرًا على تجاوز الانتقادات التي توجه له من قبيل عدم تمتعه بالحيادية وخضوعه لتأثيرات سياسية، ولكن في اعتقادي يمكننا اليوم أن نتحدث عن حرية حقيقية للاعلام كما يمكننا أن نتحدث عن تهديدات تحدق بهذه الحرية الفتية.
ففي فترة النظام السابق، قتل الاعلام وأنت تتذكر آخر تقرير انجزناه، وتم على اثره الانقلاب على نقابة الصحافيين، وفي سنة 2010 كان مكتب النقابة مشردًا ولم يكن بإمكاننا غير إصدار بيان نرثي فيه موت الصحافة التونسية.
لكن هناك من يرى أن واقع الإعلام حاليًا اقرب للانفلات منه إلى الحرية، خاصة مع عودة ما يعرف بالصحف الصفراء، ما رأيكم ؟
شخصيًا لو خيروني بين صحافة منفلتة وصحافة مقيدة سأختار المنفلتة على أمل عقلنتها لأن الحرية تعقلن وتستند إلى شروط أهمها احترام أخلاقيات المهنة الصحافية.
اليوم عندما نقول إن هناك هامشًا حقيقيًا لحرية الإعلام فهذا لا يعني إخفاء بعض الأمراض في القطاع فبعد أكثر من 20 سنة من التقييد والقمع من الطبيعي أن يواجه الإعلام عديد العثرات والمصاعب وهذا هو واقعنا، فالإعلام التونسي مرتبك في بعض الأحيان وغير قادر على المحافظة على توازنه ربما، ونحن من داخل القطاع نتفهم هذا الارتباك فقد تم قتل مهنة الصحافة لعقود، والصحافيون بشر في نهاية الأمر فعندما يتم منعهم من الكتابة ويسخر البعض الآخر للدعاية للنظام لا يمكنهم بين عشية وضحاها أن يخلقوا مناخًا إعلاميًا سليمًا.
عمومًا اليوم هناك هامش لحرية الصحافة مع بعض الصعوبات خاصة غياب الإطار القانوني الذي يضمن ديمومة حرية الصحافة كما لم تتم إعادة هيكلة وسائل الإعلام العمومية خاصة لضمان استقلالية وحيادية أكثر، إضافة إلى وضع خط فاصل بين السلطة التنفيذية والإعلام ، واليوم لا وجود لوزارة للاعلام ولكن السلطة مازالت تتدخل في القطاع ولابد من بعث هيئات تعديلية للتعامل مع الإعلام والإشراف عليه مثلما هو موجود في الأنظمة الديمقراطية، لذا في اعتقادي هناك الكثير من العمل على المستوى الموضوعي.
وعلى مستوى ذاتي نحن كصحافيين مطالبون بالعمل في إطار يحترم ذواتنا كبشر وفي المقابل علينا أن نخضع لأخلاقيات المهنة.
تقرير هيئة إصلاح الإعلام واجه عديد الانتقادات من قبيل افتقاره للموضوعية والمهنية إضافة إلى استعماله لتصفية حسابات شخصية، ماهو تعليقكم ؟
أولا علينا أن نتفق أن التقرير اجتهاد انساني ولم ينجز عن طريق أعضاء الهيئة فحسب، بل تمت الاستفادة من خبرات من مختلف المجالات وخاصة الحقوقية والإعلامية وأيضًا بعض المنظمات الدولية التي يشهد لها بالنزاهة كـ "مراسلون بلا حدود"، إضافة إلى بعض الوزراء الموجودين حاليًا في السلطة، لذا لا اعتقد أن اشراك كل هذه الخبرات يمكن أن يقدم منتوجًا قد يقال إنه لتصفية حسابات شخصية، وبالتالي أقول إن البعض قد يجد فيه نواقص لأنه كما قلت إنه عمل انساني يحتمل الخطأ ولكن الأكيد أن الهيئة سعت إلى اعتماد مبدأ الإصلاح على المستوى القانوني والهيكلي، لذا يمكن أن نجد في هذا الجهد ما نحتاجه في حال كانت هناك رغبة في الإصلاح الحقيقي.
بخصوص رغبة الإصلاح، كيف تفسرون قيام الحكومة بدعوة بعض رموز الفساد الإعلامي خلال فترة النظام السابق للاستشارة الوطنية حول إطار قانوني للإعلام؟
هناك حالة ارتباك كبيرة في عمل الحكومة إضافة إلى عدم الوضوح والتي تأثر بها قطاع الإعلام سواء كالتسميات التي قامت بها الحكومة دون استشارة الهيئة.
ولو أمكن أن نحدد الأخطاء الخطرة التي قامت بها الحكومة سنجد أنّ من أخطرها طريقة تعاملها مع الإعلام، فالحكومة تتكلم عن إصلاحه ومن ثم تنتقده حين يعلو صوته وتقول بأنه كان في خدمة الاستبداد وعليه أن يواصل صمته ومهادنته، ومن جهة تدفع أطرافًا تابعة لحركة النهضة للاعتصام أمام مقر التلفزيون الرسمي ومن ثم تفاجئنا بدعوة إعلاميين فاسدين وتوكل لهم بملفات إصلاح الإعلام وأعني الاستشارة الوطنية الأخيرة، والتي كان مطلوبًا منها تناول الجانب القانوني، فالحكومة تقول شيئًا وتفكر في شيء وتفعل شيئًا آخر.
حسب رأيكم لماذا ترفض الحكومة التعامل مع المرسومين 115 و 116 وتفعيلهما ؟
في اعتقادي أن هناك توجهاً مقصوداً وممنهجاً من الحكومة لترك حالة من الفراغ القانوني والهيكلي في بعض القطاعات الحساسة خاصة قطاعي القضاء والإعلام لخدمة أجندتها، فحاليًا لا وجود لوزارة إعلام والسلطة التنفيذية نظريًا لا يمكنها التدخل، ولا وجود لقوانين زجرية فمن المفترض أن قوانين بن علي تم ترك العمل بها وتم إصدار قوانين جديدة ولكن على المستوى التطبيقي نجد مستشار الوزير الأول يتصرف كوزير للاعلام ويسمي شخصيات موالية له على رأس المؤسسات الإعلامية، ويقوم بالضغط على الصحافيين للسير في نهج مساندة الحكومة ويقوم بتصريحات معادية للإعلاميين الذين يخالفونه الرأي ونلاحظ أن الحكومة تسعى إلى خلق حالة من الفراغ خاصة القانوني بعدم تفعيل المرسومين 115 و116 في ظل إلغاء العمل بالقانون القديم ومنع إنشاء هيئة تعديلية مستقلة تدير الشأن الإعلامي.
يعتبر البعض أن ما يعرف بظاهرة "الميليشيات" وتوزيع الإشهار العمومي، وسائل اعتمدها النظام السابق لتركيع الإعلام واليوم تعود الحكومة لاستعمالها لمحاولة بسط سيطرتها عليه، ما رأيكم ؟
في اعتقادي أن هناك العديد من المظاهر رغم أنه لا مجال للمقارنة بين حكومة غير شرعية وظالمة بأخرى أفرزتها انتخابات نزيهة، ولكن يمكن أن أؤكد أن هناك أساليب ارتبطت بنظام بن علي واليوم تعود من جديد لأنه حين نتحدث عن التعاطي مع الإعلام فمثلما ذكرت لم يتغيّر المسلك المتبع لتوزيع الإشهار العمومي.
فمثلاً الصحف التي وجدت بعد 14 جانفي/ يناير تواجه تهديدات وصعوبات مالية كبرى فيما تتمتع الصحف التي استعملها النظام السابق للدعاية و توزيع الإشهار العمومي لأنه مثلما قلت في السابق لا وجود لرغبة حقيقية في الإصلاح فمن المفترض أن تكون هناك هيئة تضع مقاييس واضحة لتوزيع الإشهار العمومي لكن هناك رغبة في ترك الغموض لاستغلاله، وبالنسبة لظاهرة الميليشيات اعتبرها من الأخطاء القاتلة للحزب الأكثر تمثيلاً في الحكومة وذلك باعتماده على ميليشيات لإفشال أي تحركات ضدها خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي فنحن نواجه نوعًا من القصف العشوائي ومعنا كل من يخالف حركة النهضة وهذه من الممارسات التي تحيلنا على المنظومة السابقة.
لكن رئيس حركة النهضة وبعض كوادرها يتهمون باستمرار وسائل الإعلام وخاصة الرسمية منها بالانحياز لطرف سياسي منافس لها، وشن هجمات على الحكومة قصد إرباكها؟
أنا قرأت وسمعت زعماء النهضة يقولون إن الإعلام وخاصة العمومي لا يعبر عن إرادة الشعب وهم لا يستندون في اتهاماتهم إلى أي إحصائية علمية أو سبر آراء لمعرفة إذا ما كان الشعب راضياً على اداء الإعلام العمومي، وحتى الأرقام المتوفرة تؤكد أن اكبر نسبة مشاهدة ينفرد بها التلفزيون الرسمي ولكن دعنا نتفق أن حركة النهضة وأنصارها غير راضين على الإعلام العمومي باعتبار أنهم يعتقدون بوجوب عكسه لوجهة نظر الحكومة ومساندتها ونحن نختلف معهم في هذا الشأن حيث نعتبر أنه مرفق عمومي لا يجب أن يكون في صف أي طرف ويجب أن يتمتع بالاستقلالية التحريرية خاصة.
هناك أنباء عن نية بعض الأطراف التي توصف بكونها مقربة من الحركة الإسلامية إنشاء نقابة أخرى للصحافيين. هل تعتبرون أنهاتأتي في إطار تعددية نقابية تخدم مصلحة القطاع أم سعيًا إلى خلق نقابة موازية لشق الصف الصحافي ؟
هذا يتأتى في إطار سوء إدارة الحكومة للملف الإعلامي وهنا لا أتحدث فقط عن وسائل الإعلام وإنما عن الهياكل المتدخلة في الإعلام، بمعنى أنه عوضاً عنأن تجلس الحكومة وتتفاوض مع نقابة الصحافيين ترسل بالونات اختبار وتعلن عزمها إنشاء نقابات موازية لها من خلال بعض الصحافيين ومديري الوسائل الإعلامية المقربين من حركة النهضة ومثل هكذا نقابة لن تكون لها حياة لأن هذه الممارسات كانت يمكن أن تنجح في السابق لانعدام مناخ الحرية ولكن الآن لن يكون لها أي تأثير.
كنتم من أشد المدافعين عن فكرة إنشاء اتحاد للصحافيين ، الآن وبعد أكثر من سنة على الثورة ما هي العراقيل التي تحول دون بعثه ؟
اتحاد الصحافيين يظل مطلباً استراتيجياً للمهنة لا سيما أن الاتحاد ستكون له صلاحيات أوسع من النقابة ولكن في اعتقادي اليوم نحن لا نزال لم نستنفذ الآليات الموجودة في النقابة، خاصة أنها وجدت وبعثت في ظرف تم إرباكها فيه ولم تجد الوقت الكافي لبناء هياكلها إضافة إلى أن مشروع إنشاء اتحاد لا يتم إلا بعد طرحه على المجلس التأسيسي، ونحن ليس لدينا داخله ما يكفي من الحلفاء لمساندة مشروع قانون الاتحاد، وبالتالي في الوقت الحالي علينا الاستعداد وبناء الهياكل وخلق لحم في ما بيننا كصحافيين خاصة في ظل الهجمة الشرسة التي ما نفتأ ونتعرض لها.