صعود اليسار الفرنسي يمهّد لتحول إيجابي في العلاقات مع الجزائر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يرى مراقبون في الجزائر أنّ صعود اليسار في فرنسا يؤشر على تداعيات إيجابية في علاقات باريس مع الجزائر، ويرى هؤلاء في تصريحات خاصة بـإيلاف، أنّ هزم الرمز الاشتراكي فرنسوا هولاند لغريمه نيكولا ساركوزي، سيعبّد الطريق أمام علاقات نوعية ومستقرة بين البلدين، خاصة إذا ما نجح حاكم الاليزيه الجديد في (تفكيك) قنابل الذاكرة.
يشير الباحث السياسي الدكتور حبيب بوخليفة إلى أنّ صعود اليسار الفرنسي سيجعل من علاقات المحتل القديم مع الجزائر أكثر هدوء واستقرارا بل وأكثر ديناميكية، ويذهب أستاذ الفكر السياسي بجامعة البويرة "عبد القادر تواتي" إلى كون الأمر مرتقب غداة الغزل المتبادل بين الاشتراكيين والنظام الحاكم في الجزائر، ودعوة مبعوثي هولاند قبل أيام إلى إذابة كتلة الجليد التي ازداد حجمها في عهد ساركوزي، وإعادة الدفء إلى علاقات البلدين.
من جهته، يؤيد الناشط السياسي الشاب جمال بن عبد السلام الذي يقود جبهة الجزائر الجديدة (حزب إسلامي ناشئ حديثا) سيناريو التهدئة بين البلدين، على اعتبار أنّ مواقف اليسار تجاه الجزائر كانت دوما أقل حدة مقارنة باليمين، بينما يعزو بوخليفة تفاؤله إلى تصميم فرانسوا هولاند وأتباعه على التقارب واستبعاد الضغائن التي تسببت في نشوب أكثر من أزمة جزائرية فرنسية صامتة خلال عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، على خلفية تصريحاته الأخير الموصوفة بـ"الاستفزازية" و"المتجنية" على الذاكرة الجمعية الجزائرية وخطابه المعادي للمهاجرين.
ويتوقع بوخليفة تحاشي الحاكم الجديد للإليزيه "استفزاز" الجزائريين، عن طريق استبعاد حراك سلفه بغرض جعل الخامس من تموز/يوليو عيدا وطنيا للحركى الذين قاتلوا إلى جانب فرنسا ضدّ وطنهم الأمّ في ثورة التحرير، سيما وأنّ تمجيد الحركى يشكّل بأعين رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الانسان "بوجمعة غشير" ، مساسا خطيرا بالقيم الأخلاقية الفرنسية بالدرجة الأولى، في مجتمع لا يحتفي إطلاقا بالخونة الذين وقفوا مع ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، مثلما أنّ باريس لا تحتفي بحكومة فيشي التي كانت موالية لنظام هتلر.
تبدو الفرصة مواتية بنظر بوخليفة وغشير لكي يحيد هولاند عن انحراف سلفه ساركوزي على مدار الخمس سنوات المنقضية، إذ سعى اليمين المتطرف في فرنسا بمختلف الوسائل لإحياء نزعة استعمارية قديمة، وذلك يقتضي بتصور "موسى تواتي" رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية (حزب قومي معارض) تصحيح مواقع ومواقف من الجانب الفرنسي.
مخاوف من تدجين مطلب التغيير في الجزائر
في غضون ذلك، لا ينكر الأكاديمي "عبد القادر تواتي" وجود مخاوف كثيرة من ظفر المعسكر الاشتراكي في فرنسا بكرسي الرئاسة، حتى وإن ظلّ انهزام ساركوزي أمنية الجاليات الأجنبية في فرنسا خصوصا المغاربية والجزائرية خاصة، لأسباب تتعلق أساسا بالإقامة، والحريات، والحقوق، ورفض العنصرية والتمييز العرقي والديني الذي عانى منه سكان الضواحي والمهاجرين بشكل عام.
يُقحم تواتي انعكاسات سلبية قد يفرزها صعود اليسار، مثل دور فرنسي قد يغطي على دعوات التغيير والإصلاح التي تطالب بها شرائح واسعة من الجزائريين، اللهم إلاّ إذا تفادت فرنسا حشر أنفها في الشأن الجزائري الداخلي، ورفضت المناورة مع علاقات تاريخية وإستراتيجية تربطها مصالح هائلة، ومعاهدات متعددة.
لا يستبعد تواتي أن تنتهز السلطة الجزائرية الفرصة، وتستغل الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يواجهه هولاند، والوفرة المالية التي تشهدها الجزائر، وورقة الجالية التي تمسك بزمامها أيضا، لكسب شرعية ودعم دولي لسياستها الداخلية، وفك العزلة عنها خارجيا بعد أن وجدت نفسها محصورة من كل الجوانب بسبب غلق الحدود مع المغرب، والتطورات الإقليمية في كل من تونس وليبيا ومالي.
ويقدّر تواتي بأنّ السلطة الجزائرية مدعوة لأخذ الدرس من فرنسا في احترام شعبها، والاحتكام إليه عبر انتخابات حرة لا إقصاء فيها لأحد، ونزيهة لا تزوير ولا تلاعب فيها بأصوات الناخبين، ثم القبول بنتائجها، وتسليم المشعل للفائز فيها يروح رياضية عالية، ووطنية ظاهرة، أذعن معها "المنهزم" لإرادة شعبه، وتقبّل النتائج، واجتهد في إقناع أنصاره بتقبلها، وهنّأ الفائز وتمنى له التوفيق والنجاح في قيادة البلد، بل ودعا أنصاره إلى طاعته وإعانته على تسيير البلد، كما فعل ساركوزي مع هولاند في عرس فرنسا الديمقراطي، وكأنه لا منهزم هناك، بل الكل فائز.
استثمار الجزائر في المتغير الفرنسي
يجدّد "جمال بن عبد السلام" متزعم جبهة الجزائر الجديدة، مناشدات مواطنيه لتحريك الجزائر لأوراق رابحة ظلت غير مستعملة، لتطويع فرنسا، طالما أنّ المحتل القديم لا يمكنه إقامة علاقات طبيعية مع الجزائر، إلاّ مُرغما.
بهذا الشأن، يتقاطع تواتي وبن عبد السلام، عند حتمية استثمار الجزائر في المتغير الفرنسي، فطالما أنّ الجزائر تتمتع ببحبوحة مالية وبحوزتها سلاح النفط، فيمكنها حمل الفرنسيين خلال الشوط القادم على الوفاء بمطلبي الاعتراف والاعتذار عما فعله المحتل القديم خلال 132 سنة في الجزائر، والذهاب بعيدا في تجريم الاستعمار، ووضع شروط لميثاق الصداقة الذي سعى إليه زعيم الإليزيه السابق "جاك شيراك" وأحبطه خلفه "نيكولا ساركوزي".
كما يؤكد بن عبد السلام على حساسية تحريك الجزائر اللوبي القوي الذي تمتلكه في فرنسا، بما يدفع باريس لتزكية مطالب الجزائر المتضمنة اعتراف فرنسا الرسمية بخطايا فرنسا الكولونيالية، وتقديم اعتذار رسمي، مع إقرار تعويضات مادية لضحايا الاحتلال، ناهيك عن دفعها للتراجع عن "قانون العار" ويتعلق الأمر بالقانون الممجد للاستعمار الذي أصدرته فرنسا سنة 2005، والقائل بمعاقبة أي شكل من أشكال القذف في حق الحركى الذين خانوا وطنهم الأصلي، " نظير ما قدموه للأمة الفرنسية"، علما أنّ باريس تبنت ما سمته "ميثاق حقوق الحركى".
من جانبه، يطالب الوزير الأسبق "السعيد عبادو" متزعم "المنظمة الجزائرية للمجاهدين" وهي تنظيم حكومي محلي يستوعب عموم المجاهدين القدامى الذين شاركوا في ثورة الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي (1954 - 1962)، بفتح النقاش مجددًا حول جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر، تبعًا لكون المحتل القديم نفذ محارق مهولة أبادت 8 آلاف قرية كاملة، وأودع مليوني جزائري في السجون، كما زرع 11 مليون لغم تسبّبت بمقتل 7328 جزائريًا، دون إغفال انتهاكات بالجملة كانت أفدحها سقوط 45 ألف شهيد في محرقة الثامن مايو 1945.