مئات اليهود يحجون إلى كنيس في تونس وغياب زوار من إسرائيل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تونس: بدأت الأربعاء في جزيرة جربة التونسية (جنوب شرق) وسط إجراءات أمنية مشددة مراسم "الحج" اليهودي السنوي إلى كنيس الغريبة الذي يعد أقدم معبد يهودي في أفريقيا.
وكان "الحج" ألغي سنة 2011 لانعدام الأمن في تونس بسبب "الثورة" التي أطاحت في 14 كانون الثاني/يناير من العام نفسه بالرئيس زين العابدين بن علي. وانتشرت تعزيزات أمنية وعسكرية لافتة في الأحياء اليهودية لجزيرة جربة وحول محيط كنيس الغريبة والفنادق التي تستقبل الزوار اليهود.
وقال بيريز الطرابلسي رئيس هيئة كنيس الغريبة لوكالة فرانس برس إن 500 يهودي قدموا اساسًا من أوروبا يشاركون، الى جانب 1000 يهودي تونسي في مراسم الحج، الذي يستمر يومين، ويبدأ عادة في اليوم الـ33 من الفصح اليهودي. وأشار الى غياب كامل لزوار من اسرائيل بعدما حذرت الدولة العبرية الإسرائيليين من التوجه الى تونس.
وأوصت هيئة مكافحة الإرهاب الاسرائيلية الخميس الماضي الإسرائيليين "بالامتناع عن السفر إلى تونس"، محذرة من وجود "خطر كبير في جزيرة جربة". وبحسب الهيئة فإن "معلومات تشير الى استعدادات لشنّ عمليات إرهابية في تونس ضد أهداف إسرائيلية ويهودية، وخصوصًا ضد الزوار الإسرائيليين الموجودين في جربة".
ونفت وزارة الداخلية التونسية صحة "المزاعم" الإسرائيلية، وقالت إن "الأمن مستتب في كامل البلاد". وأضافت ان تونس "اتخذت كل الاحتياطات والتدابير اللازمة لتأمين الاحتفالات (اليهودية) السنوية في كنيس الغريبة في جزيرة جربة". وتعرض كنيس الغريبة يوم 11 نيسان/أبريل 2002 لهجوم انتحاري بشاحنة مفخخة أسفر عن مقتل 21 شخصًا (14 سائحًا ألمانيًا و5 تونسيين وفرنسيين اثنين) وتبناه أسامة بن لادن. وكان للاعتداء انعكاسات كبيرة على السياحة في تونس.
وتوجّه الرئيس التونسي منصف المرزوقي إلى الغريبة يوم 11 نيسان/أبريل 2012 مع سفيري فرنسا وألمانيا بتونس لإحياء الذكرى العاشرة للاعتداء على الكنيس. وكان المرزوقي أول رئيس تونسي يزور الكنيس بشكل رسمي.
ووصف بيريز الطرابلسي رئيس هيئة كنيس الغريبة تحذيرات هيئة مكافحة الإرهاب الإسرائيلية بأنها "لم تكن في محلها"، لأن تونس اتخذت هذا العام إجراءات أمنية "أكبر من المعتاد" لتأمين موسم الحج وفق تعبيره. ولاحظ أن العديد من الإسرائيليين كانوا يستعدون لزيارة الغريبة، إلا أنهم تراجعوا بعد صدور تحذيرات هيئة مكافحة الإرهاب الإسرائيلية.
وذكر أن عدد الحجاج الإسرائيليين كان يصل إلى الألف في مواسم الحج قبل سقوط نظام بن علي، الذي أعفى منذ سنة 2005 حاملي الجنسية الإسرائيلية من ترك جوازات سفرهم لدى شرطة المطارات التونسية، على أن يستعيدوها عند مغادرتهم البلاد. ويتوافد هؤلاء إلى تونس في رحلات جوية تنطلق من مطارات مصر والأردن وتركيا وأوروبا، لعدم وجود رحلات مباشرة بين تونس وإسرائيل، اللتين لا تقيمان علاقات دبلوماسية.
وكان البلدان تبادلا سنة 1996 مكتبين لـ"رعاية المصالح" أغلقتهما تونس سنة 2000 (تنفيذًا لقرارات القمة العربية المنعقدة في القاهرة) احتجاجًا على قمع إسرائيل الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وقال بيريز الطرابلسي "سواء شارك حجاج من إسرائيل أم لا، فالمهم هو أننا نجحنا هذا العام في إعادة تنظيم الحج، لأن هذا الامر سيكون حاسمًا بالنسبة إلى المستقبل".
وصرحت سيدة يهودية تدعى "أني قابلة" لوكالة فرانس براس إنها تشارك في حج سنة 2012 "تضامنًا" مع تونس، رغم أنها غير ملتزمة بشعائر الديانة اليهودية على حد تعبيرها. وأضافت "لن نترك مجموعات صغيرة تفرض علينا قانونها"، في إشارة إلى جماعات دينية تونسية متشددة رددت في الفترة الماضية شعارات غير معتادة معادية لليهود.
وفي كانون الثاني/يناير الماضي، دعا متطرفون إلى "سحق اليهود" خلال زيارة أداها إلى تونس القيادي في حركة حماس إسماعيل هنية. وتكرر رفع شعارات معادية لليهود في شباط/فبراير أثناء زيارة الداعية المصري وجدي غنيم.
وفي 25 آذار/مارس الماضي دعا شيخ سلفي خلال تظاهرة في شارع الحبيب بورقيبة الرئيس وسط العاصمة تونس الشباب التونسي إلى "التدرب" من أجل "قتال اليهود". وأقام روجيه بيسموث رئيس الطائفة اليهودية في تونس دعوى قضائية يوم 29 آذار/مارس 2012 ضد الشيخ السلفي، الذي لم تعرف هويته بعد، فيما دانت الحكومة ومنظمات غير حكومية بشدة التحريض على قتال اليهود. وبحسب روايات يهود جربة، ترقد في كنيس الغريبة واحدة من أقدم نسخ التوراة في العالم.
وداخل الكنيس تقول لافتة مكتوبة بأربع لغات (العربية والانكليزية والفرنسية والألمانية) "يرجع عهد هذا المقام العتيق والمقدس المعروف بالغريبة إلى عام 586 قبل الحساب الأفرنجي، أي منذ خراب الهيكل الأول لسليمان تحت سلطة نبوخذ نصر ملك بابل، وقد وقع ترميمه عبر العصور".ويقول بيريز الطرابلسي إن اليهود يحجون إلى كنيس الغريبة منذ حوالى 200 عام لإقامة طقوس دينية واحتفالات "الهيلولة".
وتتمثل الاحتفالات في إقامة صلوات وإشعال شموع داخل الكنيس والحصول على "بركة" حاخاماته وذبح قرابين (خراف) والغناء في أجواء من الفرح وتناول نبيذ "البوخة" المستخرج من ثمار التين، والذي يشتهر بصناعته يهود تونس دون سواهم.
وتتوج مراسم الحج بدفع "المنارة"، وهي مصباح كبير مصنوع من الفضة ومثبت فوق عربة ذات عجلات، يتنافس الزوار على دفعها، والتنقل نحو معابد يهودية أخرى قريبة، قبل العودة بها إلى كنيس الغريبة. ويعلق الحجاج على المنارة أغطية رأس معقودة بعدد الأمنيات المعبر عنها في مجالات الصحة والسعادة والإنجاب وغيرها.
وقرر المنظمون هذا العام أن لا يتجاوز دفع المنارة عشرات الأمتار عند البوابة الخارجية للكنيس في إجراء رجّح مراقبون أن تكون دوافعه أمنية.
وتوجد في تونس أهم طائفة يهودية في العالم العربي. ويعيش في البلاد نحو 1500 يهودي، يقيم معظمهم في جزيرة جربة بحسب بيسموث. وقبل استقلالها عن فرنسا سنة 1956، كان يعيش في تونس 100 ألف يهودي غادروا البلاد بعد الاستقلال نحو أوروبا وإسرائيل.