الحج اليهودي إلى كنيس الغريبة : أمنيات من أجل تونس الجديدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تونس: "الاهي اجعل أبواب (كنيس) الغريبة مفتوحة دائما واِحمِ تونس من كل سوء"، دعاء تضرعت به اليهودية التونسية إيرين تاتيا (75 عاما) وهي تضع "بيضة الأماني" داخل مغارة صغيرة شقت في جدار بكنيس الغريبة اليهودي في جزيرة جربة التونسية (جنوب شرق).
وكتابة الأماني الشخصية على قشرة بيضة واحدة مسلوقة أو أكثر ووضعها داخل المغارة، من الطقوس التي يمارسها اليهود خلال الزيارة السنوية إلى كنيس الغريبة الذي يعد أقدم معبد يهودي في إفريقيا.
وبحسب الاسطورة، فان كل الاماني التي يدونها الزوار على البيض الذي يضعونه في مغارة الكنيس تتحقق، ما جعل بعضا من المسلمين يعتقدون في "بركة" كنيس الغريبة ويشاركون اليهود ممارسة هذا الطقس.
وتقول لافتة معلقة داخل الكنيس ومكتوبة بأربع لغات (العربية والانكليزية والفرنسية والألمانية) "يرجع عهد هذا المقام العتيق والمقدس المعروف بالغريبة إلى عام 586 قبل الحساب الافرنجي أي منذ خراب الهيكل الاول لسليمان تحت سلطة نبوخذ نصر ملك بابل وقد وقع ترميمه عبر العصور".
وردد زوار أهازيج وأناشيد دينية بالعبرية داخل الكنيس احتفاء بزواج سيلفان مارسينو الذي قدم خصيصا من المغرب للاحتفال بزواجه في المعبد.
قال سيلفان لفرانس برس "نحن (اليهود) متمسكون بأماكن عبادتنا، والاحتفال بزواجي هنا يعني أننا في أمان ولا نستسلم للخوف".
والخميس الماضي نصحت هيئة مكافحة الارهاب الاسرائيلية، الاسرائيليين "بالامتناع عن السفر إلى تونس" لوجود "خطر كبير في جزيرة جربة".
وبحسب الهيئة فان "معلومات تشير الى استعدادات لشن عمليات ارهابية في تونس ضد أهداف اسرائيلية ويهودية، وخصوصا ضد الزوار الاسرائيليين الموجودين في جربة".
ووصف بيريز الطرابلسي رئيس هيئة كنيس الغريبة التحذيرات الإسرائيلية بأنها "لم تكن في محلها" ملاحظا أن العديد من الاسرائيليين كانوا سيأتون إلى جربة لكنهم تراجعوا بعد صدور التحذيرات.
ويستمر الحج إلى كنيس الغريبة يومين ويبدأ عادة في اليوم ال33 من الفصح اليهودي .
وألغي الحج سنة 2011 بسبب الظروف الامنية في تونس بعد "ثورة الحرية والكرامة" التي أطاحت في 14 كانون الثاني/يناير من نفس العام بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وجرى حج هذا العام الذي شارك فيه 1500 يهودي وسط إجراءات أمنية مشددة.
وقال الطرابلسي ان 500 زائر جاؤوا من أوروبا وزائرا وحيدا من اسرائيل والبقية يهود تونسيون.
وصرح هايام وهو من يهود جزيرة جرية "المهم ان الحج استؤنف هذا العام دون حوادث وهذا ضمان ليعود الحجاج بكثرة إلى جربة في المستقبل".
ويثير صعود تيارات إسلامية متشددة في تونس بعد الإطاحة بنظام بن علي مخاوف اليهود التونسيين وقلقهم.
وقال طالب بالمدرسة التلمودية في "الحارة الكبيرة" (أكبر حي يهودي في جربة) "أوصانا مدرسنا بعدم المجيء إلى الغريبة لأنه ستكون هناك تظاهرات خطيرة".
وفي الاشهر الثلاثة الأولى من سنة 2012 ردد متطرفون شعارات معادية لليهود غير معتادة في تونس.
ودعا متطرفون إلى "سحق اليهود" خلال زيارة أداها إلى تونس القيادي في حركة حماس اسماعيل هنية في كانون الثاني/يناير ، وأثناء زيارة الداعية المصري وجدي غنيم في شباط/فبراير . وفي آذار/مارس دعا شيخ سلفي خلال تظاهرة بشارع الحبيب بورقيبة الرئيسي وسط العاصمة تونس الشباب التونسي إلى "التدرب" من أجل "قتال اليهود".
وصرح مدرس يهودي تونسي "هؤلاء المتطرفون سيجبروننا على التحول إلى صهاينة رغم أنوفنا" قائلا "نريد أن نعامل كمواطنين تونسيين مكتملي الحقوق".
وقال الزائر الاسرائيلي الوحيد الذي يشارك في حج هذا العام إنه جاء رغم تحذيرات هيئة مكافحة الإرهاب الاسرائيلية حتى "يكتشف صورة تونس الجديدة" التي يحكمها إسلاميون منذ فوز "حركة النهضة" بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011.
وأقر الزائر الذي طلب عدم نشر اسمه بأن "صعود الاسلاميين في دول الثورات العربية يثير قلق اليهود والاسرائبليين".
وقال "هذا شيء مؤسف لأن أمام الاسلاميين فرصة لإظهار الصورة الحقيقية (الايجابية) للاسلام".
ويقول بيريز الطرابلسي إن اليهود يحجون إلى كنيس الغريبة منذ حوالي 200 عام لإقامة طقوس دينية واحتفالات "الهيلولة".
وتتمثل الاحتفالات في إقامة صلوات وإشعال شموع داخل الكنيس والحصول على "بركة" حاخاماته وذبح قرابين (خرفان) والغناء في أجواء من الفرح وتناول نبيذ "البوخة" المستخرج من ثمار التين والذي يشتهر بصناعته يهود تونس دون سواهم.
وتتوج مراسم الحج بدفع "المنارة" وهي مصباح كبير مصنوع من الفضة ومثبت فوق عربة ذات عجلات يتنافس الزوار على دفعها والتنقل بها بين معابد يهودية أخرى قريبة قبل العودة بها الى كنيس الغريبة.
ويعلق الحجاج على المنارة أغطية رأس معقودة بعدد الأمنيات المعبر عنها في مجالات الصحة والسعادة والإنجاب وغيرها.
وقرر المنظمون هذا العام أن لا يتجاوز دفع المنارة عشرات الأمتار عند البوابة الخارجية للكنيس في إجراء رجح مراقبون أن تكون دوافعه أمنية.
وتعرض كنيس الغريبة يوم 11 نيسان/أبريل 2002 لهجوم انتحاري بشاحنة مفخخة أسفر عن مقتل 21 شخصا (14 سائحا ألمانيا و5 تونسيين وفرنسيين اثنين) تبنته القاعدة.
وكان للاعتداء انعكاسات كبيرة على السياحة في تونس.
وتوجد في تونس أهم طائفة يهودية في العالم العربي.
ويعيش في البلاد نحو 1500 يهودي يقيم أغلبهم في جزيرة جربة وتونس العاصمة.
وقبل استقلالها عن فرنسا سنة 1956، كان يعيش في تونس 100 ألف يهودي غادروا البلاد بعد الاستقلال نحو أوروبا وإسرائيل.