جدل بين الحكومة والنقابات حول قانون الإضراب في المغرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فيما تصرّ الحكومة المغربية على تمرير مشروع قانون تنظيمي يتعلق بحق ممارسة الإضراب في يونيو/حزيران المقبل، ترفض المركزيات النقابية هذه الخطوة إلى حين حل مجموع المشاكل النقابية والاجتماعية العالقة.
يحيى بن الطاهر من الرباط: يرى محللون أن قضية إصدار قانون متعلق بالإضراب لا بد له أن يمر عبر حوار وطني ومقاربة تشاركية بين كل الأطراف المعنية بالموضوع.
ورغم أن كل الدساتير المغربية الصادرة منذ استقلال المغرب تنص صراحة على ضمان حق الإضراب، إلا أنالقانون الذييتعلق بحق ممارسةالاضرابظل غائبًا، هذا الغياب لازمه جدل يكاد لا ينتهي حول كيفية ممارسة الحق في الإضراب كمكسب يضمنه الدستور، لكن من دون تفاصيل تذكر.
في رأي الباحث في القانون الدستوري بنيونس المرزوقي أنه في ما يتعلق بقوانين الحقوق والحريات بصفة عامة المنصوص عليها في الدستور، تكون هناك دائمًا إشارة إلى أن هذه الحقوق والحريات لا يمكن الحدّ منها إلا بالقانون. وهذه الإحالة الواردة في العديد من الوثائق الدستورية تجعل مجال تنظيم الحقوق والحريات مجالاً تشريعيًا، والمشرع عندما يتدخل يراعي في ذلك المعايير الدولية والاتفاقيات والمعاهدات التي وافقت عليها الدولة.
وأضاف الباحث لـ"إيلاف": "الذي وقع بالنسبة إلينا في المغرب، هو أن هذا الحق قد تم التنصيص عليه منذ أول دستور للمملكة المغربية، ألا وهو دستور 1962، إلا أنه بقي على حاله منذ ذلك التاريخ، ولم يظهر إلى الوجود، رغم إعادة التأكيد عليه في كل من دساتير 1970 و1972 و 1992 و1996 قبل أن يتم التأكيد عليه مرة أخيرة في الدستور الحالي".
وفي اعتقاد الباحث في القانون الدستوري، فإن الذي عطّل هذا القانون هو طبيعة الظروف السياسية التي مر بها المغرب. إلا أن الباحث، وفي محاولة منه لملامسة جوهر الجدل الدائر حول قانون الإضراب الذي يلاقي اعتراضات قوية من قبل المركزيات النقابية المؤثرة، يرى أنه "من ناحية الدولة ينبغي أن تقدم هذا المشروع، سواء كمشروع قانون من قبل الحكومة إلى البرلمان أو أن يتخذ البرلمان المبادرة عن طريق مقترح قانون، ولكن هذا لم يحدث لأن المجال النقابي كان دائمًا يعاني تجاذبات وصراعات استمرت لفترة طويلة، ووصلت إلى حد الإعلان عن إضرابات عامة كما لاحظنا مع بداية التسعينيات من القرن الماضي، وبالتالي فالجو لم يكن يسمح بطرح هذا الموضوع على طاولة المفاوضات".
في البداية، كان هناك حديث عن تجديد قانون العمل، الذي كان قد صدر في وقت لاحق، "وبالتالي لم يعد هناك ما يمنع من إثارة هذا الموضوع"، يضيف الباحث. ويلخص الباحث تعبيرات الجدل الدائر حاليًا في وجهتي نظر متعارضتين.
وقال لـ"إيلاف": "هناك من يرى أن الأسبقية يجب أن تعطى لقانون النقابات، ثم يليه قانون الإضراب، وهناك من يرى أن قانون الإضراب لم يحن موعده، لأنه، قبل صياغته وإخراجه إلى حيز التنفيذ، يجب أن تكون هناك مكتسبات لفائدة الطبقة العاملة ولموظفي الإدارات العمومية والجماعات المحلية، لتحقيق حد أدنى من المعايير الدولية في هذه المطالب، لأنه بالنسبة إليها لا يعقل أن نتشبه بالدول الأخرى في مجال القانون التنظيمي للإضراب، ولكن يجب أن نترك الجوانب الأخرى، التي أهمها توصيات منظمة الشغل الدولية والاتفاقيات والتوصيات التي تصدر من هذه المنظمة".
منذ الحكومات المغربية السابقة كانت دائمًا توجد بعض المشاريع الأولية التي تظهر، لكنها سرعان ما تختفي، لأنه لا يتم اعتمادها رسميًا، لكن من خلال تجربة هذه الحكومات، تبين أن هناك نصين جاهزين: النص المتعلق بإعادة تنظيم العمل النقابي، لأن النقابات لاتزال تخضع لظهير يعود إلى سنة 1957، وبالتالي فهو قانون متجاوز بحكم التغيّرات التي شهدها المغرب وأيضًا المتغيّرات الدولية.
في مرحلة أولى، كان الجدل حول من له الأولوية: هل القانون المنظم للنقابات أم قانون الإضراب؟، إلا أنه الآن مع حكومة بنكيران، يؤكد الباحث: "هناك وضوح في التصور للبرنامج التشريعي، وبما أن قانون الإضراب هو قانون تنظيمي، وأن الحكومة هذه المرة وكذلك الأجهزة المختصة بالتشريع ملزمة بهذه القوانين التنظيمية خلال تلك الولاية تماشيًا مع روح الدستور الجديد، يجب أن تصدر كل القوانين التنظيمية المتممة والمكملة للدستور بما في ذلك قانون الإضراب، لذلك يبدو أن الحكومة الآن تعتزم إصدار هذا القانون في وجود أصوات نقابية لها مواقف مختلفة".
ويعتقد الباحث أن أي حكومة لا يمكن أن تصدر هذا القانون من دون مقاربة تشاركية، وبالتالي يجب أن يقع حوله نوع من التوافق، والذي يعتبر بمثابة استمرار للتوافق الذي تم بخصوص مدونة الشغل. من جهة أخرى، أشار المرزوقي إلى ما اعتبره "جزئية مهمة"، وهي التي يتم عليها التركيز في النقاش الحالي، "ربما تكون هي التي أفاضت الكأس"، كما قال.
وأوضح المرزوقي: "أن نجاح الإضرابات النقابية في المغرب حتى الآن، يعود إلى كون المضربون يتلقون أجورهم، ولا يتم اقتطاعها منهم، وبما أنه في العديد من التجارب الدولية المضرب تقتطع أجرته، لأن يوم الإضراب ليس يوم عطلة أو ما شابه، كما إن إدخال الحكومة هذه النقطة في مشروع قانون الإضراب المرتقب، ربما تكون هي النقطة التي أفاضت الكأس، لأنه آنذاك قد تتخلخل الأوراق داخل المركزيات النقابية، لأن الزخم الذي تنجح به الإضرابات سوف يقلّ بشكل كبير، ولا أعتقد أن جميع الشغيلة العاملة والموظفين العموميين الذين سيدركون أنه سيتم الاقتطاع من رواتبهم أثناء ممارستهم الإضراب سيقدمون بحماسة على الإضراب، كما إن النقابات من جهتها ستكون غير مستعدة لهذه الوضعية في افتقادها معايير دولية، حيث سيلزمها وقت، على ما أعتقد، لتكوين صناديق للإسعاف المتبادل، لأن الدعوة إلى الإضراب قد تحفز العامل إذا كانت النقابات ستسدد أجرة يوم الإضراب، وهذا ما يستلزم وقتًا طويلاً من النقابات لتدبير مواردها الخاصة".
من جانب آخر، قال محمد دعيدعة، مستشار برلماني في الفريق الفيدرالي (الفيدرالية الديمقراطية للشغل): "إن اعتراضنا على مشروع قانون الإضراب ليس اعتراضًا من حيث هو قانون، ولكننا نريد أن يكون برؤية سياسية شاملة، وأن يكون نتيجة حوار وطني تفاوضي توافقي بين أطراف الإنتاج الثلاثة المكونة من الحكومة والمركزيات النقابية ومن أرباب العمل".
وأضاف دعيدعة لـ"إيلاف": "أيضًا هناك شروط هي من الأولويات يجب أن تكون قبل البث في قانون الإضراب، منها المصادقة على المعاهدة الدولية 1987 المتعلقة بالحقوق النقابية وحرية الممارسة النقابية، وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، الذي يتم الاستناد إليه في محاكمة المناضلين النقابيين بدعوى عرقلة العمل".
وشدد على ما أصبح يتطلبه قانون الوظيفة العمومية "من مراجعة جذرية، وإعادة النظر في منظومة الأجور واحترام مقتضيات مدونة الشغل"، معتبرًا أن تحقيق هذه الشروط هو السبيل لأجل أن" يكون هناك قانون للنقابات وقانون للإضراب نتيجة لحوار وطني". وأكد على أن "ما تراه الحكومة المغربية اليوم أولوية في حديثها عن قانون الإضراب نعارضه".
من جهتها، اعتبرت القيادية في المنظمة الديمقراطية للشغل فاطنة أفيد أن الدستور المغربي الجديد يتضمن أكثر من عشرة قوانين هي بحاجة إلى نصوص تنظيمية، قبل أن تتساءل: "فما معنى، وفي مثل هذه الظروف، الإسراع في تشريع نص تنظيمي متعلق بالإضراب؟". تكرر الجدل بخصوص التشريع لقانون تنظيمي متعلق بالإضراب في المغرب خلال العقدين الأخيرين من دون أن يفضي إلى نتائج تذكر، حيث عجزت الحكومات المتعاقبة خلال تلك الفترة عن إصداره.
وأوضحت أفيد ذاك العجز لـ"إيلاف" قائلة: "لأن هناك أولويات يجب الأخذ بها، منها احترام قانون العمل،"لأن 80 في المئة من الإضرابات في المغرب كان دافعها الأساسي هو عدم تطبيق قانون العمل على مستوى القطاع الخاص"، تضيف مؤكدة. ولا تتوقع أفيد صدور المشروع.
وخلصت القيادية النقابية إلى أن مسألة إقرار نص تنظيمي للإضراب هو أمر مرفوض بالنسبة إلى المنظمة الديمقراطية للشغل، التي تمثلها، "ونقابات أخرى - كما قالت- إلا من هم في صف أرباب العمل، ونعتبر الإضراب حقًا، والحقوق تبقى حقوقًا، والحرية ينبغي ألا تقنن"، قبل أن تؤكد على ضرورة أن تبادر الحكومة المغربية بإيجاد الحلول الحقيقية للمشاكل الاجتماعية وتحرص على تطبيق قانون العمل.