روسيا والناتو: شد وجذب بين الطرفين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
موسكو: على هامش لقاء القمة لحلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي عقد في مدينة شيكاغو على مدى اليومين الماضيين طرحت من جديد في الأوساط الاوروبية قضية العلاقة بين روسيا وحلف شمال الاطلسي "الناتو" وما أثمرت عنه محاولات الأعوام الماضية من الشد والجذب بين الطرفين.
فعلى مدى عشرين عاماً وحلف شمال الأطلسي "الناتو" يتودد إلى الكرملين، ولكن النتيجة حتى الآن مخيبة للآمال فقد أكد الحلف مراراً بأنه لا ينظر لروسيا على اعتبارها تشكل تهديداً، حتى أن الحلف قد ألغى فكرة نشر أسلحة نووية في الدول التي كانت يوماً جزءاً من الامبراطورية السوفيتية، أي أن الحلف بشكل عملي سعى حثيثاً ومازال إلى ألا يسيء لروسيا، وانه خلال الأعوام الأولى بعد انضمام دول جديدة لعضوية الناتو عام 2004م، لم يقم الحلف بعمل أي خطط لدفاعهم.
وعلى الرغم من ذلك فإن سلوك روسيا اتجاه الناتو قد ازداد استياء حتى أن رئيس أركان القوات الروسية نيكولاي ماكاروف تحدث منذ فترة قريبة وبشكل مباشر وعلني عن ضربة ضد شبكة الصواريخ الأميركية الدفاعية المستقبلية في بولندا ورومانيا، وبشكل متعمد أجرت روسيا تدريباتها العسكرية على الحدود الملاصقة لدول أعضاء في الحلف.
ويقول المحلل السياسي نيكولاي كريستيف في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية "قنا" إن العائد مجدداً إلى الكرملين فلادمير بوتين أظهر أنيابه من جديد للغرب ورفض حضور لقاء قمة الناتو في شيكاغو بالولايات المتحدة الأميركية وأيضاً رفض حضور لقاء مجموعة الثمانية على الرغم من أن الأميركيين المضيفين للقاء مجموعة الثمانية ولراحته ومجاملته في نفس الوقت قد نقلوا موقع اللقاء من مدينة شيكاغو إلى كامب ديفيد، إلا أنه على ما يبدو أن هناك قواعد متبقية من التفكير إبان الحرب الباردة مازالت تحكم منطق الحركة الروسية أو "البوتينية".
ويتسائل كريستيف وبناء على هذه الوضعية ماذا يمكن أن يتم عمله؟ ويستطرد في معرض إجابته أن البعض يعارضون بشكل علني الوضع الحالي والاستمرار في التودد المبالغ فيه لروسيا، بينما يرى البعض في الكواليس الخلفية أن هناك صفقة تتبلور ملامحها في أن واشنطن توقفت عن أن تكون عقبة أمام روسيا في أوروبا وفي مقابل ذلك يتساهل الكرملين في موضوعات تعد أكثر أهمية للولايات المتحدة وعلى سبيل المثال مثل الاتفاقية الجديدة للأسحلة النووية وهذا سيتطلب من الولايات المتحدة تغييراً كاملاً في خططها الخاصة بشبكة الصواريخ الدفاعية إضافةً الى تراجعها عن إقامة قواعد في الدول السوفيتية السابقة.
وعلى جانب آخر يرى بعض المراقبين العسكريين أن إظهار حالة أكبر من الضعف أمام روسيا يمكن أن يؤدى إلى إفشال الخطط الرامية إلى تنفيذ المناورات التدريبية العسكرية لحلف شمال الاطلسي "الناتو" في أوروبا المقرر لها العام القادم حيث أنه في حال إجرائها ستكون أكبر وأضخم مناورات تدريبية منذ نهاية الحرب الباردة.
وإن هذه المناورات إلى حد كبير ستكون صورة طبق الأصل للمناورات الروسية المقلقة التي أجريت عام 2009م والتي أجريت على التقليد والتدريب على غزو لدول البلطيق وبينما كانت الأيام الأخيرة من المناورة تقليداً واستعراضاً على التدريب لغزو العاصمة البولندية وارسو.
من جهته، رأى المحلل العسكري البلغاري العقيد ديميتر يونشيف في تصريح لـ"قنا" أن مثل هذا التودد لموسكو وبهذه الطريقة يعد خطأ لا يجب التمادي فيه حيث ان خطط شبكة الصواريخ الدفاعية الاميركية ليست موجهة إلى روسيا وانما إلى ايران إضافة إلى أنها رهان على جدية النوايا اتجاه أوروبا. فإن أي تلميح أو اقتراح يمكن أن يتحول إلى ورقة مساومة تقلق هؤلاء الناس في بولندا وأي جانب آخر، من الذين يشعرون بالشك في استمرارية التعاون بين الولايات المتحدة وأوروبا.
ويرى يونشيف أن الأصوات وجلجلة الأسلحة القادمة من روسيا ليست بهذا الحجم من وجهة النظر العسكرية حتى مع الزيادة الكبيرة المعلنة من موسكو لميزانية الدفاع العسكري خلال الأعوام الأخيرة الماضية، والوعود بتخصيص مبالغ أكبر هائلة في المستقبل فإن موسكو لا يمكن أن تكون خصماً معادلاً لحلف شمال الاطلسي "الناتو" الموحد.
بينما يرى الأكاديمي والمحلل العسكري استيفان استويانوف عضو المكتب التنفيذي لنادي حلف شمال الأطلسي أن سلوك روسيا يظهر في الغالب تعاملاً غير مريح ورغبة دائمة في الشجار وأن الرد الصحيح من الناتو يجب أن يكون عدم الانتباه لهذا الضجيج الروسي والتخطيط العملي لتنفيذ المناورة العسكرية المخطط لها بكل الوسائل التعليمية والتدريبة الدفاعية اللازمة، مما يعكس إظهار الموقف الحاسم للحلف العسكري وبالتالي سيعمل على تقوية عنصر الأمن، حيث إن اظهار الود الذي يعطي صورة للضعف سوف يعمل فقط على تشجيع وتحفيز روسيا على أن تتخذ مواقف أكثر عصياناً.
ويقول إن المفارقة في كل هذا أن روسيا يجب أن تكون الجانب الأكثر قلقاً من أعداء في الشرق والجنوب أكثر من قلقها من حلف شمال الأطلسي، إضافة إلى أن الحلف يعاني من تراكم المشاكل سواء عدم كفاية التمويل المالي لخطط وبرامج الدفاع، والانسحاب من أفغانستان، والمحور الاميركي في آسيا، وإذا كانت روسيا لم تستعد الجمهوريات السابقة في الاتحاد السوفيتي ضدها في التسعينات من القرن العشرين فربما لم يكن هناك وجود للناتو اليوم، إلا أن الأحداث والحظ السعيد لم تسمح بحصول ذلك.