بين "اللا حرب واللا سلم" السودانيون في حال من المراوحة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
استؤنفت المفاوضات بين السودان وجنوب السودان بشأن وضع خارطة الطريق والتي تتطلب انسحاب القوات المسلحة من بعض المناطق المتنازع عليها، وغيرها من النقاط وسط تزايد مخاوف الولايات المتحدة الأميركية والصين من انزلاق الخرطوم وجوبا إلى حرب كارثية.
بيروت: المفاوضات الجارية في الوقت الراهن بين جوبا والخرطوم بشأن وضع خارطة الطريق التي ترتكز على سبع نقاط أساسية، تتطلب انسحاب القوات من المناطق الحدودية المتنازع عليها، ووضع آلية مشتركة لرصد وإنهاء الدعم السري للجماعات المسلحة.
في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ "نيويورك تايمز" إلى أن مجلس الأمن أعطى المفاوضين مهلة شهرين لمعالجة القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان وعلى رأسها قضية عائدات النفط.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذه المفاوضات تأتي عقب احتدام الخلاف بين حكومتي الخرطوم وجوبا منذ أقل من شهرين، لافتة إلى تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير الساخرة من حكومة جوبا حيث وصفها بـ "الحشرة التي يجب القضاء عليها"، غير أن وزير جنوب السودان للمعلومات ماريال بينجامين، صرّح بأن المفاوضات التي يتم إجراؤها في أثيوبيا تسير بشكل جيد.
وعلى الرغم من أن المحللين في السودان توقعوا أن الخرطوم وجوبا لن يصعّدا الخلافات بينهما إلى مستوى الحرب بسبب أنظار المجتمع الدولي الموجهة نحوهما، إلا أنهم استبعدوا أيضاً التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين الجانبين.
ونقلت الصحيفة عن جون فول، المحاضر في جامعة جورجتاون في قسم التاريخ الإسلامي والمتخصص في تاريخ السودان، قوله "ليس هناك تحسن في العلاقات بين السودان وجنوب السودان بشكل كبير في الوقت الراهن"، معتبراً أنّ النمط الحالي من أعمال العنف على مستوى منخفض، قد يكون نهجاً مستمراً في العلاقات بين الخرطوم وجوبا.
واعتبر فول أن تصريحات البشير حول سعي جوبا لإسقاط النظام في السودان ودعم المسلحين السودانيين وتعهده الرد بالمثل على المحاولات الرامية لزعزعة الاستقرار، تدل على أن التوترات ستظل قائمة بين الخرطوم وجوبا على الرغم من المفاوضات الجارية.
فرحة جنوب السودان باستقلاله لم تدم طويلاَ، فهناك قضايا كثيرة لم يتم حلها إذ سرعان ما بدأ الشجار المرير بين السودان وجنوب السودان حول كيفية ترسيم الحدود وتقاسم عائدات النفط. وما زاد الأمور هو التمرد العنيف في جبال النوبة، والتي تقع على الجانب الاخر من الحدود في السودان.
ويعتبر المقاتلون النوبيون حلفاء مقربين من المتمردين الجنوبيين، وكانت هناك أدلة على أن حكومة جنوب السودان الجديدة تعمل سراً على تزويدهم بالدبابات والمال ومقاتلي الميليشيات.
في الوقت نفسه، بدأ الخرطوم تسليح ميليشيات عرقية في الجنوب والتي قتلت الآلاف في السنوات القليلة الماضية، وجعلت قوات الأمن الجنوب سودانية موضع سخرية.
في كانون الثاني (يناير) خفض جنوب السودان من إنتاج النفط، وهو إجراء يهدف إلى إيذاء الخرطوم، لكنه ترك تداعيات جسيمة على الداخل أيضاً إذ إن حكومة الجنوب تحصل على 98 في المئة من عائداتها من مبيعات النفط. وقد يؤدي هذا التوقف إلى عجز الحكومة عن دفع الرواتب للجيش بسبب نقص السيولة، الأمر الذي يتفق الجميع على أنه سيكون بمثابة قنبلة موقوتة.
في نيسان الماضي، اندلع القتال بين الشمال والجنوب على طول الحدود. وعندما تفاخر البشير بأنه "سيخصب التراب بالموتى"، فاجأ جنوب السودان جميع المراقبين عن طريق الاستيلاء على منطقة هجليج، واحدة من حقول النفط في السودان التي لا تزال مشتركة بين الدولتين.
ويبدو أن كل الضغوط الداخلية والانقسامات في الشمال، بما في ذلك استمرار التمرد في إقليم دارفور، قد أضعفت السودان وجيشه. فالبشير يعاني مشاكل عدة في بلاده، من بينها ارتفاع معدلات التضخم، والاحتجاجات في المناطق الحضرية وعزلته الدولية.
ويكافح السودان في ظل عقوبات اقتصادية صارمة لسنوات، فيما يعتبر البشير مطلوباً من قبل المحكمة الجنائية الدولية بشأن اتهامات بالابادة الجماعية عن المذابح في دارفور.
ويخشى محللون ان الحرب ستكون شريان الحياة الذي يحتاجه، وبأن بلاده سوف تحشد وراءه. قد يكون ذلك صحيحاً أيضاً لرئيس جنوب السودان سالفا كير، الذي يواجه استياءً متصاعداً وشحذاً للانقسامات العرقية في بلاده الجديدة.
ونقلت الصحيفة عن مريم الصادق المهدي، شخصية سياسية معارضة في الخرطوم، قولها: "كلا الجانبين لديه مصلحة في الحرب. إنها الطريقة الوحيدة بالنسبة لهم للخروج من المشاكل الداخلية التي لا يستطيعون التعامل معها".
ويبحث الجانبان الآن في "خارطة طريق" من سبع نقاط تتضمن الانسحاب من المناطق الحدودية المتنازع عليها، ووضع آلية مشتركة للمراقبة وإنهاء الدعم السري للميليشيات. وقد أعطى مجلس الأمن المفاوضين شهرين آخرين لمعالجة القضايا الحساسة مثل النفط، على الرغم من وجود فجوة كبيرة بين الطرفين، فالشمال يريد أكثر من 30 دولارًا للبرميل كرسوم عبور والجنوب يعرض دولاراً واحداً فقط.
ويتوقع العديد من المحللين أن يتم التوصل إلى حل وسط للنفط، لكن النزاعات الإقليمية الأكثر تعقيداً قد تحتاج إلى التحكيم الدولي، الذي قد يستغرق سنوات. وخلال ذلك، يتوقع المحللون المزيد من النزاعات ومحاولات رأب الصدع، ومزيدا من العنف يليه وقف إطلاق النار. والمشكلة الأكثر وضوحاً هي انعدام الثقة من الجانبين.