بريطانيا ساحة لأكبر مهرجان في يوبيل الملكة الماسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تحولت بريطانيا إلى ساحة عملاقة لمهرجان رسمي وشعبي لمناسبة إكمال الملكة اليزابيث الثانية 60 عامًا على العرش. وبالطبع، فإن حدثًا كهذا لا يمر إلا بذكر تكاليفه المالية والأمنية في هذا الزمن الصعب. لكن لا شيء يخبئ جو الاستثارة العام الذي يقول المدافعون إنه، وحده، لا يقدر بثمن.
صلاح أحمد: على مدى الأيام الأربعة الماضية، بلغت بريطانيا، والدول المنضوية تحت لواء "الكمونولث" المؤسس في 1931، قمة احتفالاتها باليوبيل الماسي (60 عامًا) لخلافة إليزابيث الثانية أباها على العرش إثر وفاته في 6 فبراير/شباط 1952 وحفلة تتويجها رسميًا في 2 يونيو (حزيران) 1953.
عطلة اليوبيل
اعتبرت هذه الأيام الأربعة عطلة قومية متصلة (وهذا بحد نفسه حدث نادر) سميت "عطلة اليوبيل"، وكانت أهم الأحداث التي شهدتها كما يلي:
السبت 2 يونيو/حزيران: بدأت الملكة الاحتفالات بحضورها داربي ايبسون السنوي في مقاطعة ساري، وهو أشهر سباقات الخيل البريطانية ويعود تاريخه إلى العام 1779، وقدمت في هذا السباق "كأس التتويج" الذي ابتدع احتفالاً بتولي ادوارد السابع العرش في 1902.
الأحد 3: تجمع أسطول نهري من أكثر من ألف زورق وقارب ويخت على مياه التيمز لتحية الملكة التي استقبلته على ظهر البارجة الملكية تحت جسر البرج "تاور بريدج". وسارت معه في موكب شهده عدد يقدر بأكثر من 1.25 مليون شخص اصطفوا على ضفاف التيمز في لندن... وكان هذا رغم البرد وهطول المطر بلا انقطاع تقريبًا. وفي مختلف مدن البلاد وبلداتها وقراها أقام المواطنون حفلات غداء مفتوحة في الشوارع.
الاثنين 4: أعلن قصر باكينغهام أن زوج الملكة دوق أدنبره الأمير فيليب (90 عامًا)، الذي رافقها حتى ذلك الوقت في كل المناسبات، نقل إلى المستشفى لإصابته بالتهاب طفيف في المثانة، وأنه سيبقى فيه بضعة أيام، لإكمال علاجه وبقية الفحوصات الطبية الروتينية. على أن هذا لم يخمد بريق الاحتفالات. فعند الظهيرة شهدت حديقة قصر باكينغهام أكبر حفلة غداء شعبية قدم فيها القصر مأكولات "النزهة" لنحو 10 آلاف شخص من العامّة اختيروا بالانتخاب الشعبي.
ثم شهدت الساحة أمام القصر حفلة غنائية شارك فيها عمالقة النجوم من أمثال توم جونز وستيفي وندر وشيرلي باسي وبول مكارتني وإلتون جونز، وامتدت مساحة حضورها (نحو 150 ألف شخص) بطول جادة مال المنتهية بالقصر نفسه. وفي ختام الحفلة أضيء أكثر من ألفين من المشاعل حول العالم، وتتوج هذا نفسه بإضاءة الملكة مشعلها أمام القصر.
الثلاثاء 5: في هذ اليوم الختامي لعطلة اليوبيل تجمع أفراد العائلة المالكة وضيوفهم في كاتدرائية سنت بول الشهيرة في حي المال (السيتي) لقداس شكر خاطبه كبير أساقفة كانتربري مركزًا على أن هذا القداس يقام "شكرًا للرب على ملكة وهبت حياتها لخدمة رعاياها في بريطانيا والكومنولث".
تبعت هذا حفلة غداء في قصر ويستمسنتر (مقر البرلمان)، ثم موكب الخيالة الملكي، الذي توسطته الملكة على مركبة الجياد. فعادت بها إلى قصر باكينغهام. وأتت عطلة اليوبيل هذه إلى ختام بظهور للملكة وعائلتها على شرفة القصر، ثم خطاب شكر وعرفان وجّهته عبر وسائل الإعلام الى الأمة ورعاياها في الكومنولث.
على الحواشي
الواقع أن عطلة اليوبيل جاءت تتويجًا لاحتفالات تمتد بين 8 مارس/آذار الماضي حتى 19 يوليو/تموز المقبل. وتتمثل هذه الاحتفالات بشكل رئيس في جولات للملكة وممثليها (من أبنائها وأحفادها) على مختلف نواحي بريطانيا والكومنولث. وبالطبع، فإن مختلف الأشكال الاحتفالية ترافق جولات الملكة بشكل خاص من العروض العسكرية والجوية وقذائف المدفعية الشرفية إلى عروض الموسيقى والرقص الشعبية ومآدب الشوارع...
وعلى مستوى الدول فقد أقامت الملكة في 18 من الشهر الماضي مأدبة غداء في قصر قلعة ويندزور وجّهت الدعوة فيها إلى رؤوس الدول خاصة الملوك والسلاطين والأمراء، تبعها "عشاء شمبانيا" أقامه ابنها الأمير تشارلز على شرفها في قصر باكينغهام أمسية اليوم نفسه.
ووجد ما شهدته بريطانيا شبه انعكاس المرآة له في أماكن عديدة حول العالم، بما فيها 16 دولة مستقلة في الكومنولث، أكبرها أستراليا وكندا. وكانت التحضيرات للاحتفالات في هذه الدول قد بدأت على قدم وساق منذ العام الماضي، في إشارة واضحة الى أهميتها بالنسبة إليها.
غني عن القول ربما إن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، سواء في بريطانيا أوفي تلك الدولالأخرى، جعلت من المناسبة مصدرًا عظيمًا لموادها الإخبارية والتحليلية. بل إن هيئة الإذاعة البريطانية - المرتبطة تقليديًا بالمؤسسة الملكية - كانت هي المنظِّمة والقوة المحركة للحفلة الغنائية المقامة في ساحة باكينغهام أمسية الاثنين.
اقتصاد وأمن وأرقام
مناسبة بهذا الحجم لا تمر مرور الكرام على اولئك الذين يضعون نصب أعينهم حالة الاقتصاد البريطاني في هذا الزمن العالمي الصعب. وعلى سبيل المثال أشارت "فاينانشيال تايمز" الى أن عطلة اليوبيل الطويلة (إضافة الى ما يسمى عطلات البنوك التقليدية) ستؤثر سلبًا على إجمالي الناتج المحلي للسنة المالية الحالية.
ورغم أن التكلفة الحقيقية لعطلة اليوبيل وحدها تظل موضع تخمين (وهي تدور حول 275 مليون جنيه)، فالمعلوم أن القصر (وليس دافع الضرائب) ساهم في معظمها، وأن قسمًا لا بأس به منها جاء من التبرعات الشخصية. وتبعًا لمؤسسة "براند فاينانس" المالية فإن العائدات على الاقتصاد البريطاني من تدفق السيّاح على البلاد خلال أيام العطلة الأربعة وحدها تبلغ 924 مليون جنيه.
الشيء بالشيء يذكر
لا مناص من القول هنا إن المؤسسة الملكية تكلف الدولة 12.9 مليون جنيه سنويًا (إجراءات أمنية وأسفار وصيانة مبانٍ واتصالات). ويذكر أن مجلة "فوربس" قدرت ثروة الملكة الشخصية اليوم بنحو 420 مليون جنيه "فقط". لكن هذا لا يشمل الأصول الملكية من عقار ومجوهرات ومجموعات فنيّة وأراضٍ زراعية وممتلكات في سوق الأسهم. فإذا أضيفت هذه صارت المحصلة قرابة الـ20 مليار جنيه، وإن كانت الملكة عاجزة عن التصرف فيها وكأنها ملك شخصي.
بالطبع فمن شبه المستحيل أن يتم وضع رقم دقيق لثروة الملكة. وعلى سبيل المثال، يقال إن قيمة قصر باكينغهام تبلغ 5 مليارات جنيه. ولكن، بالطبع، فإن مؤسسة كهذه لا تخضع للحساب الذي يحكم سوق العقار. ولذا فلا جدوى أصلاً للحديث عن قيمة الأصول الملكية، لأنها في الواقع ليست ملكًا للأمة بماضيها وحاضرها ومستقبلها وحسب، بل للتراث الإنساني بكامله.
من أجل السلامة الملكية
في ما يتعلق بالتكاليف الأمنية، فإن الحكومة (دافع الضرائب) هي التي تولتها لحماية مناسبات اليوبيل. فخصصت لها 6 آلاف شرطي و7 آلاف مضيِّف مدني.. وهذا طبعًا من دون حساب عملاء أجهزة الاستخبارات الداخلية المكلفين بمختلف المهام، وأهمها التصدي لأي محاولات إرهابية.
كل هذا يجعل هذه المناسبة صاحبة أكبر عملية أمنية في تاريخ بريطانيا السلمي. لكنّ المدافعين يقولون - بين أشياء أخرى - إن هذه أفضل "بروفة" للتحدي الأكبر الذي ستواجهه لندن والبلاد باستضافتها اولمبياد 2012 في الفترة من 27 يوليو / تموز إلى 12 أغسطس / آب المقبلين.