السلفية والثقافة والشائعات والتوظيف: مزيج متفجر في تونس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تونس: تثير أعمال عنف وتخريب وشغب شهدتها مدن تونسية الاثنين والثلاثاء وتورط فيها سلفيون وبلطجية بحسب السلطات، تساؤلات حول دوافعها وهوية من يقف وراءها، فيما اعتبر مراقبون أن رد السلطات وتعاطيها مع هذه الأحداث كان "ضعيفا".
واندلعت أعمال العنف احتجاجا على عرض لوحات فنية "مسيئة للاسلام" الأحد الماضي في اختتام مهرجان "ربيع الفنون" السنوي بمدينة المرسى (شمال العاصمة). ومن بين اللوحات التي أثارت حفيظة سلفيين متشددين لوحة كتبت عليها عبارات "سبحان الله" بالنمل، وأخرى تجسم رحلة "الاسراء والمعراج" للنبي محمد على ظهر "البراق".
ونفى منظمون بشدة عرض لوحة "البراق" التي تم تناقلها على شبكة الانترنت واتهموا ناشطين على الانترنت بمحاولة إثارة "الفتنة". وقال راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الاسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس في مؤتمر صحافي الأربعاء "لا يقبل الإنسان أن يكتب اسمه بالحشرات فما بالك بكتابة الاسم الأعظم بالحشرات". وأضاف أنه غير متأكد إن كانت لوحة "البراق" قد تم عرضها فعلا خلال التظاهرة الفنية.
وأعلنت وزارة الثقافة أنها ستقيم دعوى قضائية على منظمي مهرجان "ربيع الفنون" لعرضهم لوحات فنية تمس بالمقدسات الاسلامية. وطالبت كتلة حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي وهي الكتلة الأكثر تمثيلا في المجلس (89 مقعدا من أصل 217) ب"تجريم الاعتداء على المقدسات الدينية" في دستور تونس الجديد.
وأعلن الغنوشي الأربعاء أن "الجمعية الوسطية للاصلاح والتوعية" (هيئة تونسية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) أرسلت الاحد عدلا منفذا (مباشرا قضائيا) ومحاميا إلى قصر العبدلية "لتسجيل المشاهد التي رأت ان فيها انتهاكا لمقدسات المسلمين واستفزازا لمشاعرهم الدينية".
وقال ان المباشر ذهب إلى مسجد يرتاده سلفيون متشددون ووزع عليهم "بيانا" قال فيه ان اعمالا فنية معروضة بقصر العبدلية "تنتهك مقدسات الاسلام" لإثارتهم. ولم يستبعد الغنوشي أن يكون المباشر من أتباع حزب "التجمع الدستوري الديموقراطي" الحاكم في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وهاجم سلفيون في ساعة متأخرة من ليل الأحد مكان العرض وحطموا بعض اللوحات. واندلعت ليل الاثنين الثلاثاء أعمال عنف وتخريب في مدن عدة تم خلالها حرق وتخريب محكمة ومراكز أمن ومقرات نقابية وأخرى تابعة لأحزاب سياسية يسارية.
وقال وزير الداخلية علي العريض إن سلفيين ومنحرفين وتجار ممنوعات شاركوا في أعمال العنف والتخريب. لكن نشطاء على شبكة الانترنت اتهموا حركة النهضة بتجنيد السلفيين لإثارة بلبلة في البلاد وتحويل وجهة الرأي العام عن "فضيحة" تسريب أسئلة امتحان البكالوريا. ويعتبر سياسيون أن السلفيين "ذراع مسلح لحركة النهضة" وأن الحكومة التي يرأسها حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة تغض الطرف عن تجاوزاتهم المتكررة للقوانين.
وردا على هذه الاتهامات قال الغنوشي "هذه من أكثر الدعايات سماجة (...) لماذا يحتاج حزب حاكم (النهضة) إلى جناح مسلح؟ إن سلاحنا هو الشرعية والقول بان السلفية جناح مسلح للنهضة كلام لا يستقيم لان السلفية في تونس ليست شيئا واحدا وهناك اختلافات كبيرة بينها". ولم تكشف أي جهة رسمية حتى الآن هوية المتورطين في أعمال العنف والجهات التي تحركهم.
وقال الباحث التونسي علية العلاني، المتخصص في قضايا السلفية في المغرب العربي لوكالة الأنباء الفرنسية "الأمور غير واضحة بالمرة، عاينت عن قرب مساء الاثنين تظاهرات في قرطاج (شمال العاصمة) شارك فيها سلفيون حقيقيون وآخرون مزيفون".
ووجهت حركة النهضة في وقت سابق اتهامات لجهات لم تسمها بتجنيد بلطجية على أنهم من "السلفية". وسبق للغنوشي ان نبه إلى انه "ليس كل من يرتدي قميصا ويحمل لحية هو سلفي".وذكر بان مجرمين وخارجين عن القانون شوهدوا ولحاهم الاصطناعية تسقط على الارض خلال تظاهرات في العاصمة تونس.
ورجح العلاني أن يكون التيار السلفي في تونس مخترقا من بقايا نظام الرئيس المخلوع، ولفت إلى وجود انقسامات داخل التيارات السلفية في تونس. وقال "منها من يريد التفاوض مع السلطات بشأن صيغ للدخول إلى الحياة السياسية مثلما يحدث في مصر، ومنها من ينتدب ويستعمل البلطجية لنشر الفوضى".
واضاف "هذه الأحداث لا تعكس بالمرة الواقع الاسلامي في البلد" الذي يعتنق سكانه المذهي المالكي المعتدل. ونفى مسؤول في تنظيم "ملتقى أنصار الشريعة" السلفي المتشدد في تصريح أن يكون أنصار التنظيم شاركوا في أعمال العنف والتخريب في اليومين الأخيرين، لكنه دعا "كل التونسيين" إلى التظاهر بعد صلاة يوم الجمعة المقبل للتنديد بالمساس بالقدسات الاسلامية.
وكان "أبو عياض" زعيم التنظيم أعلن في أكثر من مناسبة أنه ضد ممارسة أي شكل من أشكال العنف داخل تونس "لان الشعب التونسي أخرج بثورته السلفيين من السجون وأعادهم من المنافي".
وحول أعمال العنف المنسوبة إلى التيار السلفي قال المحلل السياسي أحمد المناعي "هناك كثير من التلاعب (...) في هذه الحوادث (...) هناك ملتحون حقيقيون وآخرون مزيفون، ولا أحد بما في ذلك المعارضة يلعب لعبة واضحة". وأشار الى ان تردد الحكومة في فرض القانون جعل التونسيين يشعرون بأنها "ضعيفة" او غير موجودة، لافتا الى إن رجال الامن يقولون إنهم ينتظرون التعليمات من السلطة لفرض النظام.