ردود فعل متباينة اثر"تمرد" التيار السلفي الجهادي في تونس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تشهد تونس منذ بداية الأسبوع الحالي أعمال عنف واعتداءات على مؤسسات أمنية ومواجهات شرسة بين سلفيين وقوات الأمن في مناطق متفرقة من المحافظات، احتجاجًا على ما اعتبر أنه تعدٍ على الذات الإلاهية وسخرية من الرسول،جاء ذلك تعقيبًا علىاصدار أيمن الظواهري بياناًصوتياً يدعو فيه التونسيين إلى نصرة الشريعة الإسلامية بعد تخلي حركة النهضة الإسلامية عن إدراج الشريعة كمصدر للتشريع في تونس.
تونس: تباينت ردود الأفعال بعد الانفلات الأمني الذي وصف بأنه أخطر تحرك قام به السلفيون في تونس بعد فرار الرئيس السابق بن علي، حيث اعتبر وزراء في حكومة الترويكا التي تقودها حركة النهضة وأحزاب سياسية أن ما حصل هو ردة فعل لاستفزازات عبر عرض صور من شأنها أن تمس بالمقدسات وتثير السلفيين لإثارة البلبلة في البلاد، فيما رأى شق آخر أن ما حصل هو نتيجة لتساهل الحكومة مع الانفلاتات المتكررة مما جعل البلاد محل أطماع منظمات إرهابية دولية عبر عنها الظواهري في رسالته الأخيرة .
ما يعرف بالرئاسات الثلاث (رئيس الحكومة والمجلس التأسيسي ورئيس الدولة) قالت في بيان اطلعت عليه "إيلاف": "إننا ندين كل مس بمقدسات شعبنا وأمتنا ونعتبر أن تلك الممارساتلا تدخل في حرية الرأي والتعبير، وأن الهدف منها الاستفزاز لإثارة الفتنة واستغلال حساسية الوضع وقابليته للالتهاب".
وأضاف ذات البيان: "نحن ندين بمنتهى الشدة هذه الاستفزازات لأنها تضرب الوحدة الوطنية وهي أثمن شيء يجب أن نحافظ عليه، ونحن كذلك ندين عنف مجموعات الغلو، وتهديدها غير المقبول للحريات، وسماحها لنفسها بتعويض مؤسسات الدولة ومحاولة الهيمنة على بيوت الله، والحال أن تونس الديمقراطية فتحت اليوم المجال السياسي المدني لكل من يرغب في المشاركة في بناء الوطن".
وزير الداخلية الإسلامي في الحكومة الموقتة علي العريض، اتهم من وصفهم بغلاة المتطرفين من اليمين واليسار في تونس وبقايا النظام السابق بالوقوف وراء أحداث العنف والتخريب التي جدت.
وحذر العريض من أن تشمل حالة الاحتقان التي عليها بعض المدن، كافة أنحاء البلاد على خلفية المساس بالمقدسات الإسلامية، كرد فعل على اللوحات التي عرضت بالعبدلية و تصريحات الناشط جلال بن بريك التي تضمنت إساءة إلى الرسول الكريم وكذلك تصريحات زعيم القاعدة أيمن الظواهري.
وأكد خلال جلسة عامة للمجلس الوطني التأسيسي حضرتها "إيلاف" أن الوزارةلا تسامح في تطبيق القانون مع كل من يثبت تورطه في هذه الأحداث التي شهدتها مناطق عدة فيالبلاد منذ مساء يوم الأحد".
الأمين العام للمسار الديمقراطي الاجتماعي احمد إبراهيم قال لـ"إيلاف": "هذا الانفلات الأمني الخطير وتصاعده، مرده تردد الحكومة في تطبيق القانون على كل من يتحدى مؤسسات الدولة ويعتدي باسم خلفية عقائدية على حرية التونسيين وحريتهم في الإبداع وهذه الاعتداءات التي طالت مقرات أمنية خاصة ومختلف مؤسسات الدولة، هي رسالة خطيرة لذا يجب على الحكومة أن توضح موقفها من الجهات العنيفة التي تتبنى الإرهاب خاصة بعد الفيديو الأخير الذي توجه به إليهم أيمن الظواهري".
وأشار النائب عن الحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي، في مداخلة أمام وزير الداخلية في المجلس التأسيسي قائلا "إذا استمر الوضع على ما هو عليه فلن تكون هناك سياحة أو استثمار ولا إحداث مواطن شغل ولا عملية انتخابية، يجب أن نضع الإصبع على الداء، فإذا تم التعرض للرسول بأي مس فإننا نطالب بعرض اللوحة وإذا تم التعرض للذات الإلاهية فإننا أول من يهب للدفاع عن مقدساتنا".
وأضاف الشابي " معرض العبدلية فتح لمدة 15 يومًا ولم يحدث أي شيء ولكن ما حصل في الساعات الأخيرة يندرج في إطار أجندة دولية عبر عنها الظواهري، وتتمثل في إحلال العنف والتصفية الجسدية ولذا يجب الاستنفار لإيقاف التقهقر، ويجب على الاستخبارات أن تعلم بالأحداث قبل وقوعها ومعاقبة المخططين لها، نحن لسنا ضد السلفية وخاصة العلمية منها ولكن نحن ضد من يريدون فرض نمط تفكيرهم وعيشهم علينا ومنه نطالب الدولة بالقيام بدورها وحمايتنا خاصة أن بعض نواب المجلس تصلهم تهديدات بالذبح".
في المقابل أكد القيادي في حركة النهضة وأحد نوابها في المجلس التأسيسي الحبيب اللوز لـ"إيلاف": "الأحداث التي شهدتها مناطق متفرقة في تونس هي ردة فعل على حملة الاستفزازات المقصودة التي تتعمد الإساءة إلى مقدسات الأمة، فهذه المرة تم تعليق صور تستهدف الرسول كما تمت كتابة لفظ الله بالحشرات."
وتابع القيادي في حركة النهضة لـ"إيلاف": "هذه القاذورات ابعد ما يكون عن الفن وبالتالي الاستفزاز مقصود يخفي وراءه محاولة إثارة فتنة في البلاد، خاصة أن الساحة الإسلامية والسلفية فيها الكثير من الشباب المتحمس الذي يفتقر للانضباط والانتظام والذي يتعاطف مع مثل هذه القضايا وهذا من حقه، طالما تم المس بمعتقداته عمدًا".
وأعلن مهدي مبروك وزير الثقافة أنّ المعهد الوطني للتراث أقرّ غلق فضاء العبدلية إلى حين تعيين إدارة تشرف على تسييره، وأنّه تقرّر رفع قضية بالجمعية المنظمة للعرض في قصر العبدلية لأنّها أخلّت بكلّ الالتزامات القانونية.
وشهدت تونس يوم الثلاثاء، حملة اعتقالات في صفوف عناصر من السلفية الجهادية وآخرين من أصحاب السوابق إثر أعمال عنف وتخريب في الليلة الفاصلة بين يومي الاثنين والثلاثاء وطوال يوم الثلاثاء أسفرت عن مقتل احد الشباب السلفي وإصابة أكثر من 100 شخص مما دفع إلى إعلان حظر التجوال في 8 محافظات".
وتأتي أعمال العنف والتخريب في أحياء في تونس العاصمة، ومحافظات أخرى احتجاجاً على عرض لوحات فنية اعتبرها سلفيون "مسيئة للإسلام" في معرض للفن التشكيلي نظم الأحد الماضي في مدينة المرسى شمال العاصمة.
الظواهري يحرض...؟
إلى ذلك أثار البيان الصوتي الذي توجه به الرجل الأول في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الأحد الماضي إلى الشعب التونسي جدلاً، حيث اعتبر سياسيون ومحللون أنه أحد أسباب الإنفجار غير المسبوق للأوضاع في تونس، فيما قلل آخرون من شأنه معتبرين أنه لا علاقة لفيديو الظواهري بما يحصل في تونس من انفلات للتيار السلفي الجهادي.
أكد المحلل السياسي الجمعي القاسمي لـ"ايلاف": "بيان الظواهري الصوتي مثل الشرارة التي اشعلت نار غضب التيار السلفي الجهادي في تونس، الذي لم يكن راضياً على حركة النهضة في عدد من المسائل أهمها موقع الشريعة من الدستور وحماية المقدسات، فكان فيديو الظواهري بمثابة الشحنة ولكن ليس هو السبب المباشر".
من جانبه، قال الأمين العام للمسار الاجتماعي احمد إبراهيم لـ"إيلاف" "خطاب الظواهري اثبت أن هناك أطرافًا خارجية فهمت التهاون والاستخفاف بتجاوز القانون، على أنه ضعف ويبدو أنها بصدد تطبيق خططها وهذا يستوجب منا جميعًا إنقاذ البلاد من خطر الانزلاق في الإرهاب".
الحبيب اللوز، القيادي في حركة النهضة والمعرف بإنتمائه للجناح المتشدد داخل الحركة نفى لـ"إيلاف" أن يكون بيان الظواهري أحد أسباب تمرد التيار السلفي الجهادي قائلا: "ليس لبيان الظواهري أي دخل في ما حصل، فقد تم مس الله ونبيه وهذا رد فعل على الذين يستفزون التونسيين باسم الأدب والفن ولو لم يقع عرض مثل تلك اللوحات لما شهدنا ما حدث، الظواهري يتكلم من احد جبال أفغانستان أو مكان آخر عن قضايا لا يعايشها وكان أولى به التريث قبل أن يتدخل بعشوائية في الشأن التونسي أو المصري أو السوري."
رضا بالحاج الناطق الرسمي باسم حزب التحرير، علّق على بيان الرجل الأول في تنظيم القاعدة مشيرًا لـ"إيلاف" إلى أن خطاب الظواهري لا توجد فيه أي دعوة للعنف بل تضمن دعوة إلى مقاومة التوجه العام الذي تتبناه الحكومة الحالية ولكن يمكن أن تكون ردة فعل متلقيه من السلفيين والإسلاميين عمومًا في تونس عنيفة بما انه لم يتضمن في المقابل دعوة إلى عدم مقاومة التوجه العام بالعنف".
في السياق نفسه، أكد رفيق العوني القيادي في حزب جبهة الإصلاح السلفي لـ"إيلاف" "أن بيان الظواهري لم يتجاوز كونه نصيحة وليس فيه أي جانب تحريضي، لأن إدراج الشريعة كمصدر وحيد للتشريع كفيل بإيقاف سيل الاعتداءات على المقدسات وهذا ما طالب به حزبنا ولكن بصفة عامة أهل تونس أدرى بشؤونهم".
ويذكر أن أيمن الظواهري هاجم في تسجيل صوتي حزب النهضة الإسلامي التونسي، بسبب تخليه عن المطالبة بأن تكون الشريعة الإسلامية مصدرًا للتشريع في الدستور، معتبرًا هذا الموقف "مخالفًا لصريح القرآن".
وقال الظواهري مهاجمًا قادة النهضة "إنهم يبتكرون إسلامًا ترضى عنه وزارة الخارجية الأميركية والاتحاد الأوروبي، إسلام حسب الطلب، يبيح نوادي القمار وشواطئ العراة وبنوك الربا والقوانين العلمانية"
وأضاف "يا شرفاء تونس ويا أحرارها، ويا أهل الغيرة فيها، لقد سقطت الأقنعة وانكشفت الوجوه. هبوا لنصرة شريعتكم، حرضوا شعبكم على هبة شعبية دعوية تحريضية لنصرة الشريعة وتأييد الإسلام وتحكيم القرآن (...) قولوا للشعب المسلم في تونس إن شريعتك توأد حية كما وئدت في تركيا، انصروا قرآنكم ودافعوا عن سنة نبيكم ولا ترضوا لغير الشريعة بديلا".
تجريم المس بالمقدسات
دعت منظمات وجمعيات وأحزاب سياسية إلى تجريم المس بالمقدسات الإسلامية التي اعتبروا أنها أصبحت أداة استفزاز لإثارة الفتنة والبلبلة في البلاد، وطالبوا بمحاكمات جدية لكل من تخول له نفسه الاستهزاء برموز الدين الإسلامي.
الحبيب اللوز القيادي في حركة النهضة ونائبها في المجلس التأسيسي، شدد لـ"ايلاف" قائلاً: "نحن نطالب بتجريم الاعتداءات على مقدسات الشعب التونسي، ولابد من محاكمات جدية لمرتكبيها وندعو جماهير شعبنا للدفاع عن دينهم بأساليب سلمية وان لا يستجيبوا لاستفزازات يراد بها إرباك الثورة وضرب الوفاق".
وفي بيان اطلعت عليه "إيلاف" قال حزب الأمان: "نسجّل اندهاشنا الكبير من مثل هذه الجُرأة المتواصلة في انتهاك المقدّسات والحرمات لغايات سياسويّة إيديولوجيّة استفزازية مفضوحة، و نطالب المجلس الوطني التأسيسي بإصدار قانون مستعجل يجرم مثل هذه الممارسات من تعدٍ على المقدسات وخدش المشاعر الدينية ويحدد بوضوح أين تقف حريّة التعبير والإبداع".