جنوب السودان يحاول إنقاذ ذاكرته المحفوظة في وثائق متهالكة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
جوبا: تحتوي الوثائق العفنة بسبب الرطوبة والحرارة، والتي قرضت الجرذان بعضًا منها، على تاريخ جنوب السودان، وهي كنوز يدأب الباحثون في جوبا على ترقيمها وترتيبها في محاولة منهم لانقاذ ذاكرة هذه الدولة الفتية التي نالت استقلالها في التاسع من تموز/يوليو 2011.
ويقول أمين المحفوظات يوسف فولغنسيو اونيالا: "لا يمكن أن نترك النمل الابيض والجرذان والمياه تتلف تاريخنا، لا بد من أن ننقذ هذه الوثائق". وبعد عامين على انتهاء حوالي نصف قرن من الحروب الاهلية بين الانفصاليين الجنوبيين وقوات الخرطوم، كان اونيالا واحدًا من الذين اكتشفوا في 2007 القسم الاكبر من هذه الوثائق في الطبقة السفلى لاحدى المدارس.
وفي مستهل الثمانينات، وضع مسؤولون في هذا المكان هذه الوثائق الكثيرة التي جمعت من الادارات المحلية لحمايتها من الحرب التي استؤنفت جولاتها. ويضيف امين المحفوظات بينما يمسح الغبار عن بعض من هذه الملفات التي اصفر لونها "لقد حطمنا النوافذ وتركناها مفتوحة ثلاثة ايام للتهوئة"، لكن الرائحة القوية والغبار الكثيف اصابا اعضاء الفريق بتوعك صحي. ويتابع: "عندما رأيت هذه الوثائق في هذه الحالة، عرفت أن من الضروري أن اعنى بها واحميها واحفظها للمستقبل".
وبعد العثور عليها نقلت هذه الوثائق الى خيمة كبيرة نصبت في وسط جوبا، وتمت حمايتها من الرطوبة، لكن حمايتها من الحرارة الخانقة والنمل الابيض لم تتأمن. وفي تلك الخيمة، فرزت تلك الوثائق ثم نقلت تدريجيًا الى مبنى في جوبا حيث يتم درسها وتقييمها وترقيمها وترتيبها في صناديق مفهرسة.
وقالت نيكي كيندرسلي، الطالبة في قسم التاريخ في بريطانيا، وهي واحدة من ثلاثة اجانب يشاركون في المشروع، "هذا هو التاريخ الوطني بكل ما للكلمة من معنى ... من 1903 وحتى التسعينات. مئة عام تقريبًا من تاريخ جنوب السودان تعفنت في خيمة". واضافت: "ملأنا حتى الان 2300 صندوق، وقد نملأ على الارجح ستة آلاف".
ومن الكنوز المكتشفة في تضاعيف تلك الوثائق، لوائح اولى الاحزاب السياسية في جنوب السودان، ومحاكمات المشاركين في تمرد 1955، التي كانت العنصر المفجر للحرب الاهلية في جنوب السودان.
واوضحت كيندرسلي "لم نعثر في السابق ابدًا على الاسماء وكل التفاصيل" المتعلقة بهذا الحدث.
وتوفر التقارير لمحة عن الارتباك الذي اعترى المستعمر البريطاني لدى مواجهة حالات الشعوذة. وجاء في احد تقارير المفوض السامي البريطاني "في مشهد يذكر بساحرات مكبث، فاجأ السرجنت مايجور خلال الليل ثلاث قبائل في يرول ملاكيا وهي تتمتم رقيات فوق قدر معدنية".
وفي الخيمة التي نقلت منها ثلاثة ارباع الوثائق، بقيت فيها اكوام من الملفات، منها اكياس مطبوع عليها "حكومة السودان" وتحتوي كل انواع الاوراق والصور المصفرة، وبطاقات تصويت لاستفتاء كانون الثاني/يناير 2011 حول الانفصال. وكان الهدف الاساسي من هذه العملية برمتها، العثور على خرائط ترقى الى فترة استقلال السودان في 1956، لتسوية نزاع حدودي مستمر مع الخرطوم منذ الانفصال.
وقال باقان اموم كبير مفاوضي جنوب السودان والامين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان، وهي الحزب المنبثق من التمرد الجنوبي السابق، إن هذه الوثائق "ستكون مفيدة لدى التحكيم المتعلق بهذه المناطق" المتنازع عليها. وعثر ايضًا على نصوص حول نزاعات قبلية متصلة بأراضٍ ومراعٍ، ولا تزال مفيدة اليوم لمواجهة اعمال العنف التي تمزق بعض مناطق الدولة الجديدة.
وسيكون بعض هذه الوثائق عظيم الفائدة ايضًا على صعيد الملكية العقارية، فيما يعود عدد كبير من سكان جنوب السودان الذين نفوا خلال الحرب، الى بلادهم. ويقول اونيالا إنه ربح دعوى عقارية استغرقت سنوات طويلة بفضل ورقة تعود الى 1955 اكدت أن جده ورث قطعة الارض.
وبالاستناد الى هذه الوثائق، يكتب جنوب السودان ايضًا اول كتاب عن تاريخه، كما قال جوك مادوت جوك السكرتير في وزارة الثقافة. واكد أن لمن الاهمية بمكان أن يمتلك سكان جنوب السودان الذين بعثرتهم الحرب في الادغال وفي اربعة اقطار الارض، ماضيهم وأن يصنعوا هويتهم الوطنية.
ومن المقرر أن يفتتح في 2014 متحف، مولته النروج، لحفظ هذه الوثائق. وفي انتظار انجاز المشروع، يحتفظ يوسف اونيالا بكل شيء. ويقول وهو يلوح بقصاصة ورق بحجم طابع بريدي "عندما اتنزه حول الخيمة وأرى قصاصة ورق مثل هذه التقطها وأضعها في جيبي اذاكان مكتوباًعليها شيء ما."