الرقابة في لبنان تغلب السياسة على الثقافة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لم يسهم شيء في تطور المجتمعات ووعيها بالقدر الذي فعلته الصناعة السينمائية والنتاجات الثقافية من كتب وموسيقى ورسم. لكن واقع الامور في لبنان يختلف عمّا هو عليه في غالبية الدول المتقدمة لجهة الرقابة والإشكاليات المتواصلة معها.
التباين بين الطرفين مرده الى مجموعة قوانين وقرارات بعضها مشروع ومبرر وبعضها محلّ التباس ونقاش لم يتغير منذ سنوات، وذلك على قاعدة الحفاظ على السّلم الأهلي بين اللبنانيين.
اللافت أن المفارقة في ما يسوقه الطرفان عن إشكالية العلاقة بينهما يجد مسوغاته في وقائع العيش اللبناني وتناقضاته الاهلية والسياسية والقانونية. فالجهات الرقابية تستند الى القوانين التي تحكم عملها والتي لم يطرأ أي تغيير على بعضها منذ سنين طويلة ، بينما المثقفون يعتبرون أن ادوارهم تقوم على نقض الواقع ومحاولة تطويره.
على هذا، فإن تدخل الرقابة في مضمون الأعمال الثقافية ومنع عرض العديد من الأفلام السينمائية في الآونة الأخيرة أدى إلى تراشق اتهامات بين الطرفين. ذلك أن صنّاع الأفلام من مخرجين وممثلين يلقون باللائمة على الرقابة التي تقيد حريّتهم وتمنعهم من ايصال الرسالة المرجوة من العمل تحت مسميات "غير مقنعة" بنظرهم.
أما الرقابة، والتي يمثلها الأمن العام، فترجع قراراتها إلى قوانين لا ينبغي تخطيها مثل عدم التحريض، ومنع المسّ بالمحرمات الدينية أو المسّ بالأخلاقيات العامة.
هناك دائماَ وجهان لكل قصة، سواء أكانت مقنعة أم لا. ومهما اعتقد طرف من طرفي الإشكالية أنه محق، فإن الطرف الآخر سيشعر بالغبن والظلم لأن رأيه مختلف. فهل ينجح اختلاف الرأي في الوصول إلى قاعدة مشتركة تسمح لهذه الأعمال بإيصال رسالتها من دون التسبب بصراعات طائفية وأخلاقية، أم أن السياسة والطائفية تفوقتا على الثقافة في لبنان وباتتا هما الحسيب والرقيب؟
لطالما كان لبنان بلد الحريات الرائد في احترام الرأي والتعددية، لكن القوانين التي تنظم النتاجات الثقافية وتحديداً "معايير" الرقابة التي لا تبدو واضحة لدى أي من المخرجين أو الكتاب والممثلين تجعل من الأفلام والمسرحيات ضحايا الواقع الراهن الذي تشوبه الكثير من التساؤلات في الأوساط الثقافية.
أفلام كثيرة منعت من العرض في لبنان، بدءاً من " بيروت أوتيل" للمخرجة دانيال عربيد، إلى فيلم " الأيام الخضراء" للمخرجة الايرانية هناء مخمالباف، ومن بعده فيلم "شو صار" للمخرج اللبناني "ديغول عيد".
أسباب منع هذه الأفلام قد تبدو منطقية، إنما فقط من وجهة نظر السلطات اللبنانية.
وجهة النظر اللبنانية هذه تعني أن الواقع اللبناني بمتغيراته وتناقضاته "غير المنطقية" والهزات الأمنية والطائفية والسياسية التي يعيشها، والواقع التعايشي الهش الذي يصرّ كثر على تسميته بـ "المشترك" يحتم قرارات وقوانين "غير منطقية" إنما قد تبدو مبررة عند النظر إليها من ناحية "الضرورة" لا الثقافة والحريات.
فيلم "بيروت أوتيل" منع من العرض لما يحتويه من مشاهد عن اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في العام 2005. يروي الفيلم قصة زهى (دارين حمزة) مغنيّة متزوجة وتسعى إلى الطلاق من زوجها الخائن والتي تلتقي في إحدى الليالي بماثيو، (شارل برلينغ) رجل فرنسي غامض يدّعي ممارسة المحاماة، فيعيشان قصّة حب مليئة بالشغف في ظلّ أوضاع سياسية سيئة في لبنان أعقبت مقتل الحريري.
إلى جانب قصة الحبّ في الفيلم، يدخل عنصر التشويق من خلال صديق قديم لماثيو، لبناني الأصل، يلجأ له لمساعدته محتمياً بالدولة الفرنسية مقابل معلومات عن أحد الشهود المتعلقين بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وهنا تتطرّق الكاتبة من خلال الأحداث الصغيرة في الفيلم إلى موضوع المخابرات والأعمال السريّة التي تدور حوله .
والحال هذه يبدو أن منع الفيلم كان معقولاً لكونه يتطرق إلى مرحلة حساسة للغاية في التاريخ اللبناني الحديث. وعلى الرغم من ان الكاتبة أوضحت أن أحداث الفيلم تدور في تلك الفترة الزمنية إنما من دون مناقشتها أو التحليل في أحداثها، إلا أن هذا لم يمنع وضع الفيلم على اللائحة السوداء.
يشار إلى أن الأمن العام منع الفيلم لأن العنوان "أوتيل بيروت" يختلف عن مضمون السيناريو كما أن قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري ما زالت قيد التحقيق في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وبناء على ذلك، كان تناول هذه القضية غير موافق عليه.
وبما أن التاريخ اللبناني يقسم إلى مرحلتين كليهما أسوأ من الأخرى (الاغتيالات التي حصلت في السنوات الأخيرة والحرب الأهلية)، فقد تم منع فيلم "شو صار" للمخرج اللبناني ديغول عيد على هذا الأساس ايضاً.
فيلم "شو صار" يروي قصة حقيقية، فالمخرج عاد إلى قريته (عدبل في عكار) ليصور فيلماً وثائقياً يبحث فيه عن الرجل الذي شارك في مجزرة أدت إلى مقتل والده ووالدته وأخته الصغيرة أمام عينيه مع 11 شخصاً آخرين.
ومنع الفيلم من العرض بالطبع، والسبب أنه يثير النعرات ويحرّض على التقاتل المذهبي.
صحيح أن المخرج ذكر الأحزاب المسؤولة عن المجزرة والتقى قاتل والديه شخصياً وخاطبه "أنت الذي قتلت عائلتي"، لكن هذا يعني أن الشاب اللبناني يتصالح مع ماضيه. لو كان المخرج يسعى للثأر، لما تكبّد تكاليف باهظة لصناعة فيلم سينمائي. هذا برأي الناس، لكن الرقابة رأت فيه تأجيجاً لمشاعر دفينة يفترض أن لبنان تخطاها منذ زمن بعيد.
الرقابة، وفي نطاق حرصها على عدم استثارة المشاعر الطائفية أو الأحقاد الدفينة، منعت هذا الفيلم وغيره من أن يعرض في الصالات. لكن هل باستطاعة هذه الرقابة، أو أي جهة أخرى سواء أكانت حكومية أم غير حكومية، السيطرة على هذه المشاعر ومنعها من أن تصبح أفعالاً تعيث فساداً في الشوارع وبين البشر؟
ديغول عيد تصالح مع نفسه بتصوير "شو صار" لكن إذا تواطأ الزعماء على النسيان، فهل يعني ذلك أن اللبنانيين نسوا "شو صار"؟
فيلم "الأيام الخضراء" للمخرجة الايرانية هناء مخمالباف أيضاً منع من قبل الأمن العام اللبناني، والذي يروي الأحداث التي شهدتها ايران عقب انتخاب الرئيس أحمدي نجاد لولاية رئاسية ثانية. وفسر هذا المنع بعدم الرغبة في إزعاج الرئيس الايراني الذي قام بزيارة رسمية إلى لبنان.
الفيلم كان عرضه مبرمجاً في إطار مهرجان بيروت السينمائي الدولي قبل أن يتم إلغاؤه في اللحظات الأخيرة بسبب زيارة الرئيس الإيراني إلى لبنان. وهنا يبدو أن قرار المنع كان سياسياً بحتاً، على الرغم من أن الرقابة عادت وطلبت تأجيل عرض الفيلم إلى مناسبة أخرى، بسبب الزيارة التي كانت مرتقبة في ذلك الوقت.
ومن وجهة نظر "اللبناني" قد تبدو الأسباب محقة، ومن وجهة نظر "المثقف" القرارات ظالمة وتتناقض مع الحريات التي لطالما تغنى بها لبنان، فما وجهة نظر "الأمن العام اللبناني"؟
العميد منير عقيقي: الأمن العام حريص على حرية الرأي
ويؤكد مدير مكتب الإعلام في الأمن العام العميد عقيقي في حديث لـ "إيلاف" أن مؤسسة الأمن العام تمارس دورها في إطار القوانين والأنظمة التي تلقي عليها مسؤوليات محددة في المجالين الإعلامي والإعلاني، وانها تحرص على التقيّد بنصوص القانون وأحكامه، ضمن إطار التوسع في الاجتهاد والتأويل لمصلحة حماية الحريات العامة واحترام حق التعبير والتعدد والتنوع الفكري والثقافي والسياسي.
وقال: "هناك انطباع يشيعه البعض لدى الرأي العام بأن الامن العام، في بعض الاجراءات التي يقوم بها في مواضيع مرتبطة بأعماله المنصوص عليها في القوانين، يقيد حرية إبداء الرأي والتعبير، في حين أنه يلتزم تنفيذ هذه القوانين المنوطة به، والتي تنص على معايير ومسلمات لحظها القانون الصادر بتاريخ 27/11/1947".
ولفت عقيقي إلى أن قرار المنع أو الإقتطاع في الأشرطة السينمائية يتناول عدداً من المبادئ، منها منع المشاهد والتعبيرات التي تمس الآداب والأخلاق العامة وتخدش الحياء العام، ومراعاة مبدأ احترام القيم الدينية والأخلاقية للمجتمع اللبناني المتنوع، ومنع كل إساءة للمعتقدات والقيم، ومراعاة الإعتبارات المتصلة بالأمن الوطني اللبناني ومصالح الدولة وعلاقاتها بالدول الشقيقة والصديقة، إضافة إلى احترام عملية تصنيف الأشرطة المعدة للعرض والفئات العمرية التي يسمح لها بمشاهدتها".
وأشار إلى أنّ آلية مراقبة الأشرطة السينمائية المعدة للعرض تتم من خلال إعداد تقرير أولي يضعه مختصون يحملون التأهيل العلمي والثقافي، ويتمتعون بخبرة متراكمة في التعامل مع التعبيرات والنصوص.
وعن المسرحيات، قال عقيقي إن التعامل مع هذا الموضوع "يسير بشكل ممتاز في إطار التعاون والتفاهم بين المعنيين والامن العام"، مشيراً إلى أنّ المديرية العامة للأمن العام حريصة أشد الحرص على تطبيق الدستور "لا سيما حرية إبداء الرأي والتعبير، ولكنها ملزمة بتطبيق القوانين التي ترعى عملها، ولا تتدخل في موضوع الإبداع الفني".
لجنة الرقابة على الأفلام السينمائية
وعن الأفلام السينمائية، أشار عقيقي إلى أن القانون الصادر بتاريخ 27/11/1947 أناط بالأمن العام صلاحية الرقابة على كل الاشرطة السينمائية على اختلاف انواعها قبل عرضها على الجمهور، وإذا وجد ما يدعو، عملاً بالصلاحيات المرعية في القانون، الى منعه أو اقتطاع بعض اجزائه، فإن للأمن العام أن يحيل الفيلم على لجنة الرقابة إستناداً الى المادة 3 من القانون 1947 التي تم تعيينها عملاً بالقرار رقم 85/2010، الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء.
القرار الذي يتخذ في شأن الأشرطة السينمائية المعدّة للعرض في لبنان مسؤولية "لجنة رقابة" مشكلة بقرار من رئاسة مجلس الوزراء وبرئاسة أندره قصاص. ويؤدي الأمن العام في إطار هذه العملية دور الجهاز التنفيذي، ولجنة الرقابة هي المرجعية المسؤولة عن اتخاذ القرار بمنع العرض أو باقتطاع مشاهد معينة.
وعلى مدى سنوات، جهدت عدة مؤسسات غير حكومية في الدفاع عن كتاب ومخرجين ومنتجين يتعرضون لمقص الرقابة. إلا أنّ معظم هذه المحاولات اقتصرت على انتقاد قرار معيّن بمنع فيلم أو مسرحية ما، من خلال رفع الصوت في وسائل الإعلام اللبنانية وعبر شبكات التواصل الاجتماعي.
لكن نتائج هذه المواجهة كانت متواضعة، إذ إنها لم تواجه بشكل مباشر منظومة الرقابة في لبنان. وبسبب ذلك، تنحسر سريعاً موجة الرفض لقرارات الرقابة، إلى حين بروزها من جديد، عند صدور قرار آخر.
ندى أبو فرحات: الرقابة غير عادلة وتطبَّق باستنسابية
ومن جهتها، تعتبر الممثلة ندى أبو فرحات أن الرقابة "تحدّ من الحرية في العمل المسرحي والسينمائي، لكنها في الوقت ذاته تعطي مساحة واسعة لبعض البرامج الفنية والأغاني المصورة (فيديو كليب) والإعلانات التي تخدش الحياء".
ورأت أن عمل الرقابة "غير عادل" لأن المخرج يريد أن يعبّر عن رأيه أو عن فكرة معينة لكنّ مصيره يكون القمع، أما برامج النكات البذيئة والتي تتضمن كلاماَ "من الزنار وبالنازل" فلا تخضع للرقابة، وكذلك أغاني الفيديو كليب التي تتضمن مشاهد إثارة والتي يشاهدها الأطفال والعائلات.
وأضافت أبو فرحات: "أحياناً تتطلب المسرحية كلمة بذيئة تقال عادة في الشارع اللبناني يومياً، لكن الرقابة تحذفها. في المقابل يتم بث إعلانات ذات إيحاءات جنسية والتي تعتبر غير مناسبة في أوقات بعض الظهر عندما يكون الأطفال يشاهدون التلفزيون من دون رقابة".
وفي سؤال عن المعايير التي تعتمدها الرقابة، قالت: "من كل عقلك عم تحكي عن معايير؟"، مشيرة إلى أن لبنان في حال من الفوضى حيث لا يوجد نظام ولا قانون ولا أمن أو أمان. وختمت أبو فرحات بالقول إن الوضع اللبناني مؤسف وسيئ "سياسياً وطائفياً وأمنياً، ومن يدفع الثمن هو المثقف الذي يريد أن يعبر عن رأيه ويتكلف ملايين الدولارات ثم تمنع الرقابة عمله".
ويقول النقاد إن للأمن العام صلاحية مراقبة الأفلام قبل عرضها، لا قبل تصويرها، لكن إن أراد كل مخرج تفصيل عمله على قياس ما يرضي الرقابة، يصير سقف الإنتاج السينمائي في لبنان هو سقف ما تسمح به السلطة، وهنا تكمن المشكلة.
أما البعض الآخر، فيعتبر أن دور الرقابة لم يعد فعالا كما كان سابقاً، ففي زمن الإعلام المفتوح والفضائيات والانترنت الذي دخل كل البيوت، بات من الصعب منع الأعمال التي ترفضها الرقابة.
ومعظم الأفلام التي تمنع من العرض تصل إلى شاشات المشاهدين عبر الانترنت أو يعمد صانعوها إلى عرضها في الخارج وتصلنا عبر الفضائيات. فهل تؤتي الرقابة ثمارها في لبنان؟
عادل سرحان: الرقابة ضرورية في المجتمع الشرقي
ويعتبر المخرج عادل سرحان أن الرقابة ضرورية لمنع المسّ بالمحرمات وحظر ما يؤدي إلى تشويه صورة المجتمع الشرقي، لذلك يقوم الأمن العام بحذف المشاهد القوية والتي تتضمن المشاهد الجنسية أو اللاأخلاقية، أو تلك التي تتطرق إلى مواضيع سياسية حساسة.
وفي حين اعتبر أن القوانين والمعايير التي تعتمدها الرقابة غير واضحة، يقول سرحان "ممنوع اللعب بالسياسة أو المسّ بالدين وخدش الحياء"، فالسينما وجدت لصالح وخدمة المجتمع ولتسليط الضوء على المشاكل الإجتماعية والآفات الخطيرة بغية معالجتها.
واعتبر أن المخرج الذي يريد أن يتميز بالجرأة عليه أن يعالج المواضيع الجريئة إنما من دون "خدش عين المشاهد"، فإذا أراد التحدث عن الدعارة ليس بالضرورة أن يصوّر مشاهد إباحية وإلا صار مسوقاً لفكرة الدعارة بدل أن يعالجها.
وأضاف: "عندما أكتب السيناريو، أعرف ما هو مسموح وما هو ممنوع، ولا أتخطى الخطوط الحمراء، كما اني احترم الرقابة والتقاليد ولا أصور أي مشهد يمكن أن يشكل إهانة لأي شخص".
ودعا سرحان الرقابة لأن تكون "أكثر صرامة" لأن الجرأة تكمن في إيصال الرسالة "وليس في المشاهد التي تشكل إساءة للأديان أو تمس بالأخلاق العامة، وهذا الفرق بين المجتمعات الغربية ومجتمعنا الشرقي".
وبين مؤيد ومعارض، مستقبل الانفتاح الثقافي اللبناني يبدو غامضاً، والمشاهد التي تمنع من العرض لا يمكن إنكار حدوثها في الواقع، فهل الثقافة أسيرة السياسة أو أن لبنان أسير اختلافاته واختلالاته؟
التعليقات
stupid art
Who is Nadine Hamzeh -Hotel Beirut is a disgusting movie, and the actress tried to get attention by doing the sex scnes(indecency) but as they say Smile you are in Lebanon. everything is weird. I am glad i left lebanon forever. I am not proud to be lebanese.
stupid art
Who is Nadine Hamzeh -Hotel Beirut is a disgusting movie, and the actress tried to get attention by doing the sex scnes(indecency) but as they say Smile you are in Lebanon. everything is weird. I am glad i left lebanon forever. I am not proud to be lebanese.