نوع من النمل الأبيض يجنّد «انتحاريين» للدفاع عنه

وجد العلماء أن نوعا من النمل الأبيض المداري يحوّل نفسه إلى "قنبلة" لدى تقدمه في العمر وعجزه عن خدمة مجتمعه بشكل آخر. ورغم أن هذا النوع هو الوحيد المكتشف حتى الآن، فإن العلماء يقولون إن هذه الظاهرة ليست شاذة في عالم الحشرات المجتمعية.

من عجائب مملكة النمل (الأبيض خصوصا) أن نوعا منه يعيش في المناطق المدارية ما إن يتقدم في العمر حتى يحوّل ظهره إلى "حقيبة انتحارية" مملوءة بالكيمياويات السامّة. فإذا تعرض للخطر فجّرها في وجه مهاجمه وفي نفسه معا. ولهذا السبب فإن هذا النمل العجوز يصبح أيضا "فرقًا انتحارية" ترسلها البقية للدفاع عنها في وجه أي هجوم محتمل عليها من نوع آخر.

هذا ما توصل إليه العلماء في جامعة بروكسل الحرة في دراستهم لهذا النمل الذي يتصف بأن ظهره يحمل بقعتين فيروزيتين حيث يحمل الكيمياويات المسمّمة. ويقول هؤلاء إن هاتين البقعتين تخزنان حبات بلّورية دقيقة تتفاعل كيمياوياً مع لعاب تفرزه غدد في بطون النمل وتتحول إلى مزيج مخاطي لاصق بوسعه إما قتل النمل المهاجم أو إصابته بالشلل الكامل على الأقل.

ورغم أن بقية النمل من هذا النوع تحمل ذلك المسحوق البلوري، فهي تفتقر إلى إفرازات اللعاب الذي يحيلها إلى تركيبة كيماوية قاتلة. ولهذا فهي غير مجهزة لخطوط الدفاع الأمامية في حال هجوم من نوع آخر من النمل كما هو الحال مع ذلك المتقدم عمراً منها. وأثبت العلماء هذا الحال بأن أخذوا عينة من لعاب النمل الانتحاري وزرعوها في غيره "المسالم". وكانت النتيجة أن أصبح يتصف بالسمات نفسها.

وصار بوسع العلماء، الذين نشروا دراستهم في عدد الجورنال العلمي "ساينس" الصادر الجمعة الماضية، التعرف إلى أعمار النمل بقياس أطراف فكيْها السفليين. ولأن النمل يكثر من مضغ الخشب، فإن هذه الأطراف تتآكل بمرور الزمن متيحة للدارس معرفة عمر النملة الواحدة بالقياس إلى أخرى.

ووفقا للبروفيسير ايف روزان، الذي قاد فريق البحث، فمن المنطقي أن يكون إرسال النمل المتقدم في العمر إلى المهام الانتحارية ممارسة ليست غريبة على عالم الحشرات خاصة في الفصائل والأنواع التي تقاس فيها أهمية الفرد بما يؤديه لخدمة المجتمع ككل. وفي ما يتعلق بهذه الفصيلة من النمل الأبيض فإن التقدم في العمر يعني ضرورة إيجاد مهمة له تفيد الكل (الفرق الانتحارية) بدلا من جلوسه عاطلاً عن العمل طوال الوقت. وهكذا تصبح التضحية بالنفس مهمة مقبولة لديه لأنها طبيعية.

لكن البروفيسير روزان يقول إن ما يميّز هذا النوع من النمل الأبيض هو أنه النوع الوحيد - بين مختلف أنواع الحشرات وفضائلها - الذي يترجم هذه الفكرة إلى ممارسة على أرض الواقع. لكن هذا يعني فقط أنه الوحيد الذي اكتشفه العلماء حتى الآن، وليس الوحيد على الإطلاق في عالم الحشرات المجتمعية. وفي هذا الاتجاه فإن البحث يجري حاليا عن أنواع أو فصائل أخرى ربما كانت تتمتع بالخاصية نفسها.