التوتر ... السمة الأبرز في علاقة أكبر نقابة تونسية مع الحكومة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لا تبدو العلاقة بين أكبر منظمة نقابية في تونس والحكومة على أحسن ما يرام، فالتوتر هو سيد الموقف بين الطرفين خصوصًا مع اعتقال 4 نقابيين مؤخرًا في محافظة صفاقس الجنوبية.
تونس: انتهت الهدنة سريعًا بين الإتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية الأكبر في تونس) والحكومة بإعلان الأمين العام حسين العباسي الأحد عن استئناف الإضرابات القطاعية التي سيشنها النقابيون في محافظة صفاقس (270 كلم جنوب العاصمة التونسية) انطلاقًا من يوم الاثنين.
وكانت قضية إيقاف أربعة نقابيين بالجهة قد فجرت أزمة جديدة منذ أسبوعين في العلاقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة.
القضية انطلقت يوم 18 يوليو/تموز منذ صدور حكم قضائيّ يقضي بفك قوات الأمن لاعتصام قامت به عناصر نقابية استمر منذ شهر فبراير/شباط الماضي بعد تعيين جمال الحكيم مديرًا عامًا للمستشفى الجامعي "الهادي شاكر" في صفاقس واعتراض المكتب النقابي بسبب ما اعتبره عدم حياد المدير الجديد في التعامل مع طرف نقابيّ على حساب الآخر إلى جانب قربه من حركة النهضة المتزعمة للائتلاف الحكومي الحالي في تونس.
وكانت الهيئة الادارية الجهوية للإتحاد قد أقرّت في 28 يوليو/تموز الماضي عددًا من الاضرابات القطاعية في مدينة صفاقس تنتهي بإضراب عام لقطاع الصحة يوم 9 أغسطس/آب الجاري احتجاجًا على إيقاف عدد من النقابيين.
وطالب المكتب التنفيذي للإتحاد العام التونسي للشغل إثر اجتماع يوم 31 يوليو/تموز 2012 في بيان اطلعت (إيلاف) على نسخة منه بالسراح الفوري لكافة الموقوفين وحفظ كل القضايا المتعلقة بهم وفتح تحقيق فوري في كل الاعتداءات التي لحقتهم.
وشنّ أعوان وإطارات قطاعات الصحة والمياه والكهرباء يومي الاربعاء والخميس الماضيين إضرابات قطاعية بالجهة لم تسجل نسبة مشاركة عالية، حسب ما أكدته مصادر رسمية بالجهة.
في قراءته لأسباب توتّر العلاقة بين اتحاد الشغل والحكومة، يرى الكاتب والناشط السياسي الحبيب بوعجيلة في تصريح لـ(إيلاف) أن هذا التوتر له مبررات طبيعية تتعلق بما تشهده تونس من حراك اجتماعيّ إلى جانب سعي القوى السياسية والاجتماعية إلى إعادة الانتشار والبحث مجددًا عن موقع داخل المجتمع.
وأضاف: "الاتحاد العام التونسي للشغل يبحث أيضًا عن استعادة دوره كقوة اجتماعية حريصة على استمرار لعب دور الشريك الفاعل في تحديد مصير البلاد بعد فترة من التدجين".
ويواصل بوعجيلة قوله: "في المقابل لدينا حكومة أفرزتها الثورة تسعى الى تطبيق برامجها التي تقتضي هدنة اجتماعية مما يجعل حالة التوتر عادية في العلاقة بين الطرفين".
إلا أن بوعجيلة لاحظ أنه "للمرة الاولىفي تاريخ تونس نرى منظمة نقابية في مواجهة ساخنة مع الحكومة أيامًا قليلة بعد تشكيلها"، ويعتبر أن هذه المواجهة ليست اجتماعية فقط وإنما سياسية أيضاً.
وكان محمد شعبان الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل قد هدد في خطاب ألقاه أمام النقابيين منذ أيام بالتصعيد في وتيرة الاحتجاجات وطبيعتها في صورة عدم تلبية الحكومة لمطالب النقابيين والاتحاد.
الحكومة لن تتدخل في سير القضاء
أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الخميس الماضي، في بلاغ مقتضب نشره على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك عن تعليق الإضرابات في مدينة صفاقس بعد تفاوض مع وزير الشؤون الاجتماعية انتهى بالاتفاق حول "الإفراج عن الموقوفين والبحث عن حلول لكافة الملفات"، إلا أن الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو أكد في تصريح خاص لـ(إيلاف) أن "الحكومة لن تتدخل في ما يهم القضاء لكنها مستعدة للتفاوض في حدود المسائل التي تخصّها".
من جهته، قال سامي الطاهري عضو المكتب التنفيذي للإتحاد العام التونسي للشغل في إفادته لـ(إيلاف) أن الإتحاد" ينتظر إيفاء الحكومة بوعودها".
ولا يعتبر الطاهري اطلاق سراح الموقوفين تدخلاً في القضاء باعتبار أن "الملف الآن من مشمولات النيابة العمومية" التي ترجع بالنظر إلى السلطة التنفيذية.
وواصل الطاهري حديثه: "بادرنا بتعليق الاضرابات ليومين وانتظرنا أن تقوم الحكومة بخطوة إيجابية لكن لا شيء يدلّ على ذلك إلى حد الآن، وهذا الأمر سيلقي بظلاله ابتداء من اليوم الأحد تاريخ ذكرى 5 أغسطس/آب التاريخية وقد يؤدي هذا التجاهل الحكومي إلى المزيد منتوتير العلاقات مستقبلاً".
جمعية القضاة التونسيين عبرت بدورها في بيان اطلعت (إيلاف) على نسخة منه عن استغرابها من التصريحات التي حوّلت قضية إيقاف النقابيين إلى موضوع مفاوضات ووعود بين الحكومة والاتحاد، واعتبرت ذلك "تعدياً تاماً على القضاء وإلغاء لدوره كسلطة من سلطات الدولة الثلاث".
موقف الحكومة جعل إتحاد الشغل يعلن عبر أمينه العام في اجتماع عقده الأحد في مدينة صفاقس بمناسبة ذكرى 5 أغسطس/آب التاريخية عن استئناف الاضرابات القطاعية في جهة صفاقس ابتداءً من يوم غد الاثنين في قطاعات النقل والنفط والكيمياء والصناديق الاجتماعية.
جدل حول خلفية التهم الموجهة للنقابيين
ومن المنتظر أن تواصل الدائرة الجنائية في صفاقس النظر قريبًا في التهم الموجهة للنقابيين والمتعلقة بالعنف والسرقة وخروقات قانونية أخرى بعد أن تخلّت المحكمة الابتدائية عن القضية بسبب عدم الاختصاص.
واعتبر سامي الطاهري أن التهم الموجهة للنقابيين "شبيهة بالتهم التي كان يستعملها النظام السابق ضد النقابيين"، مضيفًا أنه "من غير المستغرب لنا أن يتم اتهام النقابيين في قضايا كيدية".
ويرى الطاهري أن سبب التوتر هو اصرار وزارة الصحة على تعيين مديرعام في المستشفى ينتمي إلى حركة النهضة رغم أنه مرفوض من طرف النقابيين.
ولم يستبعد الطاهري فرضية اتهام كل من يقف أمام تعيين المدير العام الجديد بالفساد على حد تعبيره.
من جهته، نفى وزير الصحة عبد اللطيف المكي أن يكون المدير الجديد من تعيينات الحكومة الحالية، مؤكدًا أنه عندما تسّلم الوزارة وجد مديرًا عامًا للمستشفى تم تعيينه من قبل الحكومة السابقة في أغسطس/آب 2011.
وأكد المكي أن سبب مطالبة المكتب النقابي عزل المدير والدخول في اعتصام منعه من ممارسة مهامه ودخول الإدارة هو إيقاف الأخير لعديد الممارسات والتجاوزات التي "لا علاقة لها بالعمل النقابي ولا بمصلحة المؤسسة ولا بالقوانين"، وهو ما أكده مدير المستشفى في ندوة صحافية حضرتها (إيلاف).
واستغرب المتحدث باسم الإتحاد صمت وزير الصحة لمدة خمسة أشهر كاملة عن الاعتداءات البوليسية التي لحقت بالنقابيين ثم اتهامه لهم بالفساد.
وأضاف : "إذا هناك ما يدين النقابيين بالفساد فسنساند القضاء في ذلك".
وطالب الطاهري بالحوار والالتزام بالحقّ النقابي وفتح تحقيق جدّي في الاعتداءات التي لحقت بالنقابيين جرّاء التدخل الأمني كحلول لحلّ الأزمة.
اتهامات باستهداف العمل النقابيّ
سامي الطاهري قال في تصريحاته لـ(إيلاف) إن" العلاقة بين الاتحاد والحكومة تتوتر من حين لآخر بسبب تصريحات أو قرارات أو تصرفات من الحكومة ومن ورائها حركة النهضة الحزب الأغلبيّ في الحكم والتي من شأنها أن تعيدنا إلى المربع الأول للعلاقة المتوترة".
ويرى الطاهري أن "الأحداث اليومية ليست السبب الرئيسي في هذا التوتر وإنما سببه الرئيسي هو نظرة الحكومة لمدى استقلالية الإتحاد العام التونسي للشغل".
من جانبه، نفى سمير ديلو المتحدث الرسمي باسم الحكومة ووزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية نيّة الحكومة التضييق على حرية العمل النقابي، وشدد في إفادته لـ(إيلاف) على أن الحكومة تعتبر اتحاد الشغل "شريكًا فاعلاً من أجل تحقيق السلم والتوازن الاجتماعيين".
وقال ديلو: "لا يوجد أي طرف جاد يستطيع التفكير في ضرب العمل النقابي".
وأضاف: "لا توجد علاقة عدائية بيننا وبين الإتحاد، وعلاقتنا بالمنظمة الشغيلة طيبة وتقوم على التعاون، لكن من الطبيعي وجود اختلافات في وجهات النظر".
واتهم الطاهري الحكومة بأنها تريد منظمة شغيلة تؤيدها وتصادق على قراراتها وتصفق لها، وشدّد على أن الإتحاد العام التونسي للشغل "لن يفرط قيد أنملة في استقلاليته ولن يسمح بتدجينه".
وأوضح عضو المكتب التنفيذي للإتحاد أن "مؤتمر طبرقة الأخير أكد على أن الإتحاد العام التونسي للشغل ينتقد متى وجد النقد ويثمن قرارات الحكومة متى وجب ذلك أيضاً".
ولا يتفق الحبيب بوعجيلة مع رأي المتحدث باسم الإتحاد، إذ يرى أن هناك محاولات لإيهام الرأي العام بأن الإتحاد والعمل النقابي مستهدف "في حين أن ما جرى في مدينة صفاقس مثلا هو أننا أمام نقابة فاسدة ومتغولة لكن ليس لمصالح النقابيين، ومع ذلك يتم توظيف هذه الأزمة من طرف القوى السياسية وما شهدته جلسة المحاكمة الأخيرة ومن حضرها خير دليل على ذلك".
ويعتبر بوعجيلة أن إتحاد الشغل هو "ضحية جزء من قيادة نقابية مؤدلجة ومسيّسة معركتها ليست الدفاع عن مكانة واستقلالية الاتحاد وإنما معركة ضد خصم أيديولوجي".
اتحاد الشغل بحاجة إلى "انتفاضة عقلاء"
الناشط النقابيّ والسياسي الحبيب بوعجيلة الذي يعتبر أن جزءاً من القيادة المركزية الحالية للإتحاد "مسيّس بامتياز" قال في تصريحاته لـ(إيلاف) إن وضعية الاتحاد العام التونسي للشغل "تتطلب اليوم انتفاضة عقلاء وحكماء تأخذفي الاعتبار قيمة الاتحاد كشريك حقيقيّ في هذا الوطن وكمنظمة مسؤولية تُقاد من أطراف تدرك حجم المسؤولية".
وأضاف بوعجيلة: "لا يجب أن ننسى ما جرى خلال مؤتمر طبرقة الأخير الذي شهد جانبًا كبيرًا من الغرابة إذ سلّمت القيادة القديمة المشعل مقابل طيّ صفحة الماضي، وفي مقابل ذلك يربح اليسار النقابي منظمة نقابية لم يتردد في استعمالها في صراعه السياسي ضد خصمه الايديولوجي وأعني بذلك الاسلاميين".
وتلاحق قيادات إتحاد الشغل في تونس منذ أشهر اتهامات من طرف أنصار التحالف الحكومي بالانحياز لأطراف سياسية على حساب أخرى بسبب انتماء بعض أعضاء المكتب التنفيذي لأحزاب سياسية يسارية وقومية معارضة إلا أن الأمين العام الحالي حسين الديماسي نفى بشدة كل هذه الاتهامات في تصريحات صحافية عديدة.
ويرى بوعجيلة أن هناك قوى نقابية، وصفها بـ"الصادقة"، ستتحرك "حتى لا يُرتهن الاتحاد الذي لا يمكن تدجينه لا من طرف الحكومة ولا من قبل أي طرف آخر" على حدّ تعبيره.
وطالب بوعجيلة اليسار النقابي بـ"أخذ الدرس من المنظمات التي قادها في السابق وما آلت إليه الأوضاع داخلها بعد ذلك كالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان أو الاتحاد العام لطلبة تونس".
وعبّر بوعجيلة عن أمنياته بأن يتمكن الأمين العام الحالي حسين العباسي وأعضاء آخرون من القيادة المركزية "كبح جماح بقية أعضاء القيادة وإقناعهم بأن الاتحاد ليس منظمة لخوض معارك سياسية مؤدلجة".
التعليقات
الواقع
عبد السلام -بعد تهديدات تسببت بالغاء حقل موسيقي في تونس، أرى ان توزيع مجلدات البخاري ومسلم واجبة على الدول البترولية والدول المانحة، وانا لا زلت ساجداً للكعبة شكرا لله على الثورة.