أسانج يضع بريطانيا والإكوادور في مأزق دبلوماسي شائك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تطرح تقارير صحافية تحليلات حول الخطوة التالية التي قد يقوم بها مؤسس موقع ويكيليكس، بعد أن منحته الاكوادور اللجوء السياسي، ومع إصرار بريطانيا على اعتقاله وتسليمه للسلطات السويدية.
لندن: منحت الاكوادور مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج اللجوء السياسي ولكنه لا يستطيع أن يغادر سفارتها في لندن دون أن يعرض نفسه لخطر الاعتقال وتسليمه إلى السلطات السويدية. فما هي الخطوة التالية؟
هل يمكن ان تمنح الاكوادور أسانج جواز سفر دبلوماسيا؟
مثل هذه الجوازات تضمن سهولة السفر على ما يُفترض لكنها لا توفر حصانة ضد قوانين الدول الأخرى.
هل يمكن أن تمنحه الاكوادور صفة الدبلوماسي؟
ستكون هذه خطوة جريئة من جانب الاكوادور ولكنها ستؤدي إلى تفاقم الأزمة. فان المادة 29 من اتفاقية جنيف تقول إن الذين يتمتعون بوضع دبلوماسي لهم حصانة ضد الملاحقة القانونية. وتنص المادة على أن للدبلوماسي "حرمة، لا يتعرض إلى أي شكل من أشكال الاعتقال أو الاحتجاز وتعامله الدولة المستقبلة بالاحترام اللازم وتتخذ كل الخطوات المطلوبة لمنع أي اعتداء على هذا الشخص أو حريته أو كرامته".
ولكن هناك التزام مقابل يقع على عاتق الاكوادور باحترام قوانين بريطانيا وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
ونقلت صحيفة الغارديان عن جوان فوكس المحامية السابقة في وزارة الخارجية البريطانية، والتي تعمل الآن في مؤسسة تشاتهام هاوس الدولية للأبحاث "ان للدول من حيث المبدأ أن تعين بحرية أي شخص في عضوية بعثتها الدبلوماسية، باستثناء رئيس البعثة. ولكنها إذا سعت إلى مثل هذا التعيين الآن، فانه سيكون وسيلة مكشوفة للتهرب من قوانين الدولة المستقبلة، بريطانيا. وفي هذه الظروف، قد تشعر بريطانيا أن لديها مبررا لدحض مثل هذا التعيين".
هل يمكن ان يضع مسؤولو السفارة أسانج في عربة دبلوماسية وينقلونه إلى المطار؟
تتمتع السيارات الدبلوماسية بالحصانة ضد التفتيش من جانب الدولة المستقبِلة التي هي بريطانيا في هذه الحالة. ولكن حتى إذا تمكن أسانج من ركوب سيارة تابعة للسفارة دون ان يتعرض للاعتقال، سيتعين عليه في وقت ما ان ينزل منها لركوب الطائرة. وما ان يفعل ذلك حتى يفقد الحماية التي يتمتع بها جراء وجوده تقنيا على أرض إكوادورية ويعود إلى الخضوع لقوانين بريطانيا وامكانية القاء القبض عليه تبعا لذلك.
هل يمكن تهريب أسانج أو وضعه في صندوق أو حقيبة تتمتع بحماية دبلوماسية؟
قد يبدو هذا مستبعدا، ولكنها طريقة جُربت سابقا في بريطانيا تحديدا. ففي عام 1984 جرت محاولة لخطف السياسي النيجيري اومارو ديكو من بريطانيا بوضعه داخل صندوق ومحاولة شحنه إلى نيجيريا. وحاول مدبرو العملية، وضع يافطة على الصندوق تقول إنه طرد أو حقيبة دبلوماسية لكنهم فشلوا في محاولتهم.
وتنص اتفاقية جنيف على "ان الحقيبة الدبلوماسية لا تُفتح أو تُحتجز".
ولكن مثل هذه الحقيبة ليست محصنة ضد المسح الإشعاعي أو التصوير الحراري الذي يلتقط حرارة الجسم داخلها. وفي هذه الحالة يجوز للسلطات البريطانية ان تفتح الحقيبة وتضبط أسانج المختفي داخلها.
مأزق بريطانيا
في غضون ذلك، لا يبدو ان الشرطة البريطانية على وشك ان تقتحم السفارة الاكوادورية في لندن لاعتقال أسانج وتسليمه إلى السويد الذي تطالب به لاستجوابه في قضية تحرش جنسي.
وفي الواقع إن شيئا لم يتغير رغم إعلان وزير خارجية الاكوادور ريكاردو باتنيو منحه اللجوء السياسي، بل ازدادت الأزمة الدبلوماسية تعقيدا بين بريطانيا والاكوادور حيث تقول لندن ان عليها التزاما قانونيا بتسليم أسانج، فيما تتهمها كيتو بالتهديد باقتحام السفارة وخطف المواطن الاسترالي الذي لجأ اليها.
وإزاء اصرار كل طرف على موقفه، يرجح خبراء قانونيون إعادة قضية أسانج إلى القضاء من جديد.
ولكن ما تغيّر هو الدلالات الدبلوماسية، التي لا تتسم بأهمية كبيرة لعلاقات بريطانيا بالاكوادور، بقدر أهميتها لجهة حرص لندن على عدم إيجاد سابقة دولية يمكن ان تُستخدم ذات يوم ضد إحدى بعثاتها الدبلوماسية في الخارج.
وتواجه بريطانيا مأزقا لأنها من الجهة الأخرى لا تريد إيجاد سابقة مقابلة تتيح لأسانج البقاء داخل مبنى السفارة متحديا مذكرة إلقاء قبض اوروبية. وهذا ما اشار اليه السفير البريطاني السابق في موسكو توني برنتون في مقابلة مع بي بي سي.
وقال برنتون، إن وزارة الخارجية البريطانية تجاوزت الحدود بعض الشيء، وأضاف "إذا كنا نعيش في عالم حيث يمكن للحكومات أن تلغي الحصانة بصورة اعتباطية وتقتحم السفارات، فان حياة دبلوماسيينا وقدرتهم على العمل بصورة طبيعية في أماكن مثل موسكو وكوريا الشمالية ستصبح أقرب إلى المستحيل".
وتشير رسالة السفارة البريطانية في كيتو، إلى حكومة الإكوادور التي كشفت الرسالة، إلى "الأساس القانوني" الذي يمكن ان تستند اليه الحكومة البريطانية لاعتقال أسانج. وتأتي الرسالة تحديدا على ذكر قانون المباني الدبلوماسية والقنصلية لعام 1987، الذي استُخدم مرة في السابق لإجلاء مشردين من مبنى تابع للسفارة الكمبودية.
ويحدد القانون كيف يمكن لوزير الخارجية أن يلغي الاعتراف ببعثة دبلوماسية دون أن يذكر متى يكون ذلك جائزا باستثناء حالات السلامة العامة والأمن القومي. وقالت الإكوادور إنها ستنظر إلى ذلك على أنه عمل "عدائي ولا يمكن السكوت عليه".
وفي هذا الشأن، أوضح أستاذ القانون كارل غاردنر إن القانون يمنح الوزراء المختصين "صلاحية سحب الاعتراف بالبعثة الدبلوماسية" وبذلك تمكين الشرطة من اعتقال أسانج بصرف النظر عن قرار الاكوادور منحه اللجوء السياسي ولكن ليس من الواضح كيف ستُنفذ هذه العملية.
كما أن القانون نفسه ينص في فقرة أخرى أن إلغاء الاعتراف ببعثة دبلوماسية يجب أن يكون متماشيا مع القانون الدولي الذي هو في هذه الحالة اتفاقية فيينا لعام 1961 حول العلاقات الدبلوماسية. ونقلت صحيفة الغارديان عن مصادر في سفارة الإكوادور أن السفارة آوت أسانج بموجب هذه الاتفاقية تحديدا.
بعبارة أخرى، أي محاولة لإلغاء الاعتراف بالسفارة، سيُطعن بها في المحاكم أو أمام القضاء في عملية مديدة وباهظة التكاليف. وهذا ما أكده الخبير القانوني ديفيد الن غرين، الذي قال إن أي إجراء تنفيذي تتخذه بريطانيا بموجب قانون المباني الدبلوماسية والقنصلية لعام 1987 سيكون خاضعا من حيث المبدأ لولاية المحكمة العليا التي ستنظر فيه قضائيا. وهنا ستطعن الاكوادور بإجراء بريطانيا في قضية ستثير نقاطا معقدة في القانون الداخلي والدولي العام.
ما هو ليس واضحا في القانون او رسالة السفارة البريطانية، المسوغات التي تشعر الحكومة البريطانية انها تجيز لها سحب الاعتراف بالبعثة الدبلوماسية الاكوادورية لتمكينها من اعتقال أسانج رغم أن الرسالة تتهم الإكوادور بخرق اتفاقية فيينا لعام 1961.
ومن الاحتمالات القائمة امكانية أن تحاول الحكومة البريطانية الاستناد إلى توطئة الاتفاقية التي تؤكد ان الغرض المحدد من "الحصانات والامتيازات" التي تنص عليها الاتفاقية هو "ليس لفائدة أفراد وإنما لضمان أداء البعثات الدبلوماسية اداء فاعلا بوصفها ممثلة دول".
ولم تُجرب هذه الحجة في الحالات القليلة التي لجأ فيها أفراد إلى سفارات دول اخرى.
ولكن في الوقت الذي تقر فيه الاتفاقية بأن من حق بريطانيا أن تعلن أي اعضاء في البعثة أو جميعهم اشخاصا غير مرغوب فيهم "من دون إيضاح الأسباب" فان المادة 22 من الاتفاقية تنص على "ان لمباني البعثة حرمتها ولا يجوز لممثلي الدولة المستقبِلة دخولها إلا بموافقة رئيس البعثة".
يشير هذا كله إلى ان بامكان أسانج أن يبقى حيث هو في الوقت الحاضر.