رومني المورموني يخلع ثوب النعامة ويعود إلى التشدد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بعدما أعلن الحزب الجمهوري ترشيح ميت رومني المورموني للإنتخابات القادمة، يتأرجح التأييد الشعبي له بين نجاحات سابقة حققها حين كان حاكماً لماساتشوستس، وبين تاريخه أسقفاً ومبشراً مورمونياً الذي حاول جاهداً إخفاءه خلال المراحل التمهيدية للانتخابات.
بيروت: أخيراً نجح ميت رومني أمس الثلاثاء بالفوز بترشيح الحزب الجمهوري له في السباق نحو سدة الرئاسة الجمهورية، مستنداً إلى الدروس التي تعلّمها أولاً من فشله في العام 2008، وإلى إنجازات قد حققها في القطاع الخاص إبان عهده حاكمًا لولاية ماساتشوستس بين العامين 2003 و2007.
وعلى الرغم من أنّ الأميركيين يميلون إلى رومني عندما يدور النقاش حول مسائل اقتصادية، إلا أنّه لم يستطع حتى الآن أن يفوز بقلوبهم. فهو بعد مرحلة طويلة من العمل السياسي البراغماتي المعتدل، بادر إلى التشدد في خطابه خلال حملة الانتخابات التمهيدية، مركّزاً هجومه الشرس على الرئيس الأميركي باراك أوباما ومحصلة سنوات ولايته. وأوغل أكثر في توجهه اليميني باختياره بول رايان، النائب المحافظ عن ويسكونسون، ليدخل معه السباق إلى البيت الأبيض نائباً للرئيس.
بعيدٌ عن القلب
منذ أشهر، وحتى إعلانه مرشحًا رسميًا عن الحزب الجمهوري، جال رومني في جميع أنحاء الولايات المتحدة، متخذًا شكل الرجل الشعبي بثيابه البسيطة ونزوله إلى الشارع لمصافحة المواطنين، إلا أنّ لاري ساباتو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرجينيا، يقول إن ذلك "لم يقرّب رومني من قلوب الأميركيين، فحياته تتركز على الاقتصاد، وهو يكتسب مصداقية حين يبدي استعداده لمواجهة التحديات الاقتصادية المطروحة ، لكن نقطة ضعفه هي عجزه عن خطب ود العامة". فهو يخاطب الناخبين على عجل وكأنه يُلقِّنهم درسًا، وهذا ما لا يساهم في تقريبه إلى قلوبهم وفوزه بأصواتهم في انتخابات رئاسية كان يمكنه كسبها بكل سهولة بسبب ضعف الاقتصاد الاميركي الذي تتركز حوله الحملة.
لا ينكر الأميركيون النجاحات التي حققها رومني في حياته، خصوصًا نجاحه الكبير في إدارة دورة الألعاب الشتوية في سالت لايك في ولاية يوتا في العام 2002، إذ أنقذها بعدما كانت مهددة بفشلٍ ذريع. وهو يقول إن "الدروس المستخلصة من تلك الفترة ستساعدني كرئيس على النهوض بالاقتصاد واستحداث الوظائف ودفع الأمور قدمًا في واشنطن"، بحسب مقالة نشرها أخيرًا في صحيفة وول ستريت.
إلى ذلك، نجح رومني في خفض العجز في ميزانية ولاية ماساتشوستس حين كان حاكمًا لها، وأقر فيها نظامًا صحيًا مشابهًا للنظام الصحي الذي أقره الرئيس أوباما في البلاد، وهاجمه الجمهوريون بسببه. ولهذا السبب، لم يكن رومني ليلقى دعم الجناح المتشدّد في الحزب الجمهوري، لذا آثر تبديل مواقفه في الآونة الأخيرة، وتبني خطاب يميني عالي النبرة، خصوصًا في ما يتّصل بالمسائل الاجتماعية كالهجرة والاجهاض والمثلية، الأمر الذي عرّضه لسيل من الاتهامات بتبديل مواقفه استرضاءً للحزب وسعيًا حثيثًا نحو المكتب البيضاوي.
إلا أنّ العامل الأساسي الذي يثير الجدال بين المواطنين الأميركيين هو انتماء رومني إلى الكنيسة المورمونية، وهو ما يتجنب الإشارة إليه. فرومني لا يدخن السجائر، ولا يتناول الكحول، ويرفض كل ما يحتوي على مادة الكافيين، ملتزمًا أحكام كنيسته وتعاليمها. وهو ليس مورمونيًا عاديًا، بل كان أسقفًا مدنيًا لمدينة بوسطن، بين العامين 1986 و1994، مكلفًا الحرص على رفاه رعيته، ومتحملاً بذلك مسؤوليات إدارية واجتماعية ومالية.
المورمون في سطور
والمورمونية طائفة محافظة جدًا، أسّسها جوزف سميث في أواسط القرن التاسع عشر باسم كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة، دافعت في السابق عن مسألة تعدد الزوجات، وتحظر اليوم الكحول والتدخين والشاي والقهوة على اعضائها، وترفض الحق بالاجهاض وزواج المثليين، وتدعو إلى العفة قبل الزواج.
استنادًا إلى تاريخ هذه الطائفة، المورمون مصطلح يردّ إلى نبي مزعوم يدعى النبي مورمون، نقش كتابه على ألواح ذهبية، وجدها سميث في تل كومورا في مدينة مانشستر الأميركية. وتقول الرواية التاريخية إن هذه الألواح كانت في حماية ملاك، ترجم ما فيها لسميث، ما دفع أتباع المورمونية إلى اعتبار سميث نبيًا. ولهذا، وعلى الرغم من أن المورمون يعتبرون أنفسهم مسيحيين، تتبرأ الكنائس الكاثوليكية والأورثوذكسية والبروتيستانتية منهم.
تضم هذه الطائفة ستة ملايين عضو في الولايات المتحدة، ويتركز وجودها في ولاية يوتا. تعيش في تجمعات شبه مغلقة، كي تبقى محافظة على القيم الدينية والاجتماعية التي يؤمن بها أعضاؤها، بمعزل عن المغريات والبدع الحديثة. وهم يؤمنون بالكتاب المقدس كما يؤمن به المسيحيون الآخرون، بإلإضافة إلى إيمانهم بثلاثة كتب أخرى يعتبرونها مقدسة، وهي" كتاب مورمون"، وكتاب "المبادئ والعهود"، وكتاب "الخريدة النفيسة".
ثمة قيم عديدة تنادي بها هذه الطائفة، أهمها النزاهة. ويرى براندون روتينغوس، الأستاذ المحاضر في جامعة هيوستون، أن رومني والقاعدة الناخبة المسيحية يستندون إلى هذه القيم المحافظة للفوز في الانتخابات. يضيف: "شريحة صغيرة من الانجيليين لا يتقبلون إيمان المورمون، ولا يعتبرونهم جزءًا من العقيدة المسيحية، لكنّ الغالبية متسامحة".
لا بدّ أنّ رومني نجح في تجاوز عقبة انتمائه الديني لهذه الطائفة خلال المراحل التمهيدية لترشيحه من قبل الحزب الجمهوري، إذ لم يضطر يوماً إلى تبرير هذا الانتماء. إلا أنه سيواجه من اليوم فصاعداً تشكيك شريحة واسعة من الأميركيين بسبب مورمونيته. فهذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها أحد أتباع هذه الطائفة بترشيح حزب كبير في الانتخابات الأميركية. فماذا لو وصل رومني إلى البيت الأبيض رئيساً؟
شخص الرئيس
من المسلمات الأميركية أنها دولة مؤسسات، وأن أي قرار مهم يحدد سياسة الدولة يمرّ بمراحل عدة قبل اتخاذه، لكن لا مفر من الاعتراف بما للرئيس من دور مؤثر في رسم السياسة الأميركية العامة. وعلى الرغم من ثوابت عمل المؤسسات الأميركية، إلا أن طبيعة وشخصية الرئيس تلعب دورًا كبيرًا في تغيير السياسة الأميركية الداخلية والخارجية. فالرئيس جورج بوش كان هجومياً، فتوّج عهده بحربين دمويتين في العراق وأفغانستان، وأدى مجيء أوباما، بأجندته المستقاة من طبيعته الشخصية وخلفيته العرقية، إلى تحولات كبيرة في السياسات الأميركية، استطاعت استعادة بعض ملامح وجه الولايات المتحدة الجيد في العالم، باعتبارها راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان.
يُجمع الخبراء الاستراتيجيون على أن هذه الملامح ستتغير إن وصل رومني المورموني المحافظ إلى سدة الرئاسة، خصوصاً مع ما أبداه المبشر السابق ورجل الأعمال الحالي من مواقف متطرفة خلال حملته الانتخابية، وتحديداً إزاء بعض القضايا الحساسة المرتبطة بالعالم الإسلامي، وكان آخرها انتقاده أوباما في مسألة تقديم الأخير اعتذارًا للأفغان، بسبب واقعة حرق المصحف الشريف في قاعدة باغرام الأميركية.
وبالإضافة إلى خلفيته كمبشر مورموني ورجل أعمال، وما سوف يضفيه ذلك عليه وعلى سياساته الخارجية، خصوصاً إزاء العالمين العربي والإسلامي اللذين تتركز فيهما الاضطرابات اليوم، فإن رومني جمهوري يسلك سلوك الجمهوريين. فهؤلاء يركزون أكثر على قضاياهم الداخلية، وخصوصًا الجوانب الاقتصادية المتعلقة بالقطاع الصناعي وشبكة الأمان الاجتماعي، فتتراجع اهتماماتهم بالقضايا الخارجية.
ينقسم مناصرو الحزب الجمهوري في فئتين. الأولى تتبنى ترشيح رومني من دون أي تحفّظ، راضية بما اختاره الحزب. وفئة أخرى تؤيد قرار حزبها، مع التحفّظ إزاء الانتماء المورموني لرومني. إلا أن ثمة قاسماً مشتركاً بين الفئتين، يسلّم جدلًا بأن الجذور المورمونية لهذا الرئيس، إن وصل إلى البيت الأبيض، ستدفعه لإقرار المظلة الصحية الأفضل للمواطنين الأميركيين، وعلى تخفيض العجز في الميزانية الأميركية العامة، إسوة بما فعله إبان حكمه لولاية ماساتشوستس. ففي نظرهم، نجح رومني في إنجازاته السابقة لأنّ المورموني لا يحيد عن النزاهة والصدق، ويؤثر صالح الجماعة على مصالحه الشخصية. إنها قيم لا ينفيها الأميركيون عن جماعة المورمون، على الرغم من تشكيكهم الدائم بمسيحية هذه الطائفة، وخصوصاً في مسألة تعدد الزوجات التي أجازتها هذه الجماعة، وخوفهم من تعايش أكثر من سيدة أولى في البيت الأبيض.
ومن هذا المنطلق المشخص لمسألة وصول أول مورموني إلى سدة الرئاسة، يقول أحد الجمهوريين: "لقد كسر أوباما حكر البروتستانت البيض لكرسي الرئاسة عندما صار رئيساً للجمهورية، وهو كان ينافس امرأة، وهذا أيضاً لم يكن موجوداً في قاموس السياسة الرئاسية الأميركية، فلا ضير أن يأتي هذا المورموني رئيساً، فلربما تصلح الماشطة المحافظة ما أفسده دهر الديمقراطيين والجمهوريين على السواء". وفي رأي مناقض، لا يجد جمهوري آخر أملاً في تحسّن الاقتصاد الأميركي أو استحداثًا لوظائف جديدة تخفض نسبة البطالة المستشرية، "فالتراكم في العجز المالي، وتراكم عجز الإدارات الأميركية المتعاقبة لن يمحوها هذا المورموني بكبسة زر، فالمسألة أكبر من قيم إنها مسألة أرقام، والأرقام الاقتصادية الأميركية مخيفة منذ أزمة الائتمان العالمية في العام 2008، والتي يبدو أن اقتصادنا لم يجد طريقه إلى التعافي منها".