أخبار

إمنعوا التدخين ترتفع إيراداتكم... وهنا الدليل!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
وزير العدل يضع ملصق "ممنوع التدخين" في قصر العدل في بيروت

التدخين ممنوع في الأماكن المغلقة في لبنان، والسجال دائرٌ بين نقابة أصحاب المطاعم التي تضرب على وتر خسارتها إقتصاديًا، وبين مجموعة بحث من الجامعة الأميركية أثبتت أن الخسارة الاقتصادية أكبر إن لم يطبق القانون.

ما إن هلّ الثالث من أيلول (سبتمبر) 2012، وسرى قانون حظر التدخين في الأماكن العامة المغلقة في لبنان، حتى تصاعدت الاحتجاجات عليه، وعلت الصرخات منبهةً من أثره السلبي على الاقتصاد، وشاعت التعليقات عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، منها ما بقي في إطار التندّر الذي درج اللبنانيون على اعتماده "فشّة خلق"، ومنها ما تعداه إلى توجيه رسائل لا تخلو من صدق، كمقولة دخان معمل الذوق الحراري يؤذي أكثر من دخان السجائر.

على الرغم من التسليم جدلًا بأن دخان معمل الذوق الحراري سام جداً ويجب السعي بجدّية لحل هذه الأزمة البيئية المتراكمة من سنوات، لكن إذا تعذّر ذلك حالياً فذلك لا يعني ألا يرّحب معظم اللبنانيين بخطوة إيجابية للحد من التدخين في الأماكن العامة المغلقة.

النقابة خلف الدراسة

أكدت نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي في لبنان وقوفها مع هذا القانون والتزام خمسة آلاف مطعم به، وهي تفاوض اليوم على تعديله لتؤمن استمرارية ألف مقهى وملهى في لبنان. إلا أنها رأت مجالاً لتحسين القانون في صيغته الحالية بما يضمن فعاليته وحسن تنفيذه، مستندة إلى دراسة أعدّتها "إرنست أند يونغ".

اعتبرت الدراسة القانون الجديد متشدداً بشكل كبير مقارنة بالقوانين المطبقة في الدول المتقدمة وبنماذج إقليمية فعالة، خصوصًا أن للمرونة دورًا اساسيًا في نجاح تطبيقه. كما رأت أنه يشرع الباب أمام تفاقم الفساد بما يجعل تنفيذ القانون انتقائيا، خصوصًا أن البراهين قاطعة على أن القانون لن يطبق بمساواة لا سيما في مناطق تضعف فيها سلطة الدولة.

وتقول الدراسة التي تسوّقها النقابة إن صياغة القانون تؤدي الى تأثيرات سلبية كبيرة على الاقتصاد اللبناني، على مستوى العائدات ومعدل البطالة والانفاق السياحي فضلاً عن عائدات الضرائب. فتحقق المطاعم والمقاهي والحانات والنوادي الليلية عائدات بقيمة 735 مليون دولار في السنة، ومن شأن القانون في صيغته الحالية ان يقلص هذه العائدات نحو 282 مليون دولار، أي ما يمثل 7,1 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي في قطاع السياحة، وهذايشكل انتكاسة كبرى لمجمل الاقتصاد اللبناني. كما سيقلص عائدات المطاعم والمقاهي والحانات والنوادي الليلية اللبنانية بنسبة 25% بشكل عام، فيما ينظر الى المقاهي كأكبر المتأثرين سلباً بالقانون.

إلى ذلك، تتوقع الدراسة أن يتسبّب القانون بخسارة 46 مليون دولار من الإنفاق السياحي، ما يهدّد بفقدان 2600 وظيفة بدوام كامل.

توصيات بتعديلات

بناءً على الدراسة آنفة الذكر، أوصت نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي في لبنان حظر التدخين في جميع الاماكن العامة المغلقة، وأماكن العمل، ووسائل النقل المشترك، وفي كل المطاعم وأي مؤسسة تعتمد الطعام أساسًا لأعمالها، واستثناء المؤسسات التي تصنف كمطاعم لكنها لا تعتمد الطعام أساسًا لأعمالها، بل الكحول والترفيه كالحانات والنوادي الليلية ومقاهي النرجيلة.

وأكدت النقابة حرصها على أن لا تعفي هذه الاستثناءات المستفيدين من وجوب توفير المعايير الفنية الضرورية كتركيب أنظمة تهوئة وتكييف ملائمة، ومنع دخول من هم دون الثامنة عشرة، ووضع إشارة واضحة خارج المؤسسة أن التدخين مسموح في داخلها.

دراسة غير منهجية

أتى الردّ الفعلي للضاربين على وتر الاقتصاد المتهالك من مجموعة بحث للحد من التدخين في الجامعة الأميركية في بيروت، التي عقدت مؤتمرًا صحافيًا مع نشطاء المجتمع المدني، لتوضيح الأمور معتبرة أن الدراسة التي تسوّقها نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي تفتقد إلى المصداقية ولا تتمتّع بأي قيمة علمية، مفصّلة أسباب وقوفها هذا الموقف من نتائج الدراسة.

أولًا، العينة غير تمثيلية والمدة الزمنية غير كافية. فبحسب مجموعة الأميركية، لم تأخذ شركة الإستشارات التي كلفتها النقابة إجراء الدراسة، وقتًا كافيًا لإجراء دراسة علمية، بل اكتفت بفترة زمنية لا تتعدّى شهرًا واحدًا، وهي غير كافية علمياً لإجراء هذا النوع من الدراسات.

كما استندت الدراسة إلى ورشة عمل واحدة فقط ضمت 65 صاحب مؤسسة سياحية، زاعمةً أن هؤلاء يشكّلون عينة تمثيلية عن القطاع السياحي، علمًا أن هذا القطاع يضم 1600 مؤسسة سياحية مسجلة بين مقهى ومطعم وملهى، بينما تعترف النقابة بوجود 6000 منها، ما يفقد هذه العينة صفتها التمثيلية.

ثانيًا، تفتقد الدراسة إلى المنهجية العلمية. فبحسب مجموعة البحث، ترتكز الخسارة المعلن عنها في عائدات القطاع السياحي إلى توقعات وتكهنات غير موضوعية.

فالشركة الإستشارية استفتت 65 صاحب مصلحة فقط عن توقعّاتهم بالنسبة إلى أي خسارة محتملة في العائدات بعد تطبيق القانون، ما لا يمكن اعتباره منهجية علمية لاستنتاج التوقعات الإقتصادية بما أنه يستند إلى آراء وتكهّنات أفراد فقط وليس إلى معطيات علمية ملموسة، بينما يجب أن يستند التقدير العلمي للخسارة أو الربح إلى قياس التحوّل في المردود بعد تطبيق القانون ولفترة زمنية ثابتة وطويلة.

استنسابية واختزالية

ثالثًا، الدراسة استنسابية، ولا تأخذفي الاعتبار أرباحًا قد تتأتى من نسبة الزبائن غير المدخنين الذين سيرتادون المطاعم، في الوقت الذي أظهر أكثر من مئة دراسة علمية في العديد من البلدان أن لا أثر اقتصاديًا سلبيًا مرتبط بتطبيق قوانين منع التدخين في الأماكن السياحية المغلقة، بل أظهر العديد منها أن التطبيق ينعكس إيجاباً على مردود الأعمال. فعلى سبيل المثال، ارتفعت العائدات في تركيا نحو خمسة بالمئة.

ينتج هذا الارتفاع المتوقع في لبنان من ارتفاع عدد الزبائن غير المدخنين، علمًا أن 62 بالمئة من اللبنانيين غير مدخنين ويشكلون أكثرية، وهناك 92 بالمئة من اللبنانيين - مدخنين وغير مدخنين - يؤيدون القانون وفق وزارة الصحة ما يجعل هذا القانون يتمتع بشعبية عالية جداَ. كما ستنخفض الفاتورة الصحية للموظفّين والتي يتكبدها صاحب العمل، كون العمّال يصبحون أقلّ عرضة للمرض. فالدراسات تظهر عالمياً وفاة 200 ألف عامل في القطاع السياحي سنويًا جرّاء التدخين السلبي.

رابعًا، الدراسة اختزالية، فالتقديرات في انخفاض العائدات السياحية جرّاء تطبيق القانون خاطئة كونها ترتكز بالكامل على تكهنات غير موضوعية. فبمجرّد اعتبار 65 صاحب مطعم ومقهى وملهى أن 25 بالمئة من عائداتهم ترتكز على السياح، وضع محلّلو الدراسة هذا الرقم بمجمله في خانة الخسائر في القطاع السياحي مفترضين أن المصدر الوحيد لجذب السياح هو النرجيلة، وذلك غير منطقي. فهذه نظرة اختزالية للقدرة الاستقطابية للقطاع السياحي خصوصًا أنه لا يوجد إحصاءات علمية تظهر أن النرجيلة هي التي تستقطب السياح الى لبنان.

أخيرًا، يقول فريق بحث الجامعة الأميركية إن الإنخفاض المتوقع للناتج المحلي القومي متحيز وخاطئ، فالتحاليل تفترض أن الإنخفاض المزعوم في عائدات القطاع سينعكس على القطاعات الأخرى المرتبطة به، كما سينعكس انخفاضًا مزعومًا مباشرًا وغير مباشر في مدخول الأشخاص الذين يعملون في قطاع السياحة. إلا أن هذه التحاليل استبعدت كلياّ إمكانية تحقيق أرباح متوقّعة في الناتج المحلي القومي لأسباب مختلفة، أهمها انخفاض الفاتورة الصحية نتيجة انخفاض نسبة التدخين، وارتفاع دخل الأفراد وارتفاع قدرتهم الشرائية نتيجة لانخفاض نسبة التدخين لديهم والصرف المتعلق بالصحة، وارتفاع في دخل المؤسسات نتيجة الإنتاجية النشطة وانخفاض عدد الإجازات المرضية.

الأثر معكوس

وتعكس مجموعة البحث للحد من التدخين في الجامعة الأميركية في بيروت الكلام حول الأثر الاقتصادي للقانون، وتقول إن الأثر الكارثي على الاقتصاد يتأتى من عدم تنفيذ القانون.

فقد أظهرت دراسة المجموعة خسارة الدولة ما لا يقل عن 55 مليون دولار اميركي سنوياً جرّاء عدم تطبيق سياسات قوية للحد من التدخين، بما فيها ارتفاع الفاتورة الصحية. وأكّدت أن أي تعديل للقانون أو استثناء سيؤدي الى إلغاء كل المفاعيل الإيجابية علماً أن بلدان العالم المتحضر التي تسمح بالاستثناء، ذاهبة باتجاه المنع الشامل للتدخين في أي مكان مغلق، وعليه ترفض مجموعة البحث للحد من التدخين رفضًا قاطعًا أي تعديل لهذا القانون لأن من شأنه الاضرار بالمصلحة العامة على كل الصعد: اقتصاديًا، صحيًا، بيئيًا ومجتمعياً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف