حزب العمل الوطني الديمقراطي: هناك معارضتان واحدة تربك وأخرى تفكر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ورثت الحكومة التونسية التي تشكلت بعد الثورة تركةً ثقيلة جدًا من العهد الماضي، فلم تتمكن من تفعيل أدائها، خصوصًا أنها تتخبّط في ارتباكها الداخلي.
تونس: قال الأمين العام لحزب العمل الوطني الديمقراطي عبد الرزاق الهمامي في مقابلة مع "إيلاف": "إن المعارضة معارضتان واحدة تربك وأخرى تفكر"، وأكد أن المجلس التأسيسي هو المؤسسة الشرعية التي تتصرف وفق تفويض شعبي، وهو ما يخول لها ضمان الشرعية لكل مؤسسات الدولة، ولكن " شرعية الصندون يجب أن تتعزز بشرعيتين، شرعية النجاعة وشرعية التوافق" .
وحول مشروع إقصاء التجمعيين (نشطاء حزب التجمع المنحلّ وأنصار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي)، أشار الدكتور عبدالرزاق الهمامي إلى أنّ "أي قانون سيتم اتخاذه في إطار المجلس التأسيسي يعتبر أداة لإقصاء تعسفي خارج إطار القانون."
وأضاف أنّ التحالفات السياسية لا بد أن تبنى على حدّ أدنى من التمايز، معبّرًا عن خوفه من أنّ: "الإستقطاب المغلوط في هذه التحالفات قد يصل بنا إلى ما حدث في مصر وهو مشهد مرسي - شفيق، وهو أسوأ ما قد نصل إليه" .
الأمين العام لحزب العمل الوطني الديمقراطي تحدث عن الإنقسام الذي حدث في حزبه، السلفيين والمشهد الإعلامي و "الجبهة الشعبية اليسارية" (تجمّع لإثنى عشر حزبًا يساريًا).
وهذا نص الحوار كاملاً
كيف تقيّم أداء حكومة الترويكا بعد ثمانية أشهر من العمل ؟
عمومًا لم يكن في مستوى الإنتظارات، وهذا ما عبر عنه حتى بعض الشركاء في الحكم، ومن ناحيتنا وبموضوعية نعتبر أن المشاكل كبيرة والتركة ثقيلة، وبالتالي لا تحلّ بعصا سحرية، وفي هذه المسألة تداخلات كثيرة ومنها مساع للإرباك والتعطيل، ويتضح كذلك أن هناك قدراً من التخبط والضبابية وغياب الكفاءات الفاعلة، وهذا ترتب عنه الأداء المربك الذي لم يكن في مستوى الإنتظارات.
وكيف يبدو لك أداء المعارضة خلال الفترة الماضية ؟
المعارضة معارضتان، في تقديري هناك معارضة تسعى الى حلّ المشاكل، وتوفير البدائل وصياغة حلول، وهي تعارض الحكومة من أجل خدمة مصلحة البلاد، وهي بالتالي ذات طابع إيجابي ومفيد، ولا أحد يرضى بنوع من المعارضة الطابع الرئيسي في أدائها الفوضى والإرباك، ولا يخلو منها أي مشهد سياسي. وما يعنيني غير المعارضة البديلة التي تفكر في المشاريع وتبدي رأيها، ومن واجب الحكومة أن تستمع إليها وتنتهي معها إلى توافق جدّي خدمة لمصلحة البلاد .
هناك جدل في الوسطين السياسي و المدني حول شرعية المجلس التأسيسي ومن ورائه الحكومة بعد تاريخ 23 أكتوبر . كيف تنظر إلى هذه المسألة ؟
لدينا مؤسسة شرعية منتخبة، وهي المجلس الوطني التأسيسي، وهي المؤسسة الشرعية التي تتصرف وفق تفويض شعبي عن صناديق الإقتراع في 23 تشرين الأول (أكتوبر)، وهذا ما يخوّل لها ضمان الشرعية لكل مؤسسات الدولة، وفي المقابل لا ننسى أن انتخاب هذه المؤسسة جاء ضمن مرسوم تضمن أن هذه الهياكل التي ستتمخض عن الإنتخابات مهمتها كتابة الدستور في حدود سنة واحدة، ولا ننسى كذلك أن الأحزاب الحاكمة وخاصة حركة النهضة وحليفها حزب التكتل (حزب رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر ) أمضيا ضمن أحد عشر حزبًا في إطار الهيئة الوطنية لحماية الثورة، وتحقيق أهدافها على وثيقة ملزمة أخلاقيًا بأن الإنتهاء من كتابة الدستور سيكون في ظرف سنة. هذه الملابسات تجعل من شرعية الصندوق التي لا يقدح فيها عاقل يجب أن تعزز بشرعيتين أخريين، الأولى هي شرعية النجاعة في تسيير الشأن العام، وشرعية أخرى مهمة وهي شرعية التوافق والمرور إلى مرحلة انتقالية في حدود وأجندة وطنية واضحتين، وهذا لا يمكن أن يحصل دون استماع جميع الأطراف لبعضها، وهذا يعتبر حدًّا أدنى ضامنًا لاستقرار تونس للخروج من الضبابية وإقفال أي مدخل لمحاولة إرباك يدخل البلاد في فوضى لا نعرف حدودها.
في الفترة الأخيرة احتدّم الجدال حول التكامل والإستقلالية في علاقة الرجل بالمرأة، وذلك من خلال الفصل 28 الذي تضمنته مسودة الدستور. فكيف ينظر حزب العمل الديمقراطي إلى هذه المسألة ؟
أنا ضد استعمال صيغ غامضة وفيها قدر من الإجحاف المبكر، وبالتالي علينا أن نمضي إلى المسائل بكل وضوح. وقد استعملت قضية المرأة في الواقع لشق صفوف التونسيين، بين من يدعم حقوق المرأة ومن يرفضها. ونحن الآن بصدد الإحتكام إلى مواطنة بقطع النظر عن الجنس أو العرق، وبالتالي نحن نرى التساوي في المواطنة حقوقاً وواجبات.
هناك مشروع لإبعاد التجمعيين (أنصار الرئيس المخلوع بن علي) من الحياة السياسية لفترة محددة. ما رأيك ؟
أنا مع معاقبة كل من أساء إلى هذا البلد سواء في قضايا الفساد أو الإستبداد أو الإضرار بالمواطنين والمساهمة في كل ما عاشته تونس من مآسٍ، وذلك في إطار القانون ووفق الصيغ القانونية ووفق قرائن وحجج دامغة ومن حق التونسيين أن يمنعوهم من مواصلة النشاط السياسي، ونحن جميعًا بحاجة إلى الوضوح في هذه المسألة. ونحن نعتبر أن أي قانون سيتم اتخاذه في إطار المجلس التأسيسي يعتبر أداة لإقصاء تعسفي خارج إطار القانون.
وأنت رجل الإعلام، كيف يبدو لك المشهد الإعلامي بعد الثورة ؟
يمثل حالة من الإرباك المطلق، وينقلب المشهد في قيم سريالية غريبة حيث يصبح فرسان الإساءة للرسالة الإعلامية أبطالاً و حاملي قيم الثورة، وبالتالي من الضروري توضيح الأمور وتصفيتها و لا يكون ذلك برؤية أحادية ونوع من التسلط على القطاع ولا بالتغاضي عن الذين أساؤوا سابقًا وواصلوا إساءتهم حاضرًا، ولا بد من الحزم والوضوح في التعاطي مع من يثبت فسادهم ودون توظيف سياسي من طرف أي حزب.
وكيف تنظر إلى التحالفات السياسية التي برزت أخيرًا في الساحة السياسية ؟
أنا مع تبلور المشهد السياسي الذي يبقى غامضًا ومربكًا ومشتتًا لكن تم تسجيل عمليتين مربكتين، الأولى تتمثل في تواصل التشرذم والتموقع الحزبي الضيق، ومن مصلحة الوضع السياسي أن تتبلور حتى يكون المواطن قادرًا على فهم التمايزات بين مختلف الأحزاب، و لكن المضرّ في هذه التموقعات هو أن يقع فيها نوع من الإستقطاب المغلوط أي أن نحشر السلطة ومن معها في زاوية، وفي الزاوية الثانية من يقف ضد السلطة بأي شكل من الأشكال لأن هؤلاء لا يؤمنون بالثورة ولا باستكمال استحقاقاتها، ولكنهم يبحثون عن مظلة لتحقيق منافع ومكاسب لا غير، وفي تقديري من أسوأ المشاهد التي قد نصل إليها في تونس، ما حدث في مصر وهو مشهد مرسي وشفيق. وبالتالي لا بد من حدّ أدنى من التمايز، ولذلك كان تشكيل جبهات سياسية فيها التقاءات حول محاور، وهذه الجبهات رغم تعددها يجب أن تتضمن قدرًا من التوافق بينها و لفترة طويلة خدمة لمصلحة تونس.
شهد حزب العمل الوطني الديمقراطي في الفترة الأخيرة انقسامًا. فما هو مستقبل الحزب ؟
وضعيتنا واضحة ومشروعنا يتمثل في توحيد الوطنيين الديمقراطيين كتيار وجد منذ أربعين عامًا بأشكال متعددة، وفيه مكونات عديدة وتعبيرات سياسية وشخصيات، تجمع بين الغث والسمين، ككل الكيانات السياسية. لقد أردنا تنظيم هذا التيار على أسس تنظيمية وحزبية واضحة تتضمن معطيين، المعطى الأول هو الخروج الحزبي الحالي بمضامين متقدمة واعتماد سياسة ملموسة وواقعية وقابلة للتنفيذ، يفهمها المواطنون، وهي بعيدة عن سياسة الإحتجاج وتسعى الى إدارة البلد. والمعطى الثاني هو أن ذلك يجب أن يكون بأداة وبطابع ديمقراطي بوجود قيادة جماعية لكل المؤسسات، وعدم جمع أي مسؤول حزبي لأكثر من مسؤولية واحدة، وبالتالي لا نجد أمينًا عامًا يجمع بين يديه كل الصلاحيات. وكان الإتفاق فعلاً على هذه الخطوات مع "حزب الوطنيين الديمقراطيين" بقيادة المحامي شكري بلعيد، ولكن ذلك لم يتمّ، لتراجع هذا الحزب عما اتفقنا عليه بل أن أمينه العام اشترط أن يكون هو الأمين العام للحزب الجديد بعد التوحيد، وكان رفضنا لذلك فانشق البعض عن حزبنا، ونحن أصحاب رأي ننتهي إليه بالنقاش الديمقراطي، وبالتالي سنبني قريبًا التجربة التنظيمية من خلال التصور الذي سطرناه.
وهذا ما جعلك في أحد حواراتك تشبه أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين شكري بلعيد بـ" ستالين الصغير " ؟
نحن لا نسعى الى المماحكة معه أو مع غيره بل نحنمنصرفون إلى العمل الجدّي.
تنادي أغلب الأحزاب بالوقوف بوجه بعض الأعمال التي تنسب إلى السلفيين. فكيف تبدو لك هذه المسألة ؟
لا ينكر أحد أن هذه التيارات هي كلها تعبيرات اجتماعية وليدة ما عاشه المجتمع التونسي من كبت ولّد تعبيرات منفردة وغير منسجمة مع الطابع العام للمجتمع الذي يحمل قدراً كبيراً من العقلانية ومن القبول بالحوار، وهذا مردّه أيضًاتراكمات النخب السياسية في البلاد من عمل مشترك لمناهضة بن علي كل من موقعه، وبطريقته وجد هذا التيار بمدارسه المختلفة. كما أن هناك عوامل أخرى دخلت على الخط وهي القراءات المتطرفة لواقع المجتمع التونسي وهو مجتمع مسلم وموحّد طائفيًا .. وكانت هذه النتائج المؤسفة والمضرّة بشبابنا الذي يدفع دفعًا إلى اتيان أفعال مشينة ومضرة بقيم الدين المتسامح وبالتونسيين وبلدهم.
زعيم حزب العمال حمه الهمامي قال أخيراً "إن تزوير الإنتخابات أمر وارد" . فكيف تنظر إلى هذا التصريح ؟
نحن نعمل الآن من أجل أن يستقر الوضع في تونس على توافق تنجز فيه العملية الإنتخابية بمؤسسات ضامنة للحياد والشفافية، واستقلالية المؤسسة المشرفة حتى لا يحدث التزوير في انتخاباتنا.
وهل أن حركة النهضة ستحكم فعلاً لعشرات السنين مثلما قال زعيمها راشد الغنوشي ؟
هذا أمر يقرره الشعب التونسي، الذي هو على قدر من الذكاء و الفطنة بحيث إذا رأى أن حركة النهضة كانت على مستوى حزب يؤتمن على إدارة الشأن العام سيمدّد لها وسيمنحها الشرعية الشعبية، كما حدث في انتخابات 23 أكتوبر 2011. وإذا رأى العكس فإن النتائج ستكون مترتبة على هذا الحكم، وثقتنا كبيرة بالشعب التونسي.
هل ترى أن "الجبهة الشعبية اليسارية " (تجمّع لإثني عشر حزبًا يساريًا) قادرة على الوقوف ندًا لحركة النهضة؟
هذه الجبهة مكونة من تنظيمات وشخصيات ووجوه من مشارب يسارية وقومية لا يشك في وطنيتها وإسهامها في النضال ضد الديكتاتورية، ولكن في التقدير السياسي أنا لست مع الجبهات التي تتشكل برؤية فيها قدر من الصفوية أي الإنتقائية والراديكالية، فالوضع في البلد لا يحتمل هذا القدر من التمييز الإنغلاقي، وبالتالي يجب التوجه إلى عمل جبهوي واسع ضمن قواسم مشتركة وتوافقات بين حتى المتنافسين . فمشروع الجبهة الشعبية هو إيجابي في الجمع بين أطراف ولكن لا يمكن أن نتصور أن هذه الجبهة هي الإجابة على الراهن التونسي.