أخبار

البابا سيدعو في لبنان إلى وقف دوامة العنف في سوريا

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ترحيب كبير بزيارة البابا إلى لبنان

بيروت: أعلن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الخميس أن البابا بنديكتوس السادس عشر سيدعو خلال زيارته الى لبنان التي تبدأ الجمعة الى وقف دوامة العنف في سوريا، والى وقف الدعم "بالمال والسلاح" لأي طرف.

وقال البطريرك الماروني في لقاء مع الاعلاميين في بكركي (شمال بيروت) عشية زيارة البابا إنه بالنسبة لسوريا "نحن ننادي ونطالب، والبابا سينادي طبعًا بوقف دوامة العنف والحقد، هذه لا تجدي نفعًا، وأن يتوقف الذين يدعمون بالمال او بالسلاح هذا الطرف أو ذاك" في النزاع.

واضاف أن "الربيع العربي الحقيقي" يمكن وصفه بما تتضمن هذه الزيارة من دعوات لكنه ربطه "بنوع خاص بما يسمى تلاقي المسيحية والاسلام، بكل ما تحمل هاتان الديانتان من قيم ومبادىء".

وتابع البطريرك الماروني "لأن الحرب لا تقام باسم المسيحية أو الاسلام، تقوم بها دول أو مغرضون أو مستأجرون. يحق لكل شعب في البلدان العربية وسواها أن يطالب بما يحتاج اليه من اصلاحات نحن معه لكن اقول ينبغي أن تلتقي هاتان الديانتان بما لها من قيم اخلاقية لكي يوضع اساس لربيع عربي حقيقي". ويصل البابا بنديكتوس السادس عشر ظهر الجمعة الى بيروت في زيارة تستغرق ثلاثة ايام تنطوي على حساسيات كبرى في هذا البلد الذي تخيم عليه الازمة السورية.

وردًا على سؤال بشأن الديموقراطية في سوريا، قال البطريرك الماروني بحسب ترجمة من الايطالية إن "الحوار هو الطريق الوحيد للوصول الى الديموقراطية. اذا كان احد يريد الديموقراطية عليه أن يعرف أنه لا يمكن الوصول اليها عبر العنف".

وتابع "نحن مع الاصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي، لسنا مع الديكتاتورية ولا مع التيوقراطية" (الانظمة الدينية). نؤمن بالديموقراطية ولا يمكننا أن نوافق على لغة العنف". واشار على سبيل المثال الى تجربة العراق. وقال: "رأينا ما حصل في العراق، الديموقراطية مهمة لكنها عن طريق العنف توصل الى حرب اهلية".

ويختلف لبنان الذي يزوره البابا عن لبنان الذي زاره سلفه الراحل يوحنا بولس الثاني العام 1997، لا سيما بالنسبة الى تحرره من الوصاية السورية والاحتلال الاسرائيلي، الا أن انقسامات عميقة لا تزال قائمة بين ابنائه.

"لبنان اكثر من بلد، انه رسالة"، عبارة قالها البابا يوحنا بولس الثاني خلال زيارته التاريخية الى لبنان، في اشارة الى التعايش الاسلامي المسيحي في بلد شهد حربًا اهلية دموية على مدى خمسة عشر عامًا (1975-1990)، وباتت هذه العبارة الشهيرة قولاً ماثورًا يردده عدد كبير من اللبنانيين والمسؤولين في لبنان.

لكن الانقسامات في لبنان لا تزال قائمة، وإن كانت الاطر ومحاور الانقسام تبدلت. ويقول الباحث جوزف باحوط "يصل البابا الى لبنان في اطار لبناني واقليمي جديد تمامًا ومختلف عن الحقبة التي جاءت فيها زيارة يوحنا بولس الثاني".

ويضيف الاستاذ الجامعي في باريس والخبير في الشرق الاوسط "المشكلة في 1997 كانت مشكلة بلد يعيد بناء نفسه بكثير من الامل، رغم الوصاية (السورية) الثقيلة. اليوم، انتهت الوصاية، ويشهد البلد الوصي نفسه تغييرات جذرية".

وخرج الجيش السوري من لبنان بضغط دولي ومن الشارع بعد اكثر من ثلاثين سنة من التواجد والنفوذ الواسع لدمشق على الحياة السياسية اللبنانية، وذلك اثر اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري الذي وجهت اصابع الاتهام فيه الى دمشق. وكانت اسرائيل التي احتلت اجزاء كبيرة من لبنان على مدى 22 عاماً انسحبت منه العام 2000.

وجرت عملية اغتيال الحريري الذي يعتبر مهندس اعادة اعمار لبنان، البلد الصغير، الى دوامة جديدة من الاغتيالات طالت بمعظمها شخصيات مناهضة لدمشق، ثم حرب مدمرة بين حزب الله الشيعي والجيش الاسرائيلي في 2006، ثم موجات من المواجهات الداخلية الخطيرة منذ 2008.

كل هذه الاحداث كرست الانقسام في لبنان بين تحالف اساسه سني مناهض للنظام السوري وهو اليوم في موقع المعارضة، وتحالف اساسه شيعي مؤيد لدمشق وهو اليوم يمتلك الاكثرية في السلطة والبرلمان. وينقسم المسيحيون الذين يريد البابا تعزيز حضورهم في هذه البقعة من الشرق بين التحالفين. ويقول باحوط: "هنا يكمن التحدي الذي يجب أن يأخذه البابا بالاعتبار بالنسبة الى مشاكل المسيحيين في لبنان وتهميشهم بفعل اصطفافهم بين قوتين متنازعتين".

وتركز الكنيسة الكاثوليكية في مقاربتها للازمات الحالية التي تعصف بالشرق الاوسط على ضرورة الاهتمام بمصير مسيحيي الشرق الاوسط لتجنيبهم الهجرة من المنطقة التي انطلقت منها ديانتهم، ما سيشكل انتصارًا للتيارات الاسلامية المتطرفة.

وعلق جيوفاني ماريا فيان، مدير صحيفة الفاتيكان اوسرفاتوري رومانو، على زيارة البابا المرتقبة ابتداء من الجمعة الى لبنان "إنها زيارة تأتي من قلب البابا" الى مهد المسيحية، "إنها ايضًا زيارة الى منطقة هي للأسف مسرح لرهانات سلبية وخطيرة".

وقد ادى تنامي التيارات الاسلامية المتطرفة منذ العام 2003، العام الذي تدخلت فيه الولايات المتحدة في العراق، الى مغادرة 550 الف مسيحي من هذا البلد وحده. وقد يكون عدد المسيحيين في الشرق الاوسط بين 13 و15 مليونًا في كل منطقة الشرق الاوسط (من دون احتساب حوالي 1,5 مليون مهاجر مسيحي في الخليج)، لكن نسبتهم المئوية الى عدد السكان الاجمالي انخفضت كثيرًا.

ويهاجر المسيحيون من العراق ومصر وفلسطين --لأسباب امنية وسياسية واقتصادية--، بعشرات الآلاف. واليوم جاء دور مسيحيي سوريا الذين ينظر اليهم احيانًا، ولو انهم لا يشكلون الهدف الرئيسي للنزاع، على أنهم مقربون من نظام الرئيس بشار الاسد، وبعضهم يهرب اليوم الى لبنان والاردن أو تركيا.

ويرى مسيحيو المنطقة أن سيناريو العراق يتجدد في سوريا: فهم في الحالتين كانوا يحظون بمعاملة جيدة من جانب النظامين البعثيين، وفي الحالتين دفعوا الى الهجرة بفعل تهديدات الاسلاميين المتطرفين.
ويلاحظون تزايد نفوذ حركات اسلامية متشددة منبثقة من شبه الجزيرة العربية حيث لا تسامح مع ممارسة أي طقوس أخرى.

واختيار البابا للبنان -- وهو قرار اتخذ قبل الربيع العربي بكثير -- لاعلان الارشاد الرسولي للسينودس العائد للعام 2010 حول الشرق الاوسط، لم يأتِ عن طريق الصدفة: فلبنان هو الدولة الوحيدة في المنطقة التي ينص دستورها على احترام تعدد الطوائف.

وقد تراجع نفوذ المسيحيين الذين كانوا يتمتعون بموقع قوي في لبنان قبل الحرب الاهلية، بفعل هذه الحرب التي تعود بعض اسبابها الى التهميش الذي كان يشكو منه ابناء الطوائف الاخرى، وبفعل الحروب الاخوية التي وقعت بينهم في نهاية الحرب والتي تسببت بشرذمتهم، وهي شرذمة لا تزال قائمة حتى اليوم.

ويخشى المسيحيون المتحالفون مع حزب الله، كما عدد كبير من المسيحيين السوريين، من صعود للاسلاميين في حال سقوط النظام السوري. وحذر الزعيم المسيحي ميشال عون من خطر وصول انظمة تحكم "بايديولوجية القرون الوسطى".

ويقول النائب ابراهيم كنعان من كتلة التغيير والاصلاح التي يرأسها عون لوكالة فرانس برس، "لا يجب أن نتحول رهائن نزاعات الآخرين. يمكننا أن ندعم قضية، لكننا في بيروت وبعلبك، ولسنا في ادلب او حمص".

في المقلب الآخر، يدعم المسيحيون الآخرون الثورة السورية ضد بشار الاسد من اجل "الحرية وكرامة الانسان". ويقول الامين العام لقوى 14 آذار (معارضة) فارس سعيد لوكالة فرانس برس "لا نخاف التغيير"، منتقدًا "الذين يتصرفون كأقلية مذعورة".

ويضيف "المطلوب من المسيحيين، ومن خلال ما سيقوله البابا للبنان، أن يكونوا طليعيين في التطور ورأس حربة في التغيير الحاصل في العالم العربي". في الوقت نفسه، يعاني لبنان كله، وبعيدًا عن الانقسام المسيحي، من غياب مشروع موحد للمستقبل. ويقول كنعان "حتى الآن، لم نضع رؤية وطنية، ليس فقط كمسيحيين، انما كلبنانيين ايضا".

وفي مؤتمر صحافي عقدته الاربعاء اللجنتان الوزارية والكنسية المنظمتان لزيارة البابا، قال رئيس اللجنة الكنسية المطران كميل زيدان إن "الكنيسة لا تزج نفسها في مواقف سياسية"، مشيراً الى أن الارشاد الرسولي حول الشرق الاوسط الذي سيسلمه البابا خلال زيارته "هو خارطة طريق لمسيحيي الشرق الاوسط تعطي ارشادات وطريقة حياة"، لكن "الكنيسة لا تدخل في صراعات".

"الارشاد الرسولي" رسالة الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الاوسط


"الارشاد الرسولي" الذي سيوقعه البابا بنديكتوس السادس عشر الجمعة في اليوم الاول من زيارته الى لبنان، مستوحى من توصيات السينودوس حول الشرق الاوسط ومناقشاته وابرزها دعوة المسيحيين الى التمسك بارضهم وعدم الهجرة والتشديد على اهمية حضورهم في المنطقة وعلاقاتهم مع الاديان الاخرى.

وقد رفعت الامانة العامة لسينودوس الاساقفة الذي عقد في تشرين الاول/اكتوبر 2010 بدعوة من الحبر الاعظم، نص المقترحات النهائية ال44 للجمعية الخاصة من اجل الشرق الاوسط التي حملت عنوان "الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الاوسط، شركة وشهادة" الى البابا للموافقة عليها.

في ما يلي ابرز التوصيات النهائية للسينودوس:


- هوية الكنائس الكاثوليكية في الشرق:

"في خضم عالم مطبوع بالانقسامات والمواقف المتطرفة، نحن مدعوون الى العيش في الكنيسة كسر للشركة، بحيث نبقى منفتحين على الجميع دون الوقوع في الطائفية. ونحقق هذا الامر ان بقينا امناء لغنى تراثنا التاريخي، والليتورجي، والآبائي، والروحي، كما لتعاليم المجمع الفاتيكاني الثاني وللقواعد والبنى الواردة في مجموعة قوانين الكنائس الشرقية الكاثوليكية، ومجلة الحق القانوني والشرع الخاص بالكنائس".


الارض:

- "بما ان التعلق بالارض الام هو عنصر اساسي من هوية الاشخاص والشعوب، وبما ان الارض هي مساحة حرية، نحض مؤمنينا وجماعاتنا الكنسية على عدم الاستسلام الى تجربة بيع املاكهم العقارية. ومساعدة المسيحيين للمحافظة على ارضهم او لشراء اراض جديدة، في الظروف الاقتصادية الصعبة، نقترح على سبيل المثال اقامة مشاريع تعمل على استثمار الارض، ليتمكن اصحابها من البقاء فيها بكرامة والسعي الى استرجاع المفقود منها والمؤمم، وليرافق هذا الجهد تفكير عميق في معنى الحضور المسيحي ورسالته في الشرق الاوسط".


السلام

- "تلتزم كنائسنا الصلاة والعمل لاجل العدالة والسلام في الشرق الاوسط وتدعو الى تنقية الذاركة مفضلة لغة السلام والرجاء على لغة الخوف والعنف. وهي تطالب السلطات المدنية المسؤولة بتطبيق توصيات الامم المتحدة الخاصة بالمنطقة ولا سيما تلك المتعلقة بعودة اللاجئين والوضع الخاص بمدينة القدس والاراضي المقدسة".


- ترسيخ وجود المسيحيين:

- "يجب على كنائسنا ان تنشئ مكتبا او لجنة تكلف درس ظاهرة الهجرة ودوافعها، وذلك لايجاد الوسائل لمواجهتها. وهي ستعمل كل ما هو ممكن لترسيخ وجود المسيحيين في اوطانهم، ولاسيما من خلال مشاريع انمائية للحد من ظاهرة الهجرة".


- الهجرة والمشاركة:

1- "العمل على توعية المهاجرين لتعزيز روح التضامن والمشاركة لديهم مع بلدان المنشأ، وذلك بالمساهمة في المشاريع الراعوية، والتنمية الثقافية، والتربوية، والاجتماعية، والاقتصادية.

2- تربية مسيحيي المهجر على المحافظة بأمانة على تقاليدهم الاصلية.

3- تقوية رباط الشركة بين المهاجرين والكنيسة الأم".


- اللغة العربية

"بينت خبرة السينودس من اجل الشرق الاوسط اهمية اللغة العربية، وخصوصا انها اضطلعت بدور بارز في تطور الفكر اللاهوتي والروحي للكنيسة الجامعة، وتحديدا تراث الادب العربي المسيحي.

نقترح ان تستخدم اللغة العربية بشكل اوفر في دوائر الكرسي الرسولي واجتماعاته الرسمية، حتى يتاح للمسيحيين ذوي الثقافة العربية الحصول على المعلومات الصادرة عن الكرسي الرسولي بلغتهم الأم".


- الحوار بين الاديان:

"يدعى مسيحيو الشرق الاوسط الى متابعة الحوار مع مواطنيهم من الديانات الاخرى، كونه يقرب بين الاذهان والقلوب. لذلك يجدر بهم مع شركائهم تدعيم الحوار الديني وتنقية الذاكرة والغرفان المتبادل عن الماضي والبحث عن مستقبل مشرتك افضل.

وهم يبحثون في حياتهم اليومية عن القبول المتبادل بعضهم لبعض على الرغم من الاختلاف ويجهدون في بناء مجتمع جديد حيث يحترم التعدد الديني وينبذ التطرف والتعصب.

ويوصي آباء السينودوس باعداد خطة للتنشئة على الحوار في المؤسسات التربوية وفي المعاهد الاكليركية وفي بيوت الابتداء لتعزيز ثقافة الحور المبنية على روح التعاضد".


- الاسلام:

"وضع المجمع الفاتيكاني الثاني في المرسوم حول العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية والديانات غير المسيحية وكذلك رسائل بطاركة الشرق الكاثوليك الراعوية اسس علاقة الكنيسة الكاثوليكية مع المسلمين.

وقد اعلن قداسة البابا بندكتوس السادس عشر "لا يمكن للحوار الديني والثقافي بين المسيحيين والمسلمين ان يقتصر على خيار عابر لانه في الواقع حاجة حياتية يرتبط بها مستقبلنا ارتباطا كبيرا".

يتشارك المسيحيون والمسلمون معا في الشرق الاوسط في الحياة والمصير ومعا يبنون المجتمع. لذلك من المهم تعزيز مفهوم المواطنة وكرامة الشخص البشري والمساواة في الحقوق والواجبات والحرية الدينية التي تتضمن حرية العبادة وحرية الضمير.

على المسيحيين في الشرق الاوسط ان يثابروا على حوار الحياة المثمر مع المسلمين. ولذلك ينظرون اليهم نظرة تقدير ومحبة رافضين كل احكام سلبية مسبقة ضدهم. وانهم مدعوون الى ان يكتشفوا معا القيم الدينية عند بعضهم البعض وهكذا يقدمون للعالم صورة عن اللقاء الايجابي وعن التعاون المثمر بين مؤمني هاتين الديانتين من خلال مناهضتهم المشتركة لكل انواع الاصولية والعنف باسم الدين".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف