أزمة الرهائن في الجزائر تنذر بتصعيد النزاع في الساحل الأفريقي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في رد على التدخل الفرنسي العسكري في مالي، هاجمت المجموعات الإسلامية المتطرفة منشآت نفطية جزائرية، واحتجزت عشرات الرهائن، في خطوة تعدّ بادرة لتصعيد النزاع وتوسيع رقعته في شمال أفريقيا.
أثار هجوم الإسلاميين على حقل الغاز الجزائري مخاوف من تحوّل النزاع في مالي إلى معركة دولية، يمتد نزيفها عبر الحدود المفتوحة بين دول الساحل ومنطقة الصحراء الكبرى.
كما يمثل النزاع تحديًا كبيرًا للحكومة الجزائرية، التي ما زالت تعاني آثار حرب أهلية دامت عشر سنوات، لا سيما وأن حكومة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة متهمة باتخاذ موقف مبهم من الأزمة في مالي.
وتوقع محللون أن تنجرّ الجزائر الآن إلى المشاركة في حلّ النزاع المالي، والتعامل في الوقت نفسه مع جماعات إسلامية، عادت إلى النشاط داخل أراضيها.
نزاع معقد
كشفت عملية الرهائن عن تعقيدات النزاع في منطقة الساحل الأفريقي، بما فيه من احتقانات بين جماعات إثنية وقبلية متداخلة في خليط متشابك، وأزمة اقتصادية وتصحّر وفقر وتفشّي الجريمة والخطف والتهريب عبر الحدود.
وبعدما فشلت ستة أيام من الغارات الجوية الفرنسية في تقويض مكاسب الإسلاميين في مالي، بدأت القوات الخاصة الفرنسية الأربعاء هجومًا بريًا حول مدينة ديابالي، الواقعة 450 كيلومتر شمال العاصمة باماكو.
تهدف العملية الفرنسية إلى تأمين المنطقة الصحراوية الشاسعة، التي سيطر عليها منذ العام الماضي تحالف إسلامي، يضم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، التي نشأت في مالي نفسها، إلى جانب جماعة أنصار الدين. لكن أخذ الرهائن في حقل شركة بريتيش بيتروليوم داخل الأراضي الجزائرية، بمحاذاة الحدود الليبية، يشكل منعطفًا خطرًا وتوسيعًا لرقعة النزاع في مالي.
ونادرًا ما كانت منشآت النفط والغاز الجزائرية تُستهدف بهجمات من أي نوع، بالرغم من الحملة التي تخوضها الجزائر منذ عقود ضد حركات إسلامية متمردة.
أممية ومتجذرة
نقلت صحيفة غارديان عن الخبير جون ماركس، من معهد تشاتهام هاوس للأبحاث في لندن، قوله إن الهجوم على حقل شركة بريتيش بيتروليوم لافت لجملة أسباب، "فإذا نظرنا إلى النزاع في الجزائر إبان التسعينيات، والذي انبثق منه تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، نرى أن حقول النفط والغاز الكبيرة، التي تعتبر من المصالح الاستراتيجية لأوروبا في عمق الجنوب الجزائري، لم تتعرّض للهجوم، وهذه هي المرة الأولى التي يُنفذ فيها هجوم كبير على منشأة نفطية".
أضاف: "يبيّن الهجوم إلى أي حد أصبحت أحداث مالي قضية دولية تغطّي منطقة الساحل والصحراء الكبرى، فهذه الجماعات أممية، فيها ماليون وعناصر جاءوا من ليبيا والجزائر وموريتانيا".
وبحسب الخبير البريطاني، أظهر الهجوم أن لهذه الجماعات جذورًا عميقة، "فالجماعات التي ندرجها الآن تحت اسم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتستهدفها القوات الفرنسية، متجذرة في المنطقة، وهي كانت ضالعة في تهريب السجائر والبضائع الالكترونية والسلاح والمخدرات، إلى جانب نشاطها في ميدان الجريمة السياسية، في منطقة تزداد يأسًا".
لعبة مزدوجة
قال محللون آخرون إن الجزائر هي القوة الاقتصادية والعسكرية الكبرى، التي ظل نظام الجنرالات راسخًا فيها، بالرغم من انتفاضات الربيع العربي من حولها، وإنها كانت أشد المعارضين للتدخل العسكري الخارجي في مالي، داعية إلى المفاوضات.
وحتى انفجار الأزمة الجديدة، التزمت الجزائر التزامًا ثابتًا سياسة عدم التدخل في شؤون جوارها، لكنها الآن فتحت مجالها الجوي للطائرات الحربية الفرنسية، في واقعة تاريخية، وتعهدت بضبط حدودها الصحراوية الطويلة مع مالي، وهو تعهّد، قال مراقبون إن تنفيذه يكاد يكون مستحيلًا في صحراء مترامية الأطراف بلا دوريات كافية.
وبالرغم من أن الجزائر عملت متحالفة مع الولايات المتحدة وفرنسا على مكافحة الإرهاب، فإن البعض اتهمها بممارسة لعبة مزدوجة في منطقة الساحل، حيث ازدهرت الجماعات الإسلامية منذ حرب الاستقلال. وسيصبح دور الجزائر في مالي ومنطقة الساحل الآن موضع اهتمام أكبر، في وقت يبدو من المرجّح أن يطول أمد النزاع هناك.
في هذه الأثناء، أظهر استطلاع، نُشرت نتائجه يوم الأربعاء، أن 64 بالمئة من الفرنسيين يرون أن تدخل بلدهم في مالي سيزيد خطر وقوع هجوم إرهابي في فرنسا، التي اتخذت إجراءات أمنية مشددة حول أهداف محتملة، مثل برج إيفل. وكانت فرنسا تدرك أن أخذ الرهائن في منطقة الساحل سيكون أول الأخطار الناجمة من تدخلها المفاجئ في مالي.
فشل إنقاذ أليكس
خلافًا للعمليات الإرهابية، التي شهدتها الجزائر إبان التسعينات، فإن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لم ينفذ ذات يوم أية عملية على أرض فرنسية. لكن الجماعات المتطرفة، التي سيطرت على شمال مالي في العام الماضي، تستهدف الأجانب منذ سنوات في منطقة نفوذها. وهي تحتجز سبعة فرنسيين، فضلًا عن أربعة دبلوماسيين جزائريين خطفتهم قبل سنوات.
وحقق تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ملايين الدولارات من خطف رجال أعمال جزائريين أو شخصيات سياسية والمطالبة بفدية مقابل الإفراج عنهم، فضلًا عن خطف أجانب من جنسيات أخرى.
ويوم بدأت فرنسا تدخلها في مالي، حاولت قواتها إنقاذ ضابط مخابرات فرنسي يحتجزه المتمردون في الصومال منذ ما يربو على ثلاث سنوات، يُشار إليه باسم دنيس أليكس.
وإن كان يُراد بالعملية هذه توجيه إنذار ضد خطف الرهائن وقطع الطريق على الرد بأعمال انتقامية ضد الرهائن الفرنسيين، فإنها باءت بفشل ذريع، إذ قُتل جنديان فرنسيان، وأقدم الخاطفون على قتل رهينتهم خلال الهجوم الفاشل.
لا مصلحة
حاول الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند جاهدًا يوم الأربعاء أن يؤكد أن لا مصلحة شخصية لفرنسا في هذا التدخل العسكري في مالي، وأنها تخدم السلام العالمي لا أكثر، مشددًا على وعده بالقطيعة مع العلاقات الفرنسية الأفريقية المريبة السابقة، التي قامت في حقبة ما بعد الاستعمار.
تتسم مالي بأهمية متواضعة في السياق الأوسع للمصالح الاقتصادية الفرنسية في غرب أفريقيا، لكن الدول المجاورة مسألة أخرى مختلفة. فإن يورانيوم النيجر يشغِّل ثلث محاطات فرنسا النووية، التي تولِّد القسم الأعظم من كهرباء فرنسا.
وفي النيجر، خُطف موظفون يعملون في شركة أريفا النووية الفرنسية في العام 2010، وما زال أربعة منهم رهائن محتجزين في منطقة الساحل.
كما إن الجزائر، أكبر شركاء فرنسا الاقتصاديين في أفريقيا، هي من أكبر مصدّري النفط والغاز إلى أوروبا. ويشير الهجوم على حقل النفط الجزائري وأخذ عشرات العاملين رهائن إلى المصالح العالمية الأوسع التي يمكن أن تتحرك الآن.