أخبار

فلول نظام مبارك.. حياة مرفهة وموسيقى كلاسيكية في فلل فاخرة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إذا كان الرئيس المصري السابق حسني مبارك، يعيش مع عدد قليل جدا من أركان نظامه السابق خلف القضبان، فإن آخرين يعيشون حياة مرفهة في فللهم الفاخرة ولم تتأثر حياتهم بعد الثورة.يعيش وزير الثقافة في النظام المصري السابق فاروق حسني حياة هادئة هذه الأيام ، يقضيها بالاستماع الى الموسيقى الكلاسيكية والرسم ومتابعة التطورات السياسية عن كثب. ولكنه لا يجرؤ على الاقتراب منها ويقول كثير من المصريين ان ليس من حقه ان ينخرط فيها. تولى حسني منصب وزير الثقافة 23 عاما منذ زهاء 30 عاما حكم فيها حسني مبارك الشعب المصري. وعندما انتفض المصريون لإسقاط مبارك قبل عامين توقع كثيرون ان ينتهي مآل رموز مثل فاروق حسني وراء القضبان. وما يثير حنق كثير من المصريين الآن ليس افلات العديد من "فلول" النظام وعدم ايداعهم السجن فحسب بل انهم يواصلون العيش حياة مرفهة ايضا. فهم ما زالوا يستقبلون الضيوف في فيلات فاخرة ويرتادون اندية اجتماعية راقية ، ويخترقون احياء متداعية في القاهرة بسيارات فارهة يقودها سائق خاص. صحيح ان أموال بعضهم جُمدت وقيودا فُرضت على سفرهم ولكن لا يبدو ان حياتهم اليومية تأثرت بهذه الاجراءات. مبارك ونجلاه هم من بين 15 على الأقل من اقطاب النظام السابق في السجن الآن. ولكن البعض، بمن فيهم مبارك ونجلاه ووزير داخليته المكروه حبيب العادلي، ستعاد محاكمتهم ـ ومعها يستعيدون الأمل في امكانية الحكم ببراءتهم. وحُكم بالسجن على اثنين فقط من نحو 170 ضابط شرطة متهمين بقتل زهاء 900 محتج خلال انتفاضة 2011. وبرئت ساحة العديد من الآخرين. وبالنسبة إلى كثيرين من الفلول بينهم فاروق حسني الذي حُكم ببراءته من تهم فساد وجهت اليه، فان العالم لم يتغير. وقال حسني مؤخرا في غرفة المعيشة الفسيحة التي يستخدمها مكتبا تحيط به التماثيل الكلاسيكية وكتب الديكور المنزلي "أشعر على نحو ما ان حياتي لم تتغير". وأكد حسني انه حتى عندما كان وزير الثقافة كان يقضي كثيرا من الوقت في الرسم والتفكير. واضاف "أنا كنتُ دائما مفكرا". ويشعر حسني ، مثله مثل كثيرين من افراد النخبة الحاكمة سابقا ، بالمرارة إزاء طريقة القوى السياسية الصاعدة في استخدام مفردة "الفلول" لتنحية الحرس القديم. وقال حسني لصحيفة واشنطن بوست متسائلا "هل هؤلاء الفلول مجرد مجموعة يشير اليها الناس أم انهم ملايين؟ بالطبع هناك ملايين عملوا في النظام". ولجمهور تستحوذ نظرية المؤامرة على تفكيره فان مصر الجديدة تبدو بصورة متزايدة ضحية نكتة جماعية قاسية. فالاسلاميون يمسكون مقاليد السلطة ، على الضد من الآمال التي راودت كثيرين ، والاقتصاد يسير نحو الهاوية. وكما في السابق ، ليست هناك شفافية يُعتد بها في السياسة أو العدالة. وتقول منظمات تعارض الحكم الاسلامي الجديد انها لن تحتفل بالذكرى الثانية لقيام الثورة اليوم الجمعة. وبدلا من الاحتفال دعت هذه الحركات الى تنظيم احتجاجات بالمناسبة في سائر انحاء مصر ، ولاحت بوادر الاحتجاج والتظاهر في العاصمة منذ الخميس. ولكن افراد النخبة الحاكمة سابقا ، الذين يتهمهم الاسلاميون والليبراليون على السواء بتدبير أعمال العنف في الشوارع تارة وبعرقلة التطور السياسي والاقتصادي تارة أخرى ، يقولون انهم ضحايا ، وأكباش محرقة واهداف بريئة للجماهير المضللة والجاهلة. وتحدث زاهي حواس الذي عمل فترة طويلة رئيسا لهيئة الآثار المصرية في عهد مبارك ، ذات عصرية في نادي الجزيرة الرياضي النخبوي الذي يرتاده اثرياء القاهرة للتخالط الاجتماعي والسباحة ولعب التنس قائلا "ان جميع الأشخاص الذين عاقبتُهم قبل الثورة كانوا ضدي بعد الثورة". واشار حواس في حديثه لصحيفة واشنطن بوست الى هجوم وسائل الاعلام عليه لأنه شخصية مشهورة كانت نجم افلام وثائقية وبرنامج تلفزيوني واقعي ، واتهم خصومه بدفع ملايين الدولارات الى المحتجين للهتاف ضده في ميدان التحرير وسط القاهرة.وكان حواس قاد حملة استمرت سنوات لملاحقة آثار مصر المسروقة في الخارج وإعادتها. وقال "ان ما فعلته لوطني لا يُصدق" متباهيا بأنه حين اخذ الرئيس الاميركي اوباما الى اهرام الجيزة في عام 2009 عرفه صاحب جمل يعمل في المنطقة فورا ولم يعرف من هو اوباما. ولكن منتقدين يقولون ان حواس أهدر المال العام حين كان رئيس هيئة الآثار وسرق قطعا أثرية وأسهم في جمع المال لجمعية السيدة الأولى سوزان مبارك الخيرية ووقع عقدا مع الجمعية الجغرافية الاميركية لعرض آثار مصرية في متاحف اميركية واسترالية على الضد من القانون المصري الذي يحمي الآثار. كما اتهمه زملاء سابقون وناشطون بالتربح من منصبه عندما اتفق مع ناشنال جيوغرافيك مجلة الجمعية الجغرافية الاميركية للعمل "مستكشفا مقيما" مقابل 200 الف دولار في السنة. وقالوا انه خرق القانون باستخدام تمثال الملك توت عنخ آمون في المتحف المصري لترويج خط أزياء تنتجها شركة باسمه. ونفى حواس هذه الاتهامات لكنه أقر بتقاضي 200 الف دولار من ناشنال جيوغرافيك قائلا "نعم ، هذا صحيح" واضاف ان العقد كان بموافقة الحكومة فيما وصف الاتهامات باستغلاله المتحف المصري لترويج أزيائه بأنها سوء فهم. وامتنعت الجمعية الجغرافية الوطنية الاميركية عن كشف المبالغ التي دفعتها الى حواس ولكنها دافعت عن الاتفاق معه قائلة ان هذه العلاقة كانت مهمة لرسالتها التربوية والعلمية ولمصر. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن المتحدثة باسم الجمعية ميمي كومانيليس ان لا علم للجمعية بالاتهامات الموجهة الى حواس سوى ما نُشر في وسائل الاعلام. وكان حواس أُدين عام 2011 في قضية تتعلق بمناقصة لمنح حق استغلال محل بيع الكتب والهدايا في المتحف المصري وحُكم عليه بالسجن مدة عام ولكنه برئ العام الماضي من تهم الفساد الموجهة اليه. ويتجنب حواس هذه الأيام الظهور في فعاليات عامة. ويتمرن يوميا في قاعة للياقة البدنية في احد الفنادق تجري عليها اعمال ترميم ولا يُسمح لأحد غيره باستعمالها. ويعمل حواس على عدة كتب ويحضر مآدب عشاء مع حلقة نخبوية من الأصدقاء. وقال حواس "أنا لستُ رجلا ثريا واستقل سيارات الأجرة لأن دوام سائقي ينتهي في الساعة الثالثة". ولكن مصريين كثيرين ما زالوا غير مقتنعين ببراءة حواس وغيره من مسؤولي النظام السابق. وقال السينمائي محمد الشناوي انه عندما نزل الى الشارع للتظاهر قبل عامي افترض ان مبارك واعوانه سيواجهون محاكمات سريعة وربما حتى الاعدام. واضاف الشناوي "حين اقارن توقعاتنا وما حدث فانها كمن يحب امرأة جميلة ثم يكتشف انها تماما عكس ما كان يتصورها". ولاحظ شريف الشوباشي الذي كان له عمود في صحيفة الاهرام انه حتى اركان نظام مبارك الذين انتهوا وراء القضبان يعيشون حياة مرفهة نسبيا بمن فيهم قريبه زهير جرانا وزير السياحة السابق. وقال ان اعضاء النخبة السابقة محبوسون في ردهة واحدة من السجن وتتوفر لهم اجهزة تلفزيون وامكانية استخدام الهاتف الخلوي مرة في الاسبوع.ويرقد مبارك (84 عاما) في مستشفى القاهرة العسكري حيث نُقل بسبب تردي صحته. وما زال افراد النخبة البائدة يتحدثون وراء الأبواب المغلقة بلغة النظام السابق واثقين من ان ظلما وقع بحقهم. وتساءل صاحب عمود آخر في احدى الجرائد الرسمية كيف انتخب المصريون جماعة الاخوان المسلمين قائلا لصحيفة واشنطن بوست "انهم اصغر من ان يحكموا مصر". ولكن ناشطين ومحللين سياسيين يقولون ان رد فعل الشارع على الاسلاميين الذين وصلوا الى الحكم بشأن مسودة الدستور المصري فرضت إعادة نظر بالفلول. ومنذ التقاء الثوار الليبراليين والموالين لنظام مبارك في الشارع على قضية مشتركة أخذت بعض الحركات المعارضة تخفف عداءها للحرس القديم بأمل كسب تأييدهم حين يواجهون الاخوان المسلمين في الانتخابات التشريعية المقبلة. وقالت هبة مورايف من منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان "اعتقد ان الفلول تطوروا بعض الشيء". وبعد ان عاش مصريون من الطبقات الوسطى والعليا مع الرئيس محمد مرسي المدعوم من الاخوان المسلمين فانهم ينظرون الآن الى مبارك واعوانه على انهم "أهون الشرَّين" ، كما نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مورايف. وعلى الغرار نفسه عندما رشح عمرو موسى وزير الخارجية المصري والامين العام السابق للجامعة العربية في الانتخابات الرئاسية ربيع العام الماضي رفض كثيرون منحه اصواتهم لعلاقاته بالنظام السابق. وقالت مورايف ان موسى يعتبر الآن شخصية معارضة ذات مصداقية. ويمنع الدستور الجديد قادة حزب مبارك السابقين من الترشيح لمدة 10 سنوات. ولكنه يترك البابا مفتوحا للوزراء السابقين وكوادر الحزب الوطني الديمقراطي المحظور حاليا. ويقول افراد النخبة البائدة ان الانتقال من الحلقة الداخلية الضيقة الى اطراف النظام الاسلامي الجديد أمر غريب. فالبعض مثل موسى يقولون انهم ينتمون الى المشهد السياسي الجديد وما زال البعض الآخر ينظر بحيرة الى أفول عهدهم. وقلة ضئيلة من افراد هذه النخبة يبدون ندمهم.وقال الشوباشي الذي يعتبر العديد من افراد هذه النخبة اصدقاءه "انهم يستيقظون صباحا ولا يكون لديهم ما يفعلونه" متوقعا ان يكون وضعهم "فظيعا". وذات مساء التقت في فيلا الشوباشي شلة من النخبة الحاكمة سابقا بينهم حواس على ارائك ذهبية يحتسون الويسكي وسط زهريات من الخزف الصيني واللوحات الزيتية وتحت ثريا عملاقة من الكريستال. وتحدثوا عن الاسلاميين والجنس والدين ثم لعنوا مرسي وهم يقطعون الكعكة. وفي وقت سابق من هذا الشهر بدأ النائب العام الذي عُين بقرار من مرسي تحقيقا جديدا بشأن هدايا تصل قيمتها الى ملايين الدولارات قُدمت الى افراد عائلة مبارك وآخرين من اقطاب النظام من صحيفة الاهرام. وتوصل محامي مبارك الى صفقة مع النيابة قيمتها 3 ملايين دولار فيما تحدثت وسائل الاعلام المصرية عن مسؤولين سابقين آخرين عقدوا صفقات مماثلة. وتقول منظمات حقوقية ان القادة العسكريين الذين حكموا مصر في فترة الاضطرابات التي أعقبت سقوط مبارك وفلول النظام في القضاء المصري عرقلوا مجرى العدالة وعقدوا محاكمات صورية لتهدئة الجماهير فيما تجاهلوا التهم الموجهة الى مسؤولين سابقين آخرين. وقال موسى إنه يعتقد ان القضاء قام بواجبه وان الوقت حان لفتح صفحة جديدة بمناسبة الذكرى الثانية للثورة. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن موسى "سنواصل العمل لأننا مصرُّون على مساعدة البلد بصرف النظر عن هذه الأصوات القليلة التي تتحدث عما يُسمون الفلول". واعرب حواس ايضا عن تفاؤله قائلا "إذا تجولتَ معي ذات يوم في القاهرة سترى كيف يستقبلني الفقراء. فالجميع يريدون عودتي".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف