في تونس ما بعد الياسمين... مساع لتحصين الرئيس بعد انتهاء مهامه!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أثار فصل في مسودة الدستور التونسي الجديد اعتراضًا واسع النطاق، إذ يحصّن رئيس الجمهورية أثناء فترته الرئاسية وبعدها، ما ذكر بتعديل دستوري أجراه زين العابدين بن علي في العام 2002، ليقطع الطريق على أي محاسبة.
محمد بن رجب من تونس: الفصل 68 من مسوّدة الدستور التونسي المرتقب يتحدّث عن الحصانة القضائية لرئيس الدولة بعد انتهاء ولايته.
وورد في الفصل 68 من مسوّدة الدستور المنشورة من طرف المجلس الوطني التأسيسي أنّ "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة يمثل وحدتها ويضمن استقلالها واستمراريتها ويسهر على احترام الدستور والمعاهدات وحقوق الإنسان"، وأنّ "رئيس الجمهورية يتمتع أثناء ممارسة مهامه بحصانة قضائية كما ينتفع بهذه الحصانة القضائية بعد انتهاء مباشرته لمهامه بالنسبة للأفعال التي قام بها بمناسبة أدائه لمهامه".
الفصل أثار آراء متباينة و جدلاً واسعًا داخل الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية، إذ أيّده البعض بينما وجد رفضًا من طرف عديد المراقبين خوفًا من عودة الاستبداد وتغوّل مؤسسة الرئاسة من جديد.
بين الفصل 68 والفصل 41
أبرز متخصصون في القانون الدستوري أنّ الفصل 68 مثار الجدل بين الفرقاء السياسيين يطابق الفصل 41 من الدستور الأول لسنة 1959 ، والذي قام الرئيس المخلوع بن علي بتنقيح فقرته الثانية لتنصّ على أنّ "رئيس الجمهورية يتمتع أثناء ممارسة مهامه بحصانة قضائية، كما ينتفع بهذه الحصانة القضائية بعد انتهاء مباشرته لمهامه بالنسبة للأفعال التي قام بها بمناسبة أدائه لمهامه".
وقد عقب هذا التعديل نقاش واسع، واستقر الرأي على إجراء استفتاء شعبي في مايو 2002 أقرّ الحصانة القضائية لرئيس الجمهورية.
الخلط بين السلطات
أشار محمد بنّور الناطق الرسمي باسم حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (مشارك في الائتلاف الحاكم) في تصريح لـ "إيلاف" إلى أنّ من حقّ رئيس الدولة أن يتمتع بالحصانة القضائية، وذلك حتى لا تتغوّل سلطة على حساب أخرى وحتى لا تختلط الأمور ويصبح رئيس الدولة فاقدًا لبعض السلطات الطبيعية، مؤكدًا أنّ مجلس الشعب هو الوحيد المخوّل بمحاسبة رئيس الدولة.
النهضة ترفض
أوضح كمال بن عمر، النائب في المجلس الوطني التأسيسي، أنّ حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب الرئيس الحالي منصف المرزوقي) إلى جانب الكتلة الديمقراطية التي تضم الحزب الجمهوري وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد وعدداً من النواب المستقلين، هم من يقفون وراء هذا الفصل بصيغته الحالية، والذي يتعلق بتمتيع رئيس الدولة بالحصانة القضائية، لا خلال أداء مهامه فحسب، بل حتى بعد انتهاء مباشرة مهمته، وهذا ما عارضته كتلة حركة النهضة التي لن تصادق عليه خلال الجلسة العامة.
الحصانة القضائية
أبرز أمين محفوظ، أستاذ القانون الدستوري، في تصريح لـ"إيلاف" أنّ الحصانة القضائية لرئيس الجمهورية أثناء أدائه لمهامه، تضمن له استقلالية القرار حتى لا يكون تحت ضغوطات تمنعه من أداء واجبه أو تجعله لا يتخذ القرار السليم مؤكدًا أنها تعمل من أجل تكريس مبدأ الفصل بين السلطات، كما أنها لا تمنعه من المحاسبة إذا قام بخرق الدستور.
كما انتقد محفوظ القانون الذي يمنح حصانة قضائية لرئيس الجمهورية بعد انتهاء مهامه ومغادرته الحكم، مؤكداً أنه من غير المقبول أن يتمّ القبول بمثل هذا القانون في تونس ما بعد الثورة.
واعتبر أنّ هذه الحصانة التي يجب أن يتمتع بها رئيس الجمهورية تكون جزئية وتتعلق بما له علاقة بمهامه الدستورية.
وشدد على أفضلية أن يكون الفصل 68 والمتعلق برئيس الجمهورية في الفقرة الأولى من الفصل 85 الذي يتحدث عن أحقية مجلس الشعب في محاسبة رئيس الجمهورية عند خرقه للدستور أو بسبب ارتكابه تهمة الخيانة العظمى وذلك بإحالته إلى المحكمة الدستورية التي قد يصل قرارها إلى عزله من منصبه.
لماذا ثار الشعب إذن؟
يقول المحامي الحبيب السويسي في إفادة لـ"إيلاف" إنّ هذا الفصل في مسوّدة الدستور شكل صدمة كبيرة فهل يعقل أن يُمتّع الدستور التونسي الجديد رئيس الجمهورية بالحصانة القضائية حتى بعد انتهاء مهامه، بينما عانى الشعب التونسي من ظلم و استبداد الرئيس السابق الذي نقّح القانون وجعله متوافقًا مع تجاوزاته، وعمل على حماية نفسه من كل مساءلة قضائية، فهل سيرضى الشعب بذلك وهو الذي ثار على طغيان بن علي؟
وتساءل السويسي:" كيف يمكن لنواب من المجلس التأسيسي عاشوا الظلم وقضوا السنوات الطوال في ظلمة السجون أن يرضوا بمنح أي نوع من الحصانة لأي رئيس أو أي مسؤول كان في الدولة مهما علا شأنه، ألم يتساءلوا لماذا قامت الثورة التونسية أصلاً، وعلى من ثار الشعب التونسي ولأي سبب؟
أضاف: "تونس الجديدة لا يمكن أن يفلت فيها أي مواطن من المحاسبة والعقاب إذا تجاوز صلاحياته التي يخولها له الدستور، الشعب التونسي الذي لن يعود من جديد إلى الغبن والظلم والقهر بل سيكون مقررًا لمصيره ومستقبله".
وأكد أنّ هذا الفصل لن يمررّ خلال مناقشته في الجلسة العامة بالمجلس الوطني التأسيسي لأنّ الشعب رفضه في مختلف جلسات الحوار في مختلف جهات البلاد.