أخبار

تنامي الإرهاب يضع المؤسسة الأمنية على صفيح ساخن

معركة كسر العظم بين نقابات الأمن في تونس ووزارة الداخلية

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لم يعد الصراع داخل المؤسسة الأمنية في تونس خافيا، إذ ظهر مؤخرا إلى العلن من جديد الخلاف الجوهري القائم بين وزارة الداخلية والنقابات الأمنية التي تنتقد بشدة عمل الحكومة والوزارة وتطالب بحماية أعوانها من الارهابيين.

إسماعيل دبارة من تونس: إستهجنت وزارة الداخلية التونسية في بلاغ لها اطلعت (إيلاف) على نسخة منه، موقف النقابة الأمنية الأبرز الذي صدر الجمعة، وحمل اتهاما للحكومة بالفشل في التصدي لآفة الارهاب، وهدد بتصعيد النضال بـ"طرق غير مسبوقة" من أجل حفظ أرواح أعوان الأمن من موجة الارهاب الأخيرة.

حرب البيانات

وتكشف البلاغات، والبلاغات المضادة بين الطرفين، تصاعد التوتر بين النقابات الأمنية في تونس التي حصلت على الترخيص القانوني بعد ثورة 14 يناير 2011، وبات لها وزن على الساحة النقابية والأمنية، ووزارة الداخلية التي تقول إنها "ترفض تسييس المؤسسة الامنية" وتتهم النقابيين الأمنيين بخدمة أجندات حزبية، في الوقت الذي تعمل فيه الوزارة جاهدة على انشاء "أمن جمهوري" يقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف السياسية في تونس.

وقالت وزارة الداخلية السبت في بلاغ "حاد": "لوحظ خلال الفترة الأخيرة تواتر التصرفات والتصريحات اللامسؤولة الصادرة عن بعض العناصر الأمنية تحت غطاء العمل النقابي، والتي أساءت إلى المؤسسة الأمنيّة وجعلت منها طرفا في التجاذبات السياسية، بما يتنافى ومقوّمات الأمن الجمهوري وأبسط قواعد العمل النقابي المضبوط وفق معايير دولية، والذي طالما عملت وزارة الداخلية على إرساء دعائمه صلب المؤسسة الأمنية وفق الأهداف التي جاءت من أجلها ثورة 14 جانفي".

وتردّ وزارة الداخلية التونسية في بلاغها هذا على اتهامات صدرت الجمعة عن نقابة الأمن الرئيسية تجاه الحكومة التي تقودها حركة النهضة.

فشل في مكافحة الإرهاب

واتهمت النقابة الحكومة بالفشل في مكافحة الإرهاب، والتسبب في "خسائر في ارواح الأمنيين والعسكريين"، وهددت بالتصعيد بـ"اشكال نضالية غير مسبوقة" إن لم تتخذ الحكومة اجراءات لحماية قوات الأمن من "الإرهابيين".

وأعلنت "النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي"، في بيان نشرته على صفحتها الرسمية على فايسبوك "رفع قضية عدلية ضد رئيس الحكومة علي العريض وكل من سيكشف عنه البحث على معنى الفصل 96 من المجلة (القانون) الجزائية من أجل الإضرار بالإدارة والفصلين 201 و202 (من القانون نفسه) من أجل المشاركة في القتل، على خلفية استشهاد زملائنا في قبلاط وسيدي علي بن عون ومنزل بورقيبة".

الداخلية تستهجن

وردّت وزارة الداخلية التي لا يروق لها كثيرا عمل الامنيين النقابيين بالتذكير بأنها " مع العمل النقابي المسؤول والملتزم بقواعد الانضباط الذي يدافع عن الحقوق المادية والاجتماعية والمعنوية لكافة الأعوان طبق المرسوم عدد 42 لسنة 2011 المؤرّخ في 25 ماي 2011 والذي يضبط أسس العمل النقابي لقوّات الأمن الداخلي."

وقالت وزارة الداخلية: "مثل هذه التصرّفات تعدّ انحرافا خطيرا عن العمل النقابي من حيث الشكل والمضمون، وتكتسي طابعا سياسيّا يصل حدّ التهديد بالعصيان".

كما أعلنت الوزارة التي يترأسها وزير مستقل هو لطفي بن جدو (قاض سابق)، رفضها المطلق لإقدام بعض العناصر النقابية على إتيان تصرفات غير لائقة تجاه رموز الدولة والقيادات الأمنيّة يوم 18 أكتوبر 2013 بثكنة الحرس الوطني بالعوينة، باعتبار أنّ المؤسسة الأمنيّة طالما عُرفت بالانضباط واحترام مؤسسات ورموز الدولة"، مؤكدة أنّ "التحقيقات تسير بنسق متسارع لتحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات الإدارية الملائمة ضد كلّ من يثبت تورطه في هذه التجاوزات وفق ما يقتضيه القانون".

وتشير الداخلية بـ"التصرفات غير اللائقة" إلى حادثة رفع شعار (إرحل) ضد الرؤساء الثلاثة في ثكنة العوينة منذ أيام، كتعبير عن رفض الأمنيين لحضور القيادات السياسية العليا لجنازة الأمنيين الذين قتلوا على ايادي ارهابيين في مدينة سيدي بوزيد.

الإرهاب يخلط الأوراق

وقتل مسلحون في 17 تشرين الأول/أكتوبر الحالي عنصرين من جهاز الحرس الوطني التونسي بقبلاط من ولاية باجة، كما قتلوا في 23 من الشهر نفسه خمسة من عناصر الحرس الوطني في سيدي علي بن عون من ولاية سيدي بوزيد، وشرطياً في منزل بورقيبة من ولاية بنزرت.

وأعلن الرئيس المؤقت والقائد الاعلى للقوات المسلحة المنصف المرزوقي سلسلة من المناطق والجبال وسط وجنوب غربي تونس منطقة عمليات عسكرية.

وتشمل هذه المنطقة العسكرية الجديدة طبقا لبيان للرئاسة التونسية المناطق التي كانت مسرحا للاحداث الارهابية الاخيرة التي سقط خلالها عدد من العسكريين والامنيين بين قتلى وجرحى.

وطالبت النقابة الأمنية بـ"بعث خلية أزمة لمكافحة الإرهاب تتكون من أمنيين وعسكريين وديوانة (جمارك)، وقضاة تستأنس بكل من له خبرة في هذا المجال من قيادات أمنية متقاعدة من ذوي الاختصاص، تعمل مباشرة تحت إشراف وزير الداخلية"، إضافة إلى "توفير الحماية للقضاة وعائلاتهم وخاصة المباشرين لقضايا الإرهاب".

لكن وزارة الداخلية رفضت كل ذلك بإستهجانها "الدعوة إلى تكوين خليّة أزمة خارج أطر هياكل الوزارة، الأمر الذي يضرب العمل الأمنيّ في الصميم ويتنافى مع مقوّماته السليمة".

كما نددت وزارة الداخلية بما أسمته "لغة التوعّد والوعيد والإمهال لاسيما الصادرة إزاء المجلس الوطني التأسيسي وهو سلطة أصليّة منتخبة من قبل الشعب التونسي انتخابا حرّا ومباشرا"، وحذرت من "مغبّة تعطيل سير عمله خاصة في ظل التوافق الحاصل الذي استبشر به كل التونسيين".

جهود لتلميع الصورة

واعتبرت الداخلية اللتونسية التي تبذل جهودا مضنية لتحسين صورتها أمام الرأي العام في تونس، بعد سنوات الديكتاتورية، أنّ البيان الصادر عن النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي "غير مقبول، خاصّة أنّ المعطيات التي تضمّنها تُعدّ انحرافا عن العمل النقابي وانخراطا في متاهات سياسيّة".

كما رفضت المسيرات والاحتجاجات التي ينظمها أمنيون بدعوى أن "الخروج في مسيرة من شأنه أن يعرقل العمل الأمنيّ خاصة في هذه الفترة الحسّاسة أمنيّا من خلال مواجهة بلادنا آفة الإرهاب، وسياسيّا باعتبارها تتزامن مع انطلاق الحوار الوطني، وأنّ ذلك من شأنه أن يشوّه صورة المؤسسةالأمنيّة، فضلا على أنّه يُعدّ تصرّفا غير قانونيّ لا يتماشى وأبسط قواعد العمل النقابي الأمنيّ".

ويعتبر غالبية التونسيين وزارة الداخلية بمثابة "العصا" التي ضرب بها نظام بن علي مخالفيه ومواطنيه، ويحملها كثيرون مسؤولية قتل شهداء ثورة 14 يناير 2011، في حين يتهم آخرون النقابات الامنية بالسعي الى الافراج عن بعض الامنيين المعتقلين والذين تتم محاكمتهم بسبب تورطهم في قمع الثورة وقتل العشرات من الثائرين على حكم زين العابدين بن علي في الفترة الممتدة بين 17 ديسمبر 2010، و 14 يناير 2011.

ترخيص قانوني

يشار إلى أنّ ضباط وعناصر الأمن التونسي حصلوا على ترخيص قانوني لإنشاء نقابة لهم في يونيو 2011، تحت اسم "النقابة الوطنية الموحدة لقوات الأمن الداخلي"، لتكون بذلك أول نقابة للمنتمين إلى سلك الأمن في تونس والمنطقة العربية.

ويعد الترخيص لنقابات الأمن، سابقة قوبلت بارتياح ضباط وعناصر الأمن التونسي الذين اهتزت صورتهم كثيراً بعد ثورة 14 يناير التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

وقالت النقابة غداة تأسيسها إنها ستعمل من أجل الدفاع عن حقوق ضباط وأعوان الأمن، ضمن إطار احترام القانون والحرص على ضمان أمن البلاد، وخدمة المصلحة العامة.

وكان ضباط وأعوان الأمن التونسي دخلوا، بعد ثورة 14 يناير، في إضرابات عديدة عن العمل للاحتجاج على ظروف عملهم، وطالبوا بتوفير التجهيزات اللازمة للقيام بمهمتهم.

ويقدر عدد ضباط وأفراد الأمن بحسب وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي، بنحو 50 ألف موزعين بين أمن داخلي وحرس وطني (درك) وحماية مدينة (دفاع مدني).

إلا أنّ شخصيات في الحكم، وفي وزارة الداخلية، اتهمت قيادات النقابات الأمنية بالولاء لبعض الأحزاب المعارضة، وخدمة أجندات "ضيقة"، وتسريب وثائق أمنية إلى الاعلاميين، وهو ما تنفيه النقابات باستمرار.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف