هربوا من الموت فوجدوا العذاب في أوروبا
اللاجئون السوريون في بلغاريا بين مطرقة العنصرية وسندان القهر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أوروبا لا ترحم اللاجئين السوريين إليها، وموقفها معهم ليس انسانيًا، إذ يتعرضون في بلغاريا لشتى أنواع العذاب، ويخافون من المنظمات العنصرية التي تهدد بقتلهم.
بقي خالد في سوريا حتى آخر لحظة ممكنة، وكان يؤدي مهمة انسانية بالعمل مع شبكة سرية لإيصال المساعدات إلى الأحياء المدمرة في دمشق وضواحيها. لكن اعضاء الشبكة اختفوا عضواً تلو آخر، قتلت بعضهم قوات النظام واعتقلت بعضهم الآخر، فيما دفعت جرائم النظام فريقًا ثالثًا إلى ترك العمل الانساني ورفع السلاح. وحين اصبح خالد وحده قرر أن البقاء لم يعد خيارًا في مثل هذا الوضع الخطير، فهرب بمساعدة المعارضة إلى ما كان يتصور أنه سيكون ملاذًا آمنًا في أوروبا.
فريسة العنصرية
لكن أوروبا لم تكن رحيمة مع خالد، وموقفها لم يكن انسانيًا مثلما كان موقفه مع مواطنيه السوريين المنكوبين بحملات النظام على احيائهم. بعد رحلة شاقة على الأقدام عبر جبال وعرة من تركيا إلى بلغاريا، اعتقل حرس الحدود خالد (32 عامًا) لدخوله الأراضي البلغارية بصورة غير قانونية.
وعندما شرح لهم محنته، قررت السلطات وضعه في مراكز مزدحمة باللاجئين ظل يتنقل بينها شهرين. وفي النهاية، دفع 370 دولارًا مقابل موافقة السلطات على السماح له بالعيش خارج المخيمات. وبعد أن نال حرية الحركة، كما كان يظن، اصبح هاجسه الآن الحفاظ على سلامته.
ففي 3 تشرين الثاني (نوفمبر)، نزل جمع من العنصريين حليقي الرؤوس إلى شوارع العاصمة صوفيا مع عناصر منظمة يمينية متطرفة، وأنذروا الحكومة بتنظيف المدينة من الرهط الاجرامي للمهاجرين غير القانونيين، "وإلا فاننا سننظفها بأنفسنا"، كما أفادت منظمة حقوقية ترجمت انذارهم.
وفي اليوم التالي، هاجم بلغاريان فتى سوريا في السابعة عشرة وانهالوا عليه طعنًا بالسكاكين خارج مدرسة حُشر فيها نحو 800 لاجئ سوري دخلوا بلغاريا هذا العام، حيث يعيشون في ظروف مزرية. واثار الاعتداء الذعر بين اللاجئين السوريين نظرًا لوقوعه بعد يوم على التظاهرة العنصرية لليمينيين المتطرفين.
لا تتكلم بالعربية
لا يجرؤ خالد على مغادرة فندقه في صوفيا. وقال لمجلة تايم: "الجميع يخافون أن يقولوا إنهم سوريون، وكلنا نلازم غرفنا بعد الخامسة مساء". وحذره سوريون آخرون قائلين: "لا تذهب إلى وسط المدينة، ولا تحاول الكلام بالعربية".
هذه بكل تأكيد ليست المعاملة التي كان اللاجئون السوريون يتوقعونها في أوروبا. وقال بوريس تشيشيروف، المتحدث باسم مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في بلغاريا: "إن اللاجئين وطالبي اللجوء نزحوا هربًا من نزاعات دموية واضطهاد رهيب ناشدين السلامة والتفهم، لكنهم يواجهون صعوبة في تلبية احتياجاتهم الأساسية".
ويؤكد المسؤولون البلغار أنهم يفعلون كل ما بوسعهم لمساعدة السوريين بما هو متاح من موارد محدودة. وطلب وزير الداخلية سفتلين يوفتشيف مساعدة أكبر من الاتحاد الأوروبي.
ويستبعد كثير من اللاجئين السوريين، الذين يزيد عددهم على مليوني لاجئ في تركيا والاردن ولبنان، أن تنتهي محنتهم في وقت قريب، وشرعوا يفكرون في بناء حياة لهم خارج الخيمة أو العربة المركونة وسط الصحراء. والوجهة الأقرب هي أوروبا، حيث طلب 34205 سوريين اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي بين تموز (يوليو) 2012 وحزيران (يونيو) 2013، في حين كان عددهم 7886 سوريًا في العام 2011 بأكمله.
الرحلة الخطرة
كثيرًا ما يكون التوجه إلى أوروبا رحلة محفوفة بالأخطار، كما يتضح من الحوادث المأساوية التي تنقلها وسائل الاعلام بين حين وآخر. لكن إذا كان العديد من الذين طلبوا اللجوء في أوروبا العام الماضي ينتمون إلى الطبقات الوسطى والميسورة، فإن الحكومات الأوروبية تتوقع أن تكون الموجة القادمة من الفقراء الذين ليس لديهم ثمن تذكرة بالطائرة إلى عاصمة أوروبية.
وقالت وكالة الحدود الأوروبية "فرونتكس" إن زهاء 7500 سوري غادروا مصر وليبيا حتى الآن هذا العام على متن قوارب كسيحة ومتداعية، مغامرين بحياتهم لعبور البحر المتوسط إلى مالطا أو ايطاليا.
وأصبحت بلغاريا الخيار المنطقي للاجئين السوريين في تركيا، بعدما أنجزت اليونان بناء سياج حدودي محروس حراسة مشددة. ومن المتوقع أن يدخل بلغاريا بنهاية هذا العام أكثر من 11 الف لاجئ سوري مقارنة مع 2000 لاجئ في العام 2012. وبدأت الحكومة البلغارية تعيد فتح مدارس مهجورة لحشر السوريين في صفوفها الخربة.
ولا تجد العائلات سوى شرشف تعلقه لتحقيق شيء من الخصوصية، لكن بعض الشباب يفضلون افتراش بطانية في الرواق على النوم في غرفة مع 40 شخصًا. لا تتوافر في هذه الأماكن وحدات تبريد أو تدفئة وهناك القليل من المرافق الصحية. ويضع بعض الآباء اقنعة على وجوه اطفالهم لحمايتهم من رائحة الأطعمة المتعفنة والبول. وينتشر الزجاج المحطم في أماكن لعبهم.
إنه وضع سيئ
يتوافر المأكل والملبس والدواء لهؤلاء اللاجئين من تبرعات يقدمها بلغار اعتياديون إلى منظمة الصليب الأحمر أو إلى مراكز استقبال اللاجئين مباشرة. لكن مقابل هؤلاء هناك العديد من البلغار الآخرين الذين ينظرون إلى اللاجئين السوريين على أنهم تهديد لاستقرار بلغاريا ذات الموارد الاقتصادية المحدودة. واندلعت احتجاجات في مناطق تخطط الحكومة لفتح مراكز جديدة لايواء اللاجئين السوريين فيها.
وساهمت وسائل الاعلام في تأجيج هذه المشاعر العدائية باتهام اللاجئين بالانتماء إلى منظمات ارهابية. ونقلت مجلة تايم عن كاميليا ديمتروفا، الباحثة في مركز دراسة الديمقراطية في صوفيا، قولها: "أُطلقت حملة هستيرية بتحريض من الاعلام بشأن عدد اللاجئين السوريين القادمين وتأثيرهم، بدأت بمعلومات مضللة عما تنفقه الحكومة على سكنهم".
وسجلت منظمة العفو الدولية منذ بداية تشرين الثاني (نوفمبر) ثلاثة اعتداءات على لاجئين قالت إنها عنصرية. واصدر القادة البلغار بياناً مشتركاً جاء فيه: "إن التحريض على الكراهية واللاتسامح افعال بالغة الخطورة وغير مقبولة يجب أن تُدان بقوة".
ويتطلع كثير من اللاجئين السوريين في بلغاريا إلى الحصول على اوراق تمنحهم وضعًا يتيح لهم الرحيل إلى دول أخرى، بأمل أن تكون المعاملة أفضل لاسيما في دول غنية مثل السويد والمانيا.
وقال الطالب الجامعي مازن مصطفى (23 عامًا) الذي كان يدرس الأدب الانكليزي في سوريا: "انظروا كيف نعيش هنا، انه وضع سيئ"، مشيرًا إلى الرواق القذر في المدرسة القديمة التي يعيش فيها. واضاف: "لن يبقى أحد هنا".