أخبار

غموض قانوني وأسئلة كثيرة لا تجد عنها إجابات واضحة

لوحات شقة ميونخ: تشعبات قانونية ودخول المنظمات اليهودية على الخط

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

يعتري الغموض قضية لوحات شقة كورنيليوس غورليت في ميونخ، خصوصًا أن فترة مقاضاته على جرم الاحتفاظ بها قد انقضت بالتقادم، وأن منظمات يهودية تحاول تسييس المسألة، من خلال الحديث عن معاداة للسامية.

في أيلول (سبتمبر) 2010، طلب مفتشو الجمارك من كورنيوليوس غورليت أن يريهم بطاقة هويته على قطار سريع من زوريخ إلى ميويخ. وتذكَّر احد ضباط الجمارك انه رأى العجوز قبل ساعات حين كان في طريقه إلى سويسرا. وظن المفتشون أنه مواطن ألماني سافر إلى سويسرا لسحب بعض المال من حسابه المصرفي هناك. وزعم غورليت انه لا يحمل اي نقود، لكن بعد تفتيشه وجد المسؤولون معه 9000 يورو (12140 دولارًا). أُبلغ الادعاء العام بالأمر. ويبدو أن غورليت قال لمفتشي الجمارك إنه تاجر فني وأعطاهم عنوانه في ميونيخ. لكن عندما تحققوا من المعلومات لاحقًا، اتضح انه لم يكن حتى مسجلًا في ميونيخ رغم أن القانون الالماني يشترط على الأشخاص أن يسجلوا عناوينهم لدى السلطات المحلية. وعندما بحثوا عن معلومات اخرى تتعلق بهوية غورليت، مثل حسابات مصرفية أو تأمين اجتماعي وصحي وكشوف ضريبية، لم يجدوا شيئًا. ولم تكن لدى غورليت حتى بطاقة ائتمان مصرفية. وهذه كلها أجراس انذار في عالم الجمارك والتفتيش الضريبي. قضية غامضة قانونيًا يبدو أن المسؤولين قرروا وضع غورليت تحت المراقبة، إلى أن اصدر قاض في الشهر نفسه مذكرة بتفتيش شقته، وتم العثور على كنز من الأعمال الفنية التي تزيد قيمتها على مليار دولار. ولم يقدم المسؤولون حتى الآن إيضاحًا لتأخرهم طيلة هذا الوقت عن إعلان الموضوع، لكن السبب المفترض أن مفتشي الجمارك لم يكونوا متأكدين من طبيعة القضية التي يتعاملون معها، ولا شخصية المشتبه به فيها. والآن، لم يعد أحد يعرف اجابة عن هذا السؤال واسئلة أخرى عديدة، إذ نُقل عدد كبير من اللوحات والرسوم من شقة غورليت، الكثير منها لا تُعرف اصولها. وتقدم نحو 100 محام من سائر انحاء العالم مدعين ملكية موكليهم لهذه الأعمال الفنية. وحُرم غورليت، المتهم المفترض بإخفاء الأعمال الفنية، من عشق حياته، كما وصف كنزه ولكنه ليس مشتبَها بارتكاب جريمة. وأكد المتحدث باسم الحكومة شتيفان زايبرت ذلك بصورة غير مباشرة عندما دعا إلى التوفيق بين المصلحة العامة في الكشف عن ملابسات القضية ومصالح القضاء. وقال زايبرت إنه من الضروري ايجاد عملية تنسجم مع حكم القانون، في اشارة إلى أن السلطات لم تجد هذه العملية منسجمة مع حكم القانون حتى الآن. ولم يتحدث المسؤولون مع غورليت منذ استجوابه الأول لفترة قصيرة. مخزن خاص لا ريب في أن محققي الجمارك احتاروا عندما بدأوا يفتشون الشقة في 28 شباط (فبراير) 2012 واكتشفوا الأعمال الفنية، لا سيما ان تهمة التهرب من الضرائب والاختلاس كانت المسوغ القانوني الأول لعملية التفتيش. ويبدو أن شكوكهم سرعان ما تغيرت عندما رأوا مجموعة الأعمال الفنية. وبعد يومين، استشاروا خبيرة حكومية في البحث عن اصول الأعمال الفنية، لها اطلاع واسع على اعمال نُهبت من اصحابها خلال الفترة النازية، بمن فيهم اشخاص يهود. وفي 1 آذار (مارس) 2012، امضت الخبيرة مع خبير آخر مستقل ساعتين في الشقة. لكنهما لم يأخذا معهما أي قفازات، ورفضا لمس أوراق مهترئة وجداها في كابينة رسم. وبسبب الصناديق وقطع الاثاث المتناثرة في الشقة، لم يكن هناك مجال واسع للحركة. وعندما فحصت الخبيرة اللوحات التي رُصفت على الرفوف، عرفت انها تضم اعمالًا فنية أصلية لرسامين مشهورين، بعضها قد يكون اعمالًا نهبها النازيون. وأوصت الخبيرة بأن توضع القطع الثمينة في منشأة خاصة بخزن الأعمال الفنية، يمكن التحكم بدرجة الحرارة فيها، حفاظًا على سلامتها. لكن هذه المنشأة لم تكن غرفة خاصة بحفظ الأدلة الجنائية. المطلوب التكتم أُبلغ مكتب الادعاء العام في ميونيخ باكتشاف الكنز الفني، وكذلك وزارة العدل في ولاية بافاريا والمكتب الفيدرالي للخدمات المركزية والممتلكات غير المحسومة ملكيتها في برلين. ويرتبط المكتب بوزارة المالية، ويعمل فيه خبراء يتعاملون مع ممتلكات صُودرت خلال الفترة النازية. وأكد هارتموت كوشيك، عضو حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي والمسؤول في وزارة المالية، انه أُبلغ بايجاز وابهام شديدين بضبط اللوحات حين زار مكتب التحقيقات الجمركية في ميونيخ صيف 2012. ونقلت مجلة شبيغل عن كوشيك قوله: "طُلب مني التكتم على القضية، ولم أسمع شيئًا عنها مرة أخرى بعد ذلك". وكان من الغريب أن يحرص المسؤولون على ابقاء ما اكتشفوه سرًا طيلة سنوات. وبعد نصيحة من الحكومة، استعان المحققون في منطقة آوزبورغ البافارية بمؤرخة فنية لفحص أكثر من 1000 عمل فني، وكان يُنتظر منها أن تقدم لهم معلومات دقيقة عن اصول هذه الأعمال، وهي مهمة ما كانت لتنتهي ابدًا. أسئلة بلا أجوبة ماذا عن كورنيليوس غورليت في هذه الأثناء؟ هل هذا العجوز مجرم حقًا؟ وإذا كان مجرمًا وانتهت المدة الزمنية المحددة لمحاسبته على جريمته بحكم التقادم، هل يحق للسلطات أن تستمر في حرمانه من الأعمال الفنية التي عُثر عليها بحوزته؟ وهل يحق لها نشر صور مجموعته على الانترنت؟ المعروف على وجه التأكيد أن والده هيلدبراند عمل مع النازيين، وكان مسموحًا له أن يتعامل بالفن الطليعي، المنحط بنظر النازيين وقتذاك. كما ابتاع اعمالًا فنية كلاسيكية لمتحف هتلر الذي كان يجري التخطيط لفتحه في لينتس في النمسا، واعمال اساتذة قدماء لمتاحف المانية. وانخرط في تجارة خبيثة حققت ارباحًا كبيرة من معاناة المضطهدين ومن مصادرة ممتلكاتهم. فالنازيون كانوا جشعين، وساعدهم والد غورليت على اشباع جشعهم. كما اخفى عددًا كبيرًا من الأعمال الفنية لنفسه. لقي هيلدبراند غورليت حتفه في حادث سيارة في العام 1956 وتوفيت زوجته في العام 1967. واثارت قضية الأعمال الفنية التي اكتُشفت في شقة كورنيليوس عن طريقة التعامل مع هذه التركة الحساسة اخلاقيا وسياسيا ومع ورثتها. ويبدو أن مسؤولية الأعمال الفنية آلت إلى كورنيليوس منذ وفاة والدته على اقل تقدير. وكان يبيع بعضها بين حين وآخر. هل كان من حقه أن يتصرف بها على هذا النحو؟ هل الأعمال التي اخفاها طيلة عقود في الشقة التي ورثها من والدته ميراث شرعي أم انها ملك ورثة ضحايا النازية؟ تفتيش تجاوز حده بحسب وزارة العدل في ولاية بافاريا، عُثر على نحو 1280 لوحة ورسمًا في الشقة رغم الاشارة في وقت سابق إلى اكتشاف اكثر من 1400 عمل. وتتوزع الأعمال على ثلاث فئات، هي لوحات باعها هيلدبراند لحساب النازيين بوصفها فنًا منحطًا وكان يُنتظر منه بيعها في الخارج مقابل عملة صعبة، واعمال صودرت في اطار حملات الملاحقة أو ما يُسمى "الفن المنهوب" وهي اعمال سُرقت من اصحابها اليهود. والفئة الثالثة تبدو اعمالا ذات اصول مشروعة ربما لأن هيلدبراند اشتراها قبل مجيء النازيين، أو لأنها جزء من ممتلكات عائلته. لكن هل يجوز التعامل مع الابن الطاعن في السن بوصفه مجرمًا، وفي الوقت نفسه تحويله إلى موضوع للسخرية؟ وبحسب شبيغل اونلاين، هذا ما فعلته السلطات في بافاريا عندما صادرت الأعمال الفنية من شقة غورليت، رغم أن مذكرة التفتيش على الأرجح لم تخولها بذلك، ثم نشرت معلومات تصور غورليت على انه شخص اكتنز عددًا ضخمًا من اللوحات التي نهبها النازيون. وطبقا لمذكرة التفتيش، كان غورليت متهما في البداية بالتهرب من الضرائب والاختلاس. وإذا نُسبت تهمة الاختلاس إلى الفترة التي آلت فيها ملكية الأعمال الفنية إلى غورليت بعد وفاة والدته فان المدة الزمنية المحددة لملاحقته عليها انتهت. بكلمات اخرى، إذا كانت السلطات تشتبه بأنه باع اعمالًا منفردة من دون تسديد ضريبة على بيعها، وأرادت التحقيق في ظروف ذلك ومقاضاة غورليت على ما بذمته من ضرائب للحكومة، فإن مصادرة مجموعة الأعمال الفنية كلها تكون عملًا لا معنى له، واحتجاز عمل واحد كان سيكفي كضمانة. معاداة للسامية في الاسبوع الذي اعقب اكتشاف الأعمال الفنية في شقة غورليت، اجتمعت خلية أزمة غير رسمية من الدوائر الحكومية المختصة، تضم ممثلين عن وزارة المالية ووزارتي العدل والثقافة في ولاية بافاريا وممثلًا عن ولاية شمال الراين ـ فيستفاليا، ومسؤولين من المفوضية الفيدرالية للثقافة والشؤون الاعلامية. ويبدو أن ممثلي بافاريا المتهمين بارتكاب اخطاء عديدة في التعامل مع القضية حاولوا ترحيل المسؤولية إلى برلين، قائلين إن السلطات الفيدرالية كانت مطلعة على القضية من البداية. واتفقت خلية الأزمة على تشكيل فريق خاص، والاستعانة بمجموعة خبراء يفحصون الأعمال الفنية بدلًا من مؤرخة فنية واحدة. ويبدو أن مسؤولين في وزارة الخارجية الالمانية قلقون من أن تكون المانيا تهين نفسها بنفسها وتسيء إلى ورثة ضحايا المحرقة النازية بحق اليهود، بحسب شبيغل اونلاين، مشيرة إلى أن الخبيرة الالمانية ريتا كيرستنغ التي تعمل في متحف اسرائيل في القدس اجتمعت مع عدد من رعاة المتحف اليهود في الولايات المتحدة. وتقول كيرستنغ إنها تُسأل عن القضية اينما تذهب، وإن كثيرين مستاؤون مما حدث. وبحسب كيرستنغ، لا احد يفهم مدى اللامهنية وقلة الحساسية التي تصرف بها الالمان، "وهناك حديث عن عداء للسامية". وطلب مؤتمر الدعاوى اليهودية في المانيا، وهو منظمة تمثل مطالبات ضحايا المحرقة وعائلاتهم، ضمه إلى الفريق الخاص. وتأمل هذه المنظمة بأن يتنازل غورليت طواعية عن الأعمال الفنية المنهوبة، وبذلك الاستغناء عن اللجوء إلى المحاكم. وقال مسؤولون في مكتب هذه المنظمة في فرانكفورت إنهم يعتزمون أن يكتبوا رسالة اليه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف