أخبار

ترسم صورة مؤلمة للضاحية المحاصرة منذ عام ونيف

يوميات مقاتل في معضمية الشام

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أرسل مقاتل في الجيش الحر بمعضمية الشام نتفًا من يومياته إلى مراسل تايمز، عن طريق رسائل الهاتف النقال، يخبر فيها معاناة ثمانية آلاف مدني بقوا في المدينة.

كان قصي زكريا يعمل موظفًا في احد الفنادق، يحب موسيقى الروك. وعندما اندلعت الانتفاضة ضد نظام الرئيس بشار الأسد، انضم إلى الجيش السوري الحر في معضمية الشام. وعلى امتداد أكثر من عام، تعيش الضاحية في حصار خانق ضربه جيش النظام حولها. وخلال هذه الفترة، استخدم النظام السوري الغاز السام والقصف والتجويع لكسر ارادة اهلها.

لكن زكريا تمكن من تسجيل يوميات يروي فيها صراعه من اجل البقاء، ونجح في إيصالها إلى مراسل صحيفة تايمز بمئات الرسائل النصية. ويستخدم زكريا هاتفًا يُشحن من مولد صغير يعمل بزيت الزيتون وطلاء الأظافر.


أدناه مقتطفات من يوميات زكريا.

الحصار والجوع

مر عام تقريبًا على الحصار. حدث الكثير بحيث لا أتذكر كل ما حدث، أو أفهم كيف صمدنا كل هذه الفترة. نظام الأسد قطع كل امدادات الحياة الأساسية عن بلدتنا، من غذاء وكهرباء وغاز طهي ودواء واتصالات. ولو استطاع الأسد أن يمنع الهواء من دخول البلدة لما تردد لحظة واحدة في منعه.

لم يدخل البلدة شيء على الاطلاق منذ أن بدأ الحصار. قبل اربعة اشهر، نفد ما لدينا من غذاء. ونحن الآن نعتاش على الزيتون واوراق الشجر، تُطبخ مع التوابل ـ ملح وفلفل ـ أو تصنع منها السلطة. اوراق العنب هي الأفضل. فقدتُ 15 كيلوغرامًا من وزني في الحصار، من 85 إلى اقل من 70 كلغم. وزني ينخفض لكن عزيمتي تزداد قوة. الوضع الغذائي سيزداد تفاقمًا والجميع يعرف ذلك. لكن ما حيلتنا؟

اسمع أن بعض الأشخاص يأكلون لحم الكلاب والقطط، لكني لم أرَ ذلك قط. كنتُ أربي ثلاث قطط جميلة في بيتي قبل أن تُقصف مع منزلي. أُفضِّل الموت جوعًا على أنآكل قطة.

كنت ماشيًا ذات يوم حين رأيتُ سيدة تطهي شيئًا على بعض الحطب. كانت رائحته لذيذة. ركضتُ نحوها وسألتها إن كنتُ أحلم أو تقول لي مشكورة ما الذي تطهيه. ابتسمت لي وفتحت القدر ثم اعطتني ملعقة مما فيه، دون أن تتفوه بكلمة واحدة. ابتلعتُ ما في الملعقة ولكني أُصبت بخيبة مريرة حين اتضح انه ليس إلا ماء رشت عليه قليلًا من الملح والتوابل. مضيتُ في سبيلي غير عابئ بالقصف الكثيف من حولي، وأمضيتُ ساعتين في الطواف حول البلدة باحثًا عن شيء أسد به رمقي.

الهجوم بالسارين

القصف لا يتوقف. في يوم هادئ، تسقط 60 إلى 70 قذيفة. في 21 آب (اغسطس)، يوم الهجوم بغاز السارين، كان نصيبنا أكثر من 2000 قذيفة وقنبلة والكثير من الغارات الجوية بطائرات ميغ. وجاءت أكبر محاولات النظام للسيطرة على البلدة بعد الهجوم بغاز السارين.

فقدنا 18 شهيدًا ذلك اليوم وتعرض 550 للغاز، أنا واحد منهم. استيقظتُ لأداء صلاة الفجر فيما كان اربعة من اصدقائي نائمين. سمعتُ صفارات انذار غريبة آتية من جهة دمشق، كتلك التي نسمعها في افلام الحرب قبل الغارة الجوية، إنه صوت مخيف جدًا.

في غضون ثوانٍ، بدأت القذائف تنهمر، احداها سقطت على بعد 100 متر. وبعد دقيقتين لم اعد قادرًا على التنفس. شعرتُ أن صدري يحترق. حاولتُ إيقاظ الأصدقاء لكني لم استطع الكلام. فانهلتُ على صدري لكمًا كي اتمكن من الصراخ. صرخت، واستيقظ أحد اصدقائي النائمين.

انها قصة طويلة. لكني كنتُ ميتًا لمدة 30 دقيقة. ولولا صديقي الذي كان يبكي علي ويهزني لما لاحظوا اني ما زلتُ على قيد الحياة. تلقيتُ حقنتي اتروبين المضاد لغاز السارين. الآن أشعر ببعض الآثار الغريبة. منذ يوم السارين لا استطيع النوم أكثر من 4 ساعات، حتى لو كنتُ منهَكًا. أصبحت عيناي تتحسسان بشدة من الضوء والدخان، لكنهما صارتا حادتين كعين الصقر. احيانا ارى اشياء بعيدة بتفاصيل لا يراها آخرون.

شيء آخر. عندما يقع أمر يجعلني اندفع، كقنبلة أو معركة أو أي شيء، تزداد دقات قلبي سرعة، ليس كالسابق بل أكثر بكثير. آخرون يعانون من صعوبات في التنفس ومشاكل في الذاكرة.

الأمل واليأس والصمود

نتدبر أمر الكهرباء. نشحن بطاريات السيارات على المولد، ونشحن هواتفنا الخلوية لكي لا نعطلها. الكهرباء ليست مستمرة من المولد. كان هناك 40 الف شخص في معضمية الشام قبل الثورة. وهناك الآن اقل من 8000. نحو 600 لقوا حتفهم، بنيران القصف والقنص والسارين. صديقتي داليا في اوروبا. افتقد وجهها الملائكي. افتقدها كلها. أحياناً اشم رائحة عطرها خلال القصف والدم. الشتاء موسم رعب مطلق. نعتقد أن محاربة البرد ستكون أسوأ من محاربة الجوع.

صدري يحترق! أشعر كأنني تنين منفلت من عقاله. أُريد أن انفث النار التي في داخلي وأحرق العالم. حاولتُ تفريغ غضبي بمعاقبة قصف الأسد على البلدة. ركلتُ كل اكوام الأنقاض في شارعنا وزأرتُ كوحش جريح. لكن غضبي كان يزداد مع كل شهيق.

السارين والتجويع والقصف ومحاولات الاجتياح وعمليات الاجلاء والآن يأتي البرد ليصب الزيت على معاناة 8000 مدني ما زالوا في البلدة. الآن، بعد أن تابع العالم تدمير اسلحة الأسد الكيميائية، والآن بعد ما رأتني صامدًا شياطين الموت التي أطلقها الأسد علينا، فهل العالم مستعد لأن يحبنا؟

إنني في سباق مع الزمن، إذا كنتُ حيًا بعد ساعة أو أيام، لا أعرف. عندي فرصة لإرسال صوتنا وحكايات معاناتنا. لن أهدرها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف