قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"الكتاب الأسود " الذي اصدرته رئاسة الجمهورية في تونس، وتضمن أسماء الصحافيين المورطين في مساندة الديكتاتورية، مرفقا بالوثائق والشهادات، كان بمثابة الزلزال، وقد اختلف من حوله الحقوقيون والقضاة والإعلاميون.
تونس: أثار "الكتاب الأسود" الذي أصدرته رئاسة الجمهورية التونسية، وكشف تورط إعلاميين ورجال ثقافة ووسائل إعلام عربية، في التسويق لـ"نجاح الإختيارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية للنظام السابق وتلميع صورته في الداخل والخارج مقابل أموال تصرف بسخاء"، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والحقوقية والمدنية. وتباينت الآراء وتنوعت بخصوص اصدار "منظومة الدعاية تحت حكم ابن علي، الكتاب الأسود"، بإشراف من دائرة الإعلام والتواصل برئاسة الجمهورية، إذ اعتبر البعض الكتاب "غلطة سياسية كبرى"، و"تشويشا على مسار قانون العدالة الانتقالية"، و"اعتداء على القضاء التونسي" بينما رأى شق آخر "ضرورة إحالة ملفات الإعلاميين المتورطين على القضاء"، وأنّ هذا الكتاب "كشف نفاق النخبة".
وصف للأرشيف عدنان منصر الناطق الرسمي بإسم رئاسة الجمهورية، أعلن في وقت سابق، أنه سيتمّ إصدار جزء ثان من الكتاب الأسود يتضمن معلومات جديدة حول "منظومة الإعلام في نظام بن علي". وقال منصر في حوار على القناة الوطنية الأولى إنّ هذا الكتاب أعدّه "أرشيفيون و إداريون دون تدخّل أي طرف في تحريره"، مشددا على أنه "ليس نشرا للوثائق بل تقريرا ووصفا لمخزون من الأرشيف". وعبّرت الجامعة التونسية لمديري الصحف عن "عميق استيائها واستنكارها لما ورد من مغالطات خطيرة في ما سمي بالكتاب الأسود المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي والصادر عن رئاسة الجمهورية"، مؤكدة "احتفاظها بحقّ مقاضاة كلّ المورطين في حبك سيناريوهات التجريم التّي طالت أعضاءها دون وجه حقّ وذلك لدى المحاكم التونسية والهيئات والهياكل الممثلة دوليا".
مثير للبلبلة تعليقا على"الكتاب الأسود"، اعتبر وزير حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية، سمير ديلو، الكتاب "معاكسا لعقلية وذهنية وأدوات العدالة الإنتقالية، فهو يضرّ ويشوّش على مسار العدالة"، على حدّ تعبيره. وأضاف ديلو: "هذا الكتاب يعتبر مخالفا للعدالة الانتقالية" شكلا وروحا وتوقيتا وحتى المضمون". وأشار إلى أنّ هذا الأرشيف الذي تملكه رئاسة الجمهورية "لا يمكن أن تتصرف فيه أي جهة كما تشاء خاصة وقد قسّم الساحة من خلال ردود الأفعال بين ضحايا الماضي والمتورطين في نظام بن علي". واعتبر بيان لحزب الإتحاد الوطني الحرّ الكتاب الأسود "مثيرا للبلبلة في هذه المرحلة"، مشيرا إلى أنه "يخالف قوانين البلاد وخاصة قانون حماية المعطيات الشخصية لسنة 2004 و قانون حق النفاذ إلى المعلومة، ويشوّش على مسار العدالة الانتقالية".
سقوط رموز النخبة حيّا عبدالرؤوف العيادي الأمين العام لحركة وفاء "المرزوقي على شجاعته من خلال كشف المتورطين من الإعلاميين الفاسدين"، مشيرا إلى "سقوط رموز النخبة بعد الضجّة التي أحدثها هذا الكتاب". وأوضح العيادي لـ"إيلاف" أنّ الكتاب الأسود كشف "نفاق النخبة" مطالبا بعدم الإقتصار بذلك والعمل على كشف السياسيين المتورطين في الفساد والمتعاونين مع نظام بن علي". ومشددا على "معرفة من تعامل مع اسرائيل في الفترتين السابقتين". من جانبه، طالب حزب التيار الديمقراطي بـ"إحالة ملفات المتورطين في الفساد من الإعلاميين ذات الصبغة الجزائية على القضاء، معتبرا في بيانه أنّ الحلّ لكشف وثائق الدولة وأرشيفها هو سن قانون في الغرض يسند تلك الصلاحية للجنة مستقلة تتسم بالحياد وتقوم بأعمالها بموضوعية وبمعزل عن أي دوافع حزبية أو سياسية في إطار منظومة عدالة انتقالية تضمن عدم الإفلات من المحاسبة و تنتهي بوضع الإجراءات الضرورية لعدم تكرر الجرم".
العدالة الإنتقالية أبرز أيمن الرزقي عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أنّ: "هذا الكتاب تضمن معلومات مهمة"، مؤكدا لـ"إيلاف" أنّ "النقابة تساند عملية كشف الحقيقة لما كان يجري في النظام السابق لكن هذا الكشف لا يمكن أن يكون من طرف رئاسة الجمهورية لوحدها بإستغلال الوثائق والمعلومات دون إشراك للقضاء والنقابة، فكشف الحقيقة لا يكون إلاّ في إطار العدالة الإنتقالية". وقالت عضو الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري رشيدة النيفر لـ"إيلاف" إنّ إصدار رئاسة الجمهورية للكتاب الأسود يعتبر "أمرا شاذا"، لأنّ الأرشيف وكشف الحقائق واستغلال المعلومات العامة يبقى موكولا للعدالة الإنتقالية. وضمّ الكتاب الأسود أسماء صحافيين ورؤساء وتحرير ومديري صحف تمّ تسخيرهم لخدمة النظام مقابل امتيازات مالية ومنح مجزية، ومناصب عالية من خلال عملية تمّ توثيقها بمراسلات وتقارير جاسوسية بين القصر والاعلاميين ومؤيدات تكشف المبالغ المالية الكبيرة التي تم صرفها لرموز منظومة الدعاية وهو ما منح الكتاب قيمة توثيقية هامة.
سابقة تاريخية قال الكاتب عادل السمعلي متحدثا عن الكتاب الأسود: "إن هذه السابقة التاريخية النوعية في كشف منظومة الفساد الاعلامي مكنت من كشف اللثام عن آليات منظومة الدعاية الاعلامية لتبييض صورة الجنرال الهارب وتشويه صورة المعارضين لنظامه." وأضاف السمعلي لـ"إيلاف": "لم تقتصر هذه المنظومة على أسماء المتورطين من إعلاميي تونس فحسب بل ضمت قرابة مائة شخصية عربية وأجنبية من الإعلاميين والمثقفين العرب الذين تمت رشوتهم من نظام بن علي لكتابة المقالات وتأليف الكتب عن القيادة الرشيدة والحكمة الفريدة لنظام بن علي وهناك من الأسماء الصادمة التي كانت على علاقة دعائية وثيقة بنظام الفساد والاستبداد بتونس والتي أصبحت تنظر للثورة ولآستحقاقات الكرامة والحرية بعد سقوط الديكتاتورية." وقال السمعلي: "إن من يستعرض أسماء الإعلاميين الفاسدين الواردة في الكتاب الأسود للصحافيين المتورطين في منظومة الدعاية الإعلامية للمخلوع يقف على حقيقة أنّ نفس هذه الأسماء هي التي انبرت بعد الثورة تعطي الدروس الثورية للرأي العام التونسي عبر البرامج الإذاعية والتلفزية وهي نفسها التي أطلقت حملات تشويهية على الرئيس المرزوقي لغاية استهدافه بالتهجم أحيانا وبالسخرية والاستهزاء منه أحيانا أخرى".
دوافع سياسية وحزبية واعتبرت روضة العبيدي رئيسة نقابة القضاة التونسيين الكتاب الأسود "اعتداء على القضاء والعدالة الإنتقالية"، مشددة على هامش ندوة "مؤسسات الدولة على محك الثورة"، أنّ الكتاب جاء بناء على "دوافع سياسية وحزبية"، ويمثل "ضربا لحق الدفاع ولضمانات المحاكمة العادلة". واستنكرت جمعية الصحفيين الشبان "انخراط رئاسة الجمهورية في سياسة التشهير وخرق القانون "بعيدا عن القضاء مشيرة في بيانها إلى أنّ الكتاب "يندرج ضمن مسار العدالة الانتقالية التي توفر كل الضمانات للمتهمين والمتضررين". ودعت جمعية الصحفيين الشبان رئاسة الجمهورية إلى "رفض هذا الأسلوب والرجوع إلى المسار القانوني والعادل بعيدا عن التشهير".