خفيفة في لبنان وقوية في مصر
"ألكسا" بيضت الأرض والأمل أن تبيّض القلوب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
توقعها اللبنانيون قوية، فضعفت، وتوقعها المصريون مشتتة، فتجمعت عليهم وقويت، وبين البلدين دول استقبلتها بالرجاء، وتعلقت بحبال هوائها.
بيروت: حلّت أليكسا الروسية بدول الشرق الأوسط، عاصفة هوجاء اقتلعت الحجر والشجر، وسجنت البشر تحت ثوبها الأبيض، أو في منازلهم، وأقفلت أبواب المدارس في ثلاث دول على الأقل.
خيبة لبنان
منذ مساء الثلاثاء، كانت التقارير المناخية في لبنان تنذر بعاصفة قادمة لم يرَ مثلها اللبنانيون منذ عقود، سيتساقط ثلجها على حدود الساحل، أي أقل من 500 متر عن سطح البحر.
وأمرت وزارة التربية بإقفال المدارس كافة على الأراضي اللبنانية. إلا أن أليكسا المراوغة لم تكن كما توقعها اللبنانيون، أو سكان العاصمة بيروت على الاقل، فأتت أقل من شقيقتها أولغا، الروسية أيضًا، التي بيضت لبنان في العام الماضي، واغرقت مدنه بمياه أمطارها.
وبقيت أليكسا اللبنانية على وهنها، حتى مساء الجمعة، حين قدّت مراجلها، وشمرت عن زنديها، وغطت شمال لبنان وجنوبه وبقاعه بالأبيض الكث، وقطعت الطرقات. إلا بيروت، فلم تنل من أليكسا إلا أمطارًا لا ترقى إلى مستوى المطر الطبيعي، وصقيعًا راود المدارس عن أنفسها، فاستمرت في الاقفال حتى الاثنين المقبل، حين تكون أليكسا ولت الأدبار.
واللبنانيون أرباب السخرية، لا محال. فقد ملأوا جدران صفحاتهم على موقع فايسبوك بصور أليكسا الضعيفة، وثلج الجبال، والنكات على توقعات بالويل الماطر والثبور الفائض، حتى قال أحدهم أن أليكسا انحرفت عن لبنان إلى دبي، "لأنهم دفعوا لها أكثر". وقال آخر إن أليكسا لقيت في لبنان ترحيبًا حارًا فهربت إلى الدول المجاورة.
خيمة سوريا
في سوريا، السوريون معتادون على السيدة ذي الرداء الأبيض، خصوصًا في دمشق وريفها. لكن هذا العام، وفي ظل الحرب السورية، تعلق السوريون بحبال هواء أليكسا، عساها تغض عنهم طرف قناص، أو قذيفة مدفع، ولو برّدت مضاجعهم. إلا أن السوريين النازحين، في سوريا وفي خارجها، فقد رقدوا باردين في خيام رثة، ولا ما يرد عنهم صقيعًا "يقص المسمار"، ولا ريحًا تقتلع خيمة وتّدوها قويًا، لكنها ما صمدت.
الموت يلاحق السوريين، لكنهم نظروا إلى دمشقهم وريفها بيضاء، وإلى جبل قاسيون يرزح تحت ثوب ثقيل من الثلج، وفي أنفسهم أن اللهم بيض صفحتنا، وارثِ لحالنا، ودسّ الرحمة في قلوب سوّدتها الأحقاد الدفينة والانقسامات العميقة، وابعد عنا الموت الزؤام.
والموت يلاحقهم إلى ملاجئهم في الديار المجاورة لسوريا، في لبنان والأردن وتركيا، وكلها تحت رحمة أليكسا، التي قال عنها ناشطون سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي إنها آتية لتكرس التفوق الروسي في المنطقة، سياسيًا، وعسكريًا، والآن مناخيًا... "وتعثّر كل من تلطى بفيء أميركا".
هلا بالخير
في الأردن، تقطعت أوصال المدن، وانقطعت الطرق، وذهل الأردنيون من هول العاصفة، لكنهم ما تأففوا، وما أدبروا منها، بل تناوبوا على جرف الثلوج بفرح، والكل على قلب رجل واحد، وبلسان رجل واحد، يقول: "اللهم أرسل الخير". والخير هذا ما رآه سكان القاهرة منذ 112 عامًا. فحينها، تغطت الأهرامات بالأبيض، حتى هذا العام.
وما كان المصريون يتوقعون أن تصلهم العاصفة الهوجاء بهذه القوة، فما تدبروا لها، إنما جلسوا مذهولين أمام نوافذهم، في مصر الجديدة، وفي مدينة "مدينتي"، وحتى في مدينة سانت كاترين بسيناء.
ومنظر الأهرامات مجللة بالأبيض ليس كمنظره شيء، وكذلك أبو الهول غير العابئ بالبرد. هو نفسه الذي قيل إن الاخوان أرادوا بيعه أو تأجيره، يبقى شامخًا بينما رحل الراحلون. مصر آملة أن تبرد أليكسا رؤوسًا حامية، عساها تعود إلى رشدها، وإلى مصرها.